انتخابات لبنان.. توقعات بـ «مفاجآت» عديدة

(Dalati Nohra via AP)

وسط الأعلام التي رفرفت على امتداد طرقه غير المضاءة، واللافتات الكبيرة التي حجبت الغيوم في سمائه، شهد لبنان، اليوم المنازلة الانتخابية الكبرى على امتداد مساحته، والتي سترسم نتائجها ملامح المرحلة المقبلة، مع ما يعنيه الأمر من كونها سترسم الحدّ الفاصل بين مرحلتيْن في تاريخ لبنان، ما بعد «الطائف»، تعبّر عنها النتائج لمجلس نيابي جديد، تنبثق عنه رئاسة مجلس قديمة أو جديدة، وحكومة تشكّل استمراراً لحكومة الرئيس نجيب ميقاتي، أو حكومة من نوع آخر، فضلاً عن رئيس جديد للجمهورية، بعد 31 أكتوبر المقبل. علماً بأنّه من الصعوبة بمكان، رسْم تقديرات استباقية موضوعيّة ومتجرّدة للنتائج المحتملة التي قد يفضي إليها الأحد الانتخابي الطويل، إلا أنّ معظم المعطيات الجادّة، عكست توقعات بـ «مفاجآت» عديدة.

وما بين انطلاق صافرة الاقتراع، في ساعات الصباح الأولى، وبين صافرة الوصول إلى المحطة النهائيّة، مع إقفال باب الاقتراع، مع بدايات المساء، دزّينة من الساعات التي اعتُبرت الأطول زمنيّاً، لجهة تسارع النبض لانتخاب الأعضاء الـ 128 لمجلس النوّاب الجديد، إذْ اختلطت التحالفات بالشعارات والاتهامات سعياً، إلى حواصل التمثيل في مجلس النواب، ودار الدولاب الانتخابي ترقّباً لاختيارات الناخبين، ولِمن من المرشّحين ستمنح صناديق الاقتراع سِمة الدخول إلى مجلس النواب الجديد، والإقامة فيه لأربع سنوات مقبلة. 4 سنوات، يشهد فيها لبنان استحقاقات مصيريّة، أبرزها إعادة صوْغ إجراءات إصلاحيّة للأوضاع المالية والاقتصادية، فيما الجهة المركزية في ذلك، هي الحكومة المقبلة، وقد بدأ البحث في كيفيّة تشكيلها عقب الانتخابات. وبناءً عليه، ووفق القراءات المتعدّدة، مرّ استحقاق الانتخابات من دون أن تتّضح معالم المرحلة التي ستليه، والتي ستكون مفتوحة على كلّ الاحتمالات.

التباس

وفي السياق، تجدر الإشارة إلى أنّ دورة الانتخابات، التي أُسدل الستار على آخر فصولها اليوم، هي الثانية من نوعها، في ظلّ قانون جرى تشريعه عام 2017، وجرت تحت أحكامه انتخابات 2018 للمرّة الأولى، وهو يتّسم بالالتباس الشديد، إذْ على رغم إدخاله النسبيّة للمرّة الأولى إلى نظام الاقتراع في لبنان، فإنّه اعتمد خليطاً هجيناً بين النسبيّة والأكثريّة والفرديّة، من خلال اعتماد الصوت التفضيلي. وعليه، اختصرت صناديق الاقتراع، حصاد أشهر من الحملات العابرة من سطوح الاغتيال الانتخابي والتخوين و«الداعشيّة» السياسية، والسرقة الموصوفة، والفساد المعمّر، ودفع الرشى لقاء الصوت، وتخطّي النفقات في الحملات الانتخابية.

انتخابات «مصيريّة»

