الدخل الشهري لا يكفي إلا لعدّة أيام: عدم رفع أجور القطاع العام سيدفع بالعديد من المواطنين إلى الفقر

عمليًا نتيجة كل ما سبق ذكره، يئن المواطن اللبناني تحت وطأة ارتفاع الأسعار. ومع دخله الشهري الذي لا يكفي إلا لعدّة أيام، يُطرح السؤال عن كيفية تأمين لقمة عيش هذا المواطن وعدم وقوعه في الفقر المُدقع (هذا أيضًا من مهام الحكومة). وقد عمدت الحكومة حتى الساعة إلى تقديم مساعدات إلى موظّفيها في القطاع العام بهدف مساعدتهم على تحسين قدرتهم الشرائية، وتدّرس حاليًا إمكان رفع الأجور في القطاع العام وهو الحلّ الأسهل بحكّم أنه يتطّلب قرارا من الحكومة.

إلا أن الإشكالية المتوّقعة في حال رفع الأجور تكمن في أن هذا الحلّ سيؤدّي حكمًا إلى التضخّم. فدفع الأجور يتمّ في المصارف وهو ما يعني قبض هذه الأجور من قبل مستحقيها نقدًا بالليرة اللبنانية أو بالدولار الأميركي (بحكم أن التجار لا يقبضون بالبطاقات المصرفية!). الدفع بالليرة اللبنانية ومع رفع الأجور وغياب النمو الإقتصادي، سيفرض على مصرف لبنان ضخّ كميات بالليرة اللبنانية تعادل الزيادة في الأجور، وهو ما سيؤدي إلى التضخّم وفقدان الليرة من قيمتها أمام الدولار الأميركي. وإذا كان الدفع سيتم بالدولار الأميركي، فلا توجد دولارات كافية لدفع مستحقات القطاع العام من أجور ومساعدات! من هذا المنطلق يجب على الحكومة العمل على الحدّ من استهلاك الدولار (خصوصًا من بوابة التهريب) ومُكافحة الإحتكار والمضاربة والتطبيقات، كي تُساعد المواطن اللبناني في استعادة قسم من قدرته الشرائية.

إن رفع الأجور بدون أخذ الإجراءات الآنفة الذكر هو سكين إضافي في جسم الليرة اللبنانية، وعدم رفعها سيدفع بالعديد من المواطنين إلى الفقر بكل أبعاده. من هذا المنطلق تشكل هذه الإجراءات الآنفة الذكر حلًا منطقيًا وفعّالًا للحفاظ على القدرة الشرائية واستعادة قسم مما خسرته.

معطيات سلبية
إذًا وبوجود حلّ تقني لمشكلة التضخّم المتزايد (تم تصنيف لبنان من قبل البنك الدولي في رأس لائحة الدول التي شهدت ارتفاعًا في أسعار المواد الغذائية)، لماذا لا تقوم الحكومة بتنفيذ هذه الإجراءات؟

الواضح من المعطيات السياسية والمؤشرات التي يمكن استخلاصها من تصريحات المسؤولين أن القرارات الإقتصادية مجمّدة بانتظار حل سياسي للأزمة المتوقّعة مع قرب إنتخابات رئاسة الجمهورية وبانتظار توقيع إتفاق على ترسيم الحدود البحرية. وهنا تبرز المشكلة من ناحية أن مقاربة الحلول الإقتصادية تختّلف بحسب القوّة السياسية، وهو ما يؤكّده الاقتصادي «تودارو» (Todaro 2012 صفحة 8) حين يقول «إن القرارات الإقتصادية في الدول في طور النمو تخضع لاعتبارات سياسية، واجتماعية، ودينية، وقبلية، وعائلية قبل الإعتبارات الإقتصادية البحتة»! هذا القول للأسف يلخصّ حالة لبنان والإنطباع التشاؤمي الذي ينتاب المواطن اللبناني عن المرحلة المقبلة.

الديار

مسؤولية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.

مواضيع تهمك

Comments are closed.