يوميات التخزين في لبنان: الزيت النباتي «يغط ويطير» عن الرفوف

يعيش اللبنانيون أياما لا عهد لهم بها لجهة الإقبال على تخزين المواد الغذائية والدخول في تفاصيل لم تكن تثير اهتمامهم يوما.

عراك على انتزاع علبة حليب أو كيس سكر أو أرز أو عبوة زيت نباتي. العنوان واحد: الظفر، إذا أمكن، بمواد مدعومة، أي تغطي الدولة قسما من سعرها، على رغم كونه في غير متناول القدرة الشرائية للفقراء!

في عز أيام الحرب الأهلية، وقف اللبنانيون في طوابير لتأمين قوتهم والوقود، مستغلين فترات الهدنة التي أتاحت لهم الخروج من الملاجئ، لتوفير الضروريات. أما اليوم، فالأمر مختلف، ذلك ان أصوات المدافع والرصاص اختفت منذ 1990، لتعلو بدلا منها أصوات تراجع القدرة الشرائية للأفراد، مصحوبة بصرخات جوع من شرائح لا بأس بها من مجتمع عرف ترفا حتى الأمس القريب.

المواد المدعومة عنوان المرحلة، لكنها غير متوافرة في رفوف مخازن التموين من سوبر ماركت ومحال صغيرة وغيرها، إذ يقتصر الظفر بها على محظيين أو زبائن معروفين من قبل أصحاب مراكز البيع، وصولا الى مفاضلة بين أبناء البلد والوافدين من عمال أجانب ولاجئين سوريين.

يدخل أنطوان صاحب ميني ماركت كبيرة في بلاد جبيل في صلب الموضوع فيقول لـ «الأنباء»: «أرى في متجري وجوه أشخاص لم ألمحهم سابقا، يحضرون بحثا عن بضائع مدعومة من صنفين للزيوت النباتية وأصناف معينة من الحليب والحبوب والأرز والبن.

يحاولون الحصول على ما أمكنهم من كميات، وللغاية يصحبون معهم أطفالا للقيام بالمهمة.

تختفي البضائع بسرعة عن الرفوف لأواجه بعدها مشكلة مع زبائني الذين يشكون من عدم حصولهم على شيء من هذه المواد».

جوزف صاحب سوبر ماركت كبير في المنطقة عينها اتبع أسلوبا مختلفا بتسجيل أسماء زبائنه، ومنحهم في فترة بعد الظهر أو في اليوم التالي حصصا من هذه المواد، من خارج المدخل الرئيسي للمتجر.

وفي الشق المقابل، يشير مكرم الى سعيه للحصول على هذه المواد، «للصمود أطول فترة ممكنة أمام تفشي الغلاء الناجم عن تدني قيمة العملة الوطنية».

ويذهب في الحديث بعيدا متناولا «أسلوب حياة نقوم به من تأمين مواد غذائية وأدوية تحسبا للآتي من الأيام الذي نراه قاتم اللون في غياب حلول للأزمة الاقتصادية، لا تبدو معالمها ظاهرة في الأفق القريب».

تبدو الصورة واضحة في إقبال الناس على تعبئة عربات التسوق في السوبر ماركت حتى من مواد غذائية وأدوات تنظيف غير مدعومة أسعارها، ويفعلون ذلك من باب الظفر بهذه المواد قبل ارتفاع أسعارها، التي لا يبدو انها لن تتوقف عند سقف معين.

ويتم التخزين وفقا للقدرات الشرائية، في حين يقوم البعض بشراء ما يحتاجونه ليومياتهم، إما لعدم تمتعهم بقدرة شرائية، أو لتخزينهم ما يكفي.

التخزين وصل الى ثلاجات البيوت، عبر وضع ما أمكن فيها من كميات اللحوم، تحسبا لارتفاع أسعارها، علما انها غير موحدة وتتفاوت بين منطقة وأخرى، إذ يصل الفارق بين سعر الكيلوغرام الواحد الى الضعف! تخزين يهدده انقطاع اشتراك المولد، وهو المادة الأساس لتوفير الكهرباء، فتذهب معها آلاف الليرات اللبنانية (في الحد الأدنى) هباء.

الوقود بدوره لم يغب، وان كانت الغلبة لمادة المازوت التي تستخدم للتدفئة، وتحظى بدعم أسعارها في فصل الشتاء.

في حين يبدو البنزين عسيرا على التخزين لأنه يتبخر بسرعة، كما يشكل خطرا كبيرا في حال حصول حريق.

إلا ان خزانات السيارة ممتلئة على الدوام، «من أجل تأمين الوصول الى المستشفى في حال انقطاع المادة»، وهذه عبارة يرددها الأغلبية من أصحاب السيارات.

كذلك حدث ولا حرج عن تخزين أسلحة فردية وذخائرها، لحماية المدخرات من أموال نقدية ومجوهرات وسبائك وليرات ذهبية، وتأمين الحماية الذاتية في حال تفشي الفوضى.

يوميات تخطت تلك التي عرفها جيل الحرب، «حرب المدفع»، التي تحولت حربا اقتصادية قد لا يغيب عنها دوي الرصاص، في حال اشتداد الأزمة المعيشية، وعدم توافر الحلول.

الانباء – جويل رياشي

مسؤولية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.

مواضيع تهمك

Comments are closed.