جنازات يومية لضحايا قارب الموت في طرابلس

لم تعرف مدينة طرابلس في شمال لبنان حزنا كالذي تشهده هذه الأيام، مواطنون هربوا من الفقر المدقع المتفشي في مدينة الأثرياء، حيث الأحياء الداخلية المكتظة وجبل التبانة والقبة، هربوا على متن قارب مكشوف قاصدين جزيرة قبرص، لكن الرحلة فشلت وعادوا ليجدوا الموت ينتظرهم في حضن البحر.

جنازة يومية لواحد من الضحايا وأحيانا اثنتين، تبعا لما يلفظه البحر، من الجثامين الغرقى إلى الشواطئ شمالا وجنوبا وفي الوسط.
وخرج رئيس الحكومة المكلف مصطفى أديب عن صمته، أمس، فأصدر بيانا سياسيا كان لمأساة قارب الموت جانب فيه.
ويروي الركاب أنهم دفعوا تكلفة هذه الرحلة نحو 5 ملايين ليرة لبنانية عن كل شخص مقابل رحلة الموت هذه، وكان هذا المبلغ يساوي قبل عام نحو 3300 دولار، ولكنه أصبح اليوم يعادل 660 دولارا، بعضهم استدان المبلغ وآخرون باعوا ذهب زوجاتهم وأمهاتهم وغيرهم باع أثاث منزله من أجل تأمين المبلغ المطلوب.

ولايزال هناك 7 أشخاص في عداد المفقودين من بين الركاب الذين منهم من رمى بنفسه في البحر، ومنهم من لم يحتمل مشهد الجثتين الصغيرتين المعلقتين اللتين نهشتهما أشعة الشمس قبل أن يبتلعهما البحر، إذ لم يحتمل الطفلان حريق الشمس ولا الجوع فماتا.
ربط جثمانهما بالقارب، لعل أحدا يعثر على المركب ويخلص الركاب فيدفنان بحسب الأصول، كان الاعتقاد ان النجدة ستأتي لكنهما أسلما الروح وانبعثت الرائحة منهما بعد أن انتفخا، واضطر الأهل لرميهما في البحر.

«كانت جالسة في السفينة تنظر إلى المشهد، وهم يرمون الجثة من القارب. كانت تنظر إلى الأمواج وهي تتقاذفها في البحر». هكذا تحدثت جدة سفيان، البالغ عامين ونصف العام، عن تلك اللحظة الرهيبة، كما وصفتها لها ابنتها عبيدة، والدة سفيان.

لم تتحدث الوالدة الى الإعلام، فهي تلزم غرفتها. وقد أخبرت الجدة أن ابنتها محترقة من الشمس، ووضعها النفسي صعب.

رأت ابنها وهو يموت شيئا فشيئا أمام عينيها. تقول الجدة «قالت لي إن الدم بدأ ينزل من رقبته ثم من ظهره. لقد فجرت حرارة الشمس عروقه».

لم تكفه زجاجة الدواء السائل الذي كان في حقيبة يد أمه، والتي شربها مرة واحدة بسبب الجوع.

قصة اخرى حصلت مع السيدة عبيدة، الحامل والبالغة من العمر 19 سنة، انها استقلت مركبا من شاطئ المنية شمالي، شمال طرابلس، حيث كانت مع زوجها وابنها وعشرات الأشخاص الآخرين. معظمهم لبنانيون من المدينة.

ولأن حمولة المركب الصغير كانت كبيرة، اقترح عليهم منظم الرحلة أن ينقلوا الأمتعة والحقائب الأخرى في مركب آخر. وأخذ منهم كل الطعام الذي كان معهم وكان يكفي لأكثر من 10 أيام ويشمل حليب الأطفال ومياه الشرب.

انطلق القارب المكشوف بالركاب، يقول جد الطفل سفيان، لم يكونوا على علم بأنهم «وقعوا في يد عصابة»، وعندما وصلوا إلى عرض البحر، قال قائد القارب إنه ضل الطريق ثم ما لبث أن تخلى عن القارب وتركهم يواجهون مصيرهم في وسط البحر، وهنا يقول جد سفيان «لقد تاجروا بالناس وبالأطفال».

الأنباء ـ منصور شعبان

مسؤولية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.

مواضيع تهمك

Comments are closed.