زيارة عبداللهيان لبيروت «منصة» لرسائل متعددة الاتجاه

عبداللهيان: الحوار والمفاوضات السبيل الأمثل والأكمل لخروج الغرباء من المنطقة

لبنان الرسمي يستسهل الرهان على حلول خارجية ويتنصّل من مسؤولياته

دوكان: إذا تمّ التوصل لاتفاقٍ مع صندوق النقد ونُفِّذ فقد تسعى فرنسا لتنظيم مؤتمر دولي لتقديم مساعدة مباشرة لميزانية الدولة اللبنانية

العماد جوزف عون: الجيش هو الأمان والضمانة للبنان وشعبه وإلا فالميليشيات المسلّحة ستستعيد سيطرتها
لم يفاجئ تحويل وزير الخارجية الإيراني حسن أمير عبداللهيان زيارته لبيروت منصّةً لتأكيد تموْضع لبنان في «محور المقاومة» في عزّ محاولة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي اجتياز «ممر الفيلة» الإقليمي وتوسيع حزام الاحتضان الخارجي لمسار الإنقاذ وترميم الجسور مع دول الخليج العربي.

وإذا كانت الزيارة الأولى لمسؤول إيراني، لبيروت بعد تشكيل حكومة ميقاتي عكستْ في الشكل والمضمون ارتياح طهران الكبير بإزاء البُعد التطبيعي الذي عبّرت عنه التشكيلة الوزارية مع موازين القوى الداخلية والتي أقّرت بها باريس وقوّضت ركائز مبادرتها حيال الواقع اللبناني، فإنّ أوساطاً واسعة الاطلاع استوقفها «تَناغُم» مواقف كبار المسؤولين في بيروت عند الرهان على الحوار الإيراني – السعودي باعتبار أن نتائجه من شأنها أن تنعكس إيجاباً على «بلاد الأرز».

وفي رأي هذه الأوساط أن الائتلاف الحاكم في لبنان (الرئيس ميشال عون و«حزب الله») ومعه ميقاتي بالدرجة الأولى يخطئون باعتقادهم أن «المشكلة والحلّ» في أزمة لبنان وآفاق الخروج منها تكمن في الخارج، محذّرة من استسهال اللبنانيين مجدداً التنصّل من مسؤوليتهم عما آل إليه الوضع في بلدهم وخصوصاً لجهة «إبعاد» الدول العربية ولا سيما الخليجية وترْك فريق لبناني (حزب الله) يثبّت إمساكه بمفاصل القرار الداخلي وتهديد أمن دول خليجية و«اختراقها» بأكثر من طريقة.

وتحذّر هذه الأوساط، وهي على خصومة مع «حزب الله»، من إغراق المسؤولين اللبنانيين في نفْض يدهم من الدور الذي يتعيّن عليهم أن يؤدّوه في الطريق لمعاودة كسْب ثقة دول الخليج، إذا كان يصرون مع عواصم غربية على أن تنخرط هذه البلدان في مسار الإنقاذ المالي للبنان، والذي يمرّ بأن تستعيد الدولة مقوّماتها التي ترتكز على قواها الشرعية وبسط سيطرتها على مرافقها ومعابرها، في موازاة مراعاة نظام المصلحة العربية وتفادي تَفَرُّد طرف لبناني في استهداف تلك الدول المباشر وغير المباشر.

ولاحظت هذه الأوساط أنه في حين ترافق وصول عبداللهيان إلى بيروت مع دخول باخرة محروقات إيرانية ثالثة مرفأ بانياس السوري تمهيداً لنقلها إلى «بلاد الأرز» براً عبر المعابر غير الشرعية، فإن طهران التي باتت بقوة «الأمر الواقع» شريكاً مضارِباً عبر «حزب الله» في سوق المحروقات اللبناني الذي اقتحمتْه تحت شعار «كسْر الحصار»، حرصت عبر كلام وزير خارجيتها على محاولةِ حجْزِ موقعٍ مزدوج لها لبنانياً:

الأول على خريطة الإصلاحات القطاعية التي تشكل ركيزة في خطة التعافي التي سيفاوض على أساسها لبنان صندق النقد الدولي، وتحديداً ملف الكهرباء حيث أبدى عبداللهيان استعداد «الشركات الإيرانية المتخصصة في فترة زمنية لا تتجاوز 18 شهراً لبناء معملين لإنتاج الطاقة الكهربائية بقوة ألف ميغاوات. الأول في بيروت وآخر في الجنوب».

والثاني في مسألة إعادة إعمار مرفأ بيروت التي تشهد «سباقاً» إقليمياً – دولياً عليها، حيث أكد «الاستعداد الكامل للمبادرة من خلال الخبرات الفنية والهندسية الإيرانية للمساهمة فوراً في إعادة ترميم وبناء المرفأ بحال طلب الجانب اللبناني هذا الأمر».

واستهلّ عبداللهيان محادثاته الرسمية بزيارة الرئيس عون الذي شدد على «دعم لبنان للجهود التي تبذلها الجمهورية الإسلامية الإيرانية لتعزيز التقارب بينها وبين دول المنطقة، لا سيما العلاقات مع الدول العربية، من خلال الحوار القائم لهذه الغاية»، معتبراً «أن مثل هذا الحوار يمكن أن يقرب وجهات النظر حيال القضايا المختلف عليها».

ونوّه عون «بالتضامن الذي تبديه إيران مع لبنان في مواجهة أزماته، وبالمساعدات التي قدّمتها بعد انفجار مرفأ بيروت»، محمّلاً عبداللهيان «تحياته إلى الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي والشعب الإيراني الصديق، متمنياً لهم دوام التقدم».

وكان عبداللهيان قدّم للرئيس عون «عرضاً لموقف بلاده من التطورات الإقليمية والدولية ولأجواء المفاوضات التي تجريها طهران مع عدد من الدول العربية والأجنبية والاقتراحات المتداولة لتحسينها وتطويرها، وكذلك ما يتعلق منها بالملف النووي».

وبعدها زار عبداللهيان الرئيس ميقاتي الذي هنأ الوزير الإيراني بتوليه مهماته، وقال: «إن لبنان بأمس الحاجة اليوم، وأكثر من أي وقت إلى تعزيز ثقة اللبنانيين بالدولة ومؤسساتها، من خلال علاقات طبيعية بين الدول تقوم على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة في ما بينها».

وفي موقف ذات دلالات، شدد ميقاتي على «ترحيب لبنان بأي جهد من الدول الشقيقة والصديقة والمجتمع الدولي طالما يندرج في سياق مساعدته في الحفاظ على منطق الدولة ومؤسساتها الدستورية ودورها في الحماية والرعاية وتقوية قواها الشرعية الأمنية والعسكرية».

ورحّب «باسم الحكومة اللبنانية بالمناخات والأجواء الإيجابية التي سادت جولات الحوار بين إيران والسعودية والتي استضافتها دولة العراق الشقيق»، مؤكداً «أن التلاقي والحوار بين دول الجوار العربي والإسلامي هو قدر شعوب المنطقة الطامحة إلى العيش بسلام وأخوة»، مشدداً «على وجوب الاستثمار على النيات الصادقة التي تبديها الأطراف المتحاورة للوصول إلى طي صفحات الخلاف كافة، وبالتالي التأسيس لفتح صفحة جديدة من علاقات التفاهم والصداقة القائمة على الاحترام المتبادل لسيادة الدول وعدم التدخل بشؤونها الداخلية والمحافظة على أمنها واستقرارها».

وقال ميقاتي: «إن الخدمة الفضلى التي يمكن أن تُقدم للمنطقة بشكل عام، وللبنان بشكل خاص في هذه المرحلة الحرجة، هي أن تثمر لقاءات الحوار والتفاوض بين الجوار العربي والإيراني توافقاً كاملاً حول مختلف العناوين والقضايا التي من شأن التفاهم حولها أن يساهم في إرساء دعائم الأمن والتقدم والاستقرار، وهذا ما سيلقي بظلاله الإيجابية وفوائده على لبنان واللبنانيين».

وإذ لم يتحدث عبداللهيان بعد زيارة ميقاتي، أكد عقب لقائه رئيس البرلمان نبيه بري: «كان هناك تأكيد على أهمية الدور الذي تقوم به المقاومة اللبنانية الباسلة في التصدي للكيان الصهيوني وأكدتُ لدولة الرئيس الاستعداد الدائم والثابت للجمهورية الإسلامية الإيرانية بالوقوف إلى جانب لبنان».

وأضاف: «أيضاً كان هناك تشاطر في وجهات النظر مع دولته على أن كافة الملفات الإقليمية ينبغي أن تحل على أيدي أهل المنطقة بأنفسهم. وقد قيّمنا إيجابياً استمرار وتيرة المفاوضات الإيرانية – السعودية. ونحن نعتبر أن وجود القوى الغريبة في المنطقة هو العامل الأساسي الذي يعمل على زعزعة الأمن و الاستقرار وإيجاد المشكلات في ربوع المنطقة».

وبعدها كان لقاء مع وزير الخارجية اللبناني عبد الله بو حبيب الذي قال في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الإيراني: «يسعدني أن أرحب بوزير خارجية إيران البلد الصديق. نعلم أن العلاقة الإقليمية مهمة بالنسبة لبلدنا الصغير، لذلك نتمنى كل النجاح للمفاوضات التي تقوم بها إيران، سواء مع السعودية أم مع دول الخمس زائد واحد في فيينا، لأن نجاحها ينعكس إيجاباً على لبنان وعلى إمكان أن يتحرك بحرية أكثر في المنطقة».