وفي سياق مسار كان محفوفاً بالألغام الموزّعة من دون خارطةٍ تحدّد مواقعها، وكان يمكن لأيّ لغْم أن ينفجر في أيّ لحظة، جرت «المنازلة الكبرى»، في لحظة بدا فيها اللبنانيّون، إمّا محبطين لاستعصاء التغيير الذي يتمنّونه، وإمّا مقاطعين تعاطفاً مع زعيمهم «الضحية»، وإمّا مندفعين قبلياً- طائفياً للمبايعة، وإمّا معارضين عنيدين، يحاولون الإبقاء على جذوة ديمقراطيّة على وشك الانطفاء. وعليه، ومنذ بدئها في السابعة صباحاً، ترافقت عملية الاقتراع مع ارتفاع منسوب الكلام، عن أن ليس بمقدور هذه الانتخابات صنع معجزة تحرير الدولة، ولا تغيير السلطة، وليس بمقدورها (وفق قانونها)، فرز أكثرية تحكم وأقليّة تعارِض. ومع ذلك، كان ثمّة إجماع على كوْنها «مصيريّة»، ومن الواجب المشاركة فيها بكثافة، لا طمعاً بـ «مجلس نوّاب»، وفق ما يشتهي اللبنانيّون، بل لإبقاء الاعتراض على قيّد الحياة، ولكي تبقى السلطة القائمة غير كاملة التفويض، منقوصة الشرعية. ومن هنا، كان العامل البارز الذي طبع السِباق الانتخابي، تمثل في احتدام عنيف للصراع بين «حزب الله» والقوى السياديّة عموماً، وخصوصاً «القوات اللبنانية»، التي شكّلت رأس حربة المواجهة مع الحزب في مناطق حساسّة، من أبرزها البقاع الشمالي وزحلة وجبيل وجزين وبعبدا والمتن، فضلاً عن تحالفات «الاشتراكي» و«القوات» في الجبل على قاعدة هذه المواجهة.

وإذْ اختصر مشهد اليوم خيارات عدّة، تراوحت بين الانتماء العربي، والانخراط في المشروع الإيراني، والاتهامات في ما خصّ إسرائيل، ودورها في مرحلة التفاوض والتنقيب عن النفط، أو تصفية الحسابات على الساحة اللبنانية، وبعيداً من التقديرات المسبقة للنتائج التي ستحملها صناديق الاقتراع، والتي صارت على مرمى ساعات قليلة، فإنّ الأنظار مشدودة إلى ما بعد هذا الاستحقاق، حيث يُفترض أن تعود الحياة السياسيّة، وتنتظم على الخطّ النقيض للحدّة والانقسام والعدوانيّة، التي حكمت مرحلة التحضير للانتخابات النيابية وإنجازها، إذْ احتدمت حدّة التراشق الانتخابي بين جبهتَي السلطة وقوى المعارضة والتغيير، وبلغ سقف المواجهة مداه بين الجبهتين، تحت شعارات سياسيّة وسياديّة، اختزلت مجريات المعركة على أرض الواقع بخطاباتها التي حثّت اللبنانيّين على تحديد مصيرهم بأصواتهم، عبر الاختيار بين مشروعيْن لا ثالث لهما، والإجابة تالياً في الصناديق على سؤال مركزي، حدّد تموضعهم في المعادلة الوطنية: مع بناء الدولة أو بقاء الدويلة؟.

أيّ خريطة سياسيّة؟

وفي الانتظار، وفيما ارتفع منسوب التساؤل عن أيّ خريطة سياسيّة تنتهي به اليوم الحاسم، كما الرهان البالغ الخطورة على مسارات ستُقرّر بعد «الأحد الكبير»، قال اللبنانيّون كلمتهم في صناديق الاقتراع، في الدوائر الـ 15 على امتداد لبنان، ومن ضمن لوائح الشطب التي تضمّنت أسماء نحو 3 ملايين و700 ألف ناخب. أمّا الوقائع والمعطيات، فستتكشّف بدءاً من اليوم، في سياق توليد مجلس نيابي جديد، لا حاجة لمعرفة أحجام التيارات والكتل القديمة- الجديدة فيه. ذلك أنّ هذه الانتخابات تبدّلت وظيفتها وغايتها، إذْ لم تعد مصدر تجديد السلطة أو التمثيل السياسي لإرادة المواطنين، بل تحوّلت إلى صيغة «متحذلقة» للاستفتاء أو المبايعة. ومن هنا، بدا الكلّ مراهناً على نسبة الإقبال، وخصوصاً أنّ منازلة اليوم الانتخابية، بدت أهمّ بأشواط من منازلة عام 2018، لأسباب متعدّدة، بدءاً من كوْنها أتت بعد «ثورة 17 أكتوبر» (2019)، وما نتج عنها من حراك ومجموعات ثوريّة، مروراً بكوْنها ستنتِج مجلساً نيابياً، هو الذي سيتولّى انتخاب رئيس جديد للجمهورية بعد 31 أكتوبر المقبل، ووصولاً إلى كوْن المجلس الجديد، ستُلقى على عاتقه ملاقاة الحكومة الجديدة، إذا تشكّلت، في ملف التعاطي مع صندوق النقد الدولي، وهو سترة الإنقاذ الوحيدة لتفادي الانهيار أكثر.
وفاء عواد – البيان

مسؤولية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.

مواضيع تهمك

Comments are closed.