جرائم الثأر تعود إلى ترويع اللبنانيين وسط انهيار الدولة

لوحظ في لبنان، مؤخرا، ارتفاع مهول في عدد جرائم القتل وعودة عادة الثأر القديمة إلى الواجهة، وسط تراخ أمني، بينما ترزح البلاد تحت أسوأ انهيار اقتصادي واجتماعي.
ويستفيق اللبنانيون يومياً على أخبار جرائم قتل ارتكبت من أجل الثأر، فينتقل صداها من منطقة إلى أخرى، حتى أضحت تروع الناس وتزيد فقدانهم للأمان.

آخر حلقة من مسلسل الجرائم كانت صباح الخميس، حين قام شاب بإطلاق النار من سلاح حربي على مواطن آخر، عند مفترق بلدة تل عباس الغربي في عكّار شمالي لبنان.

وأدت الطلقة إلى إصابة بليغة لدى الضحية، جعلته يرقد بين الحياة والموت، وهذه الجريمة شبيهة بما وقع في الأيام القليلة الماضية، عندما راح عدد اللبنانيين ضحية لجرائم، سواء في ضاحية بيروت الجنوبية أو في مدينة بعلبك ومحافظة الهرمل أو عكار شمالاً، وفي مناطق لبنانية مختلفة.

عودة الثأر

ويرى خبير علم الاجتماع، إبراهيم توفيق، في تصريح لموقع “سكاي نيو عربية “، أن سبب الارتفاع الحالي في معدلات الجرائم ناجمٌ عن عوامل الاقتصاد وعدم الاستقرار السياسي، ثم أشار إلى دور التراخي الأمني الذي أعقب محاولة الشعب اللبناني الثورة في الشارع ضد الواقع السياسي، “هناك من استغل كل هذه الظروف لتنفيذ أعمال إجرامية، مما أدَّى إلى ارتفاع معدلات جرائم القتل وجرائم أخرى مثل سرقة السيارات”.

غياب هيبة الدولة

وقال رئيس بلدية مدينة بعلبك السابق، غالب ياغي، في تصريح لموقع” سكاي نيوز عربية “، إنه من الطبيعي أن تتفشى مثل هذه الجرائم التي عادت الى الواجهة “بكل أسف، بسبب فقدان هيبة الدولة، لا بل غياب المعنيين بحماية المواطن داخل الدولة وتقاعسهم عن القيام بدورهم “.

وتوقع ياغي ” تنامي الانفلات والفوضى أكثر فأكثر، في حال استمر الوضع على حاله، خصوصاً في المناطق التي تفتقر إلى التنمية الإدارية والبشرية والاهتمام مثل محافظة البقاع الشمالي؛ بعلبك والهرمل وجوارها، ومناطق عكار شمالي لبنان”. وتساءل “هل المقصود هو ترك الناس يتولون حماية انفسهم بأنفسهم فيلجأ كل مواطن وبلدة إلى الأمن الذاتي؟ وأعرب عن أمله في أن يقوم كل طرف بعمله.

من زاوية علم النفس

وقال الباحث المختص في علم النفس العلاجي، نقولا رزق، في تصريح لموقع “سكاي نيوز عربية”، إن موضوع الثأر يتعلق بالشخصية نفسها، لأن علم النفس ينظر إليه من خلال البعد التربوي والثقافة الاجتماعية، إضافة إلى الظروف الشخصية التي يمر بها الإنسان.

وخلص الباحث إلى أنه في حال “اجتمعت هذه الجوانب بصورة سلبية، فهي تدفع الشخص ليثأر من قضية ما حصلت معه، متصوراً أن ذلك من حقه “.

وأضاف رزق “المجتمعات التي تنفلت فيها صورة السلطة وتغيب هيبتها، يضطر فيها الشخص إلى الدفاع عن نفسه بأساليب مختلفة، ناهيك عن الضغوط النفسية التي يمر بها لبنان مع فقدان شبكة الأمان على المستوى الصحي والمادي والمجتمعي والتربوي والأمني”.

وأوضح أن هذه الأمور تجعل المواطن اللبناني يفتقد دور الجهات المسؤولة الغائبة، فيبادر البعض إلى التصرف، وفق ثقافتهم الشخصية واستناداً لبعض الموروثات الاجتماعية التي قد تلعب دوراً كبيراً في مثل هذه الحالات”.

وشدد الباحث على أهمية المرجعيتين الأمنية والقضائية، لأن مخالفة القوانين باتت لا تلقى حساباً، وهذا الوضع يدفع البعض إلى إطلاق العنان لأنفسهم والقيام بتصرفات يرونها ضرورية للمحافظة على ذواتهم وعلى محيطهم الاجتماعي”.

وأردف أن هذا الأمر يحصل أحيانا “بطريقة عشائرية كي يظهر أولئك الأشخاص (المنتقمون) قوتهم في مجتمعهم ومحيطهم الضيق، فتعود قيمة أخذ الثار”.

وأضاف أن هذا الفعل يأتي بمثابة رد فعل سريع على جريمة سابقة من دون خوف، فيبعث الأخذ بالثأر في نفس مرتكب الجريمة نوعاً من الإحساس بالقوة والرجولة”.

ما الحل؟

يرى رزق في ختام حديثه أن ” الحل يجب أن يرتكز على أمرين؛ أولهما إعطاء الدور الأساسي للتربية في المجتمع والعائلة، من خلال رؤية مجتمعية مدنية تحفظ حقوق الناس، وهذا يتطلب المزيد من الوقت، لكنه يعد الركيزة الأساسية على المدى المنظور.

أما من ناحية ثانية، فالمسؤولية ملقاة على عاتق القوى الأمنية والقضائية والمرجعيات الدينية، حتى تقوم بدورها في أسرع وقت ممكن لمعاقبة المذنب، وفق الأصول والقوانين النافذة.

ودعا الباحث المسؤولين إلى القيام بدورهم قبل فوات الأوان من دون مسايرة وتراخ وتهاون، ودون تدخل ووساطات تعيق تحقيق العدالة لكي يشعر المواطن أن حقه مضمون فلا يسعى الى أخذ حقه بيده.

مسؤولية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.

مواضيع تهمك

Comments are closed.