النهار: من قصد عون بـ”أم الصبي” وسط تصاعد التحذيرات؟
فالشروط والشروط المضادة لا تعكس تشبثا بمواقف الأفرقاء صونا لمواقعهم وأحجامهم التمثيلية، بل هي تذهب ابعد الى فرض واقع لا ينحصر بالتأليف وظروفه، بل بميزان القوى الذي سيتحكم بالعمل الحكومي، والذي سيحول الحكومة الى جبهات ومتاريس عاجزة عن العمل والانجاز، في ظل تحديات اقتصادية واجتماعية ومالية هي الأقسى.
فحزب الله قال كلمته بان لا حكومة من دون سنة 8 آذار، داعيا الى تحسين النيات، والرئيس المكلف قال بدوره كلمته بأن لا حكومة بوجود احد هؤلاء، متهما على لسان النائب محمد الحجار الحزب باعتقال الحكومة. اما رئيس المجلس الذي قطع الأمل من ولادة حكومية قريبة، متفرغا لاستقبال وفد من جمعية الكشافة الاسلامية، فلا يزال على قلقه من غياب الحلول الآنية، رافضا ما تردده اوساط الحريري بأن الحكومة جاهزة منذ 3 أسابيع بقوله ان لا حكومة بمن حضر، فيما وساطة رئيس ” التيار الوطني الحر ” الوزير جبران باسيل مكلفا من رئيس الجمهورية تعطلت.
وفي حين بدا ان اللقاء بين الحريري ونواب “اللقاء التشاوري” لن يكون واردا راهنا بما ان لا موعدا حتى الآن لاستقبال نوابه في بيت الوسط، رغم بعض المرونة أبداها عضو اللقاء النائب عبد الرحيم مراد بقوله ان المهم حصول اللقاء والحل ليس مقفلا، خرج رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ليعلن ان الأزمة الحكومية باتت كبيرة محذرا من مخاطر تفرد كل فريق بالسلطة، مستحضرا واقعة حكم لسليمان الحكيم “يوم اتت اليه امرأتان مع طفل وكل منهما تدّعي انها امه. وبعد جهد جهيد، قال انه سيحكم بالعدل بينهما بأن يتم تقطيع الطفل الى قطعتين لكٍّل واحدة قطعة. فصرخت احداهما: لا تقتله بل اعطه كلّه الى الأخرى، فعرف سليمان عندها من هي الام الحقيقية”. وقال عون “نحن اليوم نريد ان نعرف من هي ام لبنان لكي نعطيها لبنان. وسأكتفي بهذه الكلمة الموجزة.” وكان رئيس الجمهورية قال “اننا نجتاز اليوم ازمة تأليف الحكومة التي لم تعد أزمة صغيرة لانها كبرت”.
هذه الصورة التي غلبت المشهد السياسي الاسبوع الماضي ظلت مسيطرة على حركة الاتصالات والمشاورات في عطلة نهاية الاسبوع، من دون تسجيل اي خرق، فيما استمرت نبرة التخاطب السياسي على قدر عال من التصعيد، عاكسة تشبث كل فريق بموقفه. وفي هذا السياق، دافع رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد عن النواب السنة مشيرا إلى “ان الذين انتخبهم الناس من ابناء الطائفة السنّية الكريمة، ومثّلوا شريحة واسعة منها 10 نواب اتفق منهم 6 نواب ان يتمثلوا في الحكومة فهذا حق لهم وتمثيلهم في الحكومة ليس منّة من احد، ولم يقدر احد ان يتجاوزهم.”
واذ لفت الى “اننا نلام لأننا دعمنا حقهم ووقفنا إلى جانب هذا الحق، امل في “ان تتشكل الحكومة في اسرع وقت والمسألة مرتبطة في حسن النيّة وليست مسألة حسابات، لأن اذا اردنا ان نجري حسابات بحسب حق الناس بالتمثيل فتكون الحسابات خاسرة لجهة الطرف الذي لا يرضى بالتمثيل، دعونا نعمل حسابات النيات، فحسنوا نياتكم تصلون للحلول…. لن نكون شهود زور على تضييع حقوق من يطالب بحقه في هذا الأمر والمجال.”
من جهته، وفي موقف لافت من الازمة، غرّد رئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” النائب السابق وليد جنبلاط عبر حسابه على “تويتر”، قائلا: “بعد الكلام الذي ورد في الفاتيكان على لسان وزير خارجيته غلاغر وحضور الحبر الاعظم وبعيداً من الاعتبارات المحلية الضيقة، فإن التسوية ضرورية ايا كانت مرارتها تفاديا للانهيار”. وارفق جنبلاط تغريدته بصورة لاحجار دومينوز