أما عبداللهيان فأكد «توافقنا مع معاليه حول انعقاد اللجنة الاقتصادية المشتركة بين البلدين»، وقال: «نعتبر أن من أبسط مفاهيم الحقوق الدولية، أن باستطاعة بلدين صديقين وشقيقين كإيران ولبنان أن يمضيا قدماً في توقيع اتفاقات تفاهم ثنائي في مجال الكهرباء، لكن بطبيعة الحال، شرط أن ينال ذلك موافقة من الجانب اللبناني (…)».

وأضاف: «نعتبر أن لدى لبنان بشعبه وجيشه وحكومته وبمقاومته قدرة كبيرة على الوقوف بكل صمود وبطولة بوجه أطماع الكيان الصهيوني. ونحن في هذا الإطار لا يسعنا إلا أن نستذكر بكل احترام الأرواح الطاهرة المكرمة لشهداء المقاومة الكبار الذين بذلوا دماءهم للذود عن هذا البلد الشقيق، لمواجهة الصهاينة من جهة والتكفيريين من جهة أخرى. وعندما نتحدث عن الشهداء الكرام، لا بد أن نستحضر أرواح القادة الشهداء عماد مغنية والفريق قاسم سليماني وقائد الحشد الشعبي في العراق أبومهدي المهندس، ونعتبر أنهم خطوا من خلال دمائهم طريق المقاومة وصنعوا انتصاراتها، من لبنان والعراق وإيران».

وأوضح أنه «تطرقنا مع المسؤولين اللبنانيين إلى المفاوضات الإقليمية التي تقودها إيران. وطهران تعتبر أن مسألة الحوار والمفاوضات السبيل الأمثل والأكمل الذي يؤدي إلى خروج الغرباء من المنطقة، وإلى حلحلة كل المشكلات التي ما زالت عالقة في ربوع هذا الإقليم. نحن نؤمن بالحوار، أكان في مقاربة الملفات الإقليمية أو الدولية»، وقال: «في ما يتعلق بملف المفاوضات الإيرانية – السعودية، هناك مسافة جيدة قطعت حتى الآن. أما في ما يتعلق بالملف النووي السلمي لإيران، فنحن نعتمد المفاوضات بشكل أساسي ونعتبر أن المفاوضات التي تحفظ الحقوق المشروعة والعادلة للشعب الإيراني هي التي تطمح إليها الحكومة الإيرانية، وإذا كانت هناك نية جدية صادقة وحقيقية لدى الطرف المقابل في مجال العودة إلى هذه الاتفاقية وتطبيق كل الالتزامات والتعهدات التي كانت قد أخذتْها على عاتقها، في هذه الحالة فإن لدى الجمهورية الإسلامية الاستعداد للعودة إلى مندرجات هذا الاتفاق، ولكن لا نعتمد الإشارات والمؤشرات الشفوية التي تصدر من الأميركيين في هذا المجال ولا الوعود الواهية التي تصدر عن الدول الأوروبية في هذا المجال، بل إن معيارنا الأساسي هو رفع العقوبات وعودة كل الأطراف إلى الاتفاق النووي، وإذا تم هذا الأمر، فإيران كانت ولا تزال الدولة الأكثر التزاما بمندرجات هذا الاتفاق».

وفي موازاة زيارة عبداللهيان الذي يفترض أن يكون التقى أيضاً الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله على أن يغادر بيروت اليوم الجمعة، انهمك المشهد السياسي بموقفين:

الأول لمنسق المساعدات الدولية من أجل لبنان الموفد الفرنسي بيار دوكان الذي أكد خلال لقائه ميقاتي «ضرورة الإسراع في إطلاق المفاوضات مع صندوق النقد الدولي وضرورة التوصل إلى اتفاق قبل نهاية السنة». وكشف أنه «في حال تم التوصل إلى هذا الاتفاق وتنفيذه فقد تسعى فرنسا إلى تنظيم مؤتمر دولي لتقديم مساعدة مباشرة لميزانية الدولة»، كما شدد على «المباشرة بتنفيذ الإصلاحات، وتوحيد الموقف اللبناني خلال المفاوضات».

وتطرق إلى «ملف المفاوضات غير المباشرة مع العدو الإسرائيلي لترسيم الحدود البحرية»، فقال: «الجيش، وبتكليف من رئيس الجمهورية، قام بواجبه الوطني بالمطالبة بحقوق مياهه البحرية، وأظهر احترافاً ومناقبية عالية خلال جلسات التفاوض التقنية، استناداً إلى أحكام القانون الدولي ووفق مبدأ المطالبة بالحد الأقصى القانوني لتأمين أقوى وضعية تفاوضية. اليوم، هذا الملف ينتظر القرار السياسي للبت فيه واتخاذ القرار المناسب. نحن نخضع للسلطة السياسية، لأن الموضوع وطني بامتياز ويعني الجميع».

الراي – وسام أبوحرفوش وليندا عازار

مسؤولية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.

مواضيع تهمك

Comments are closed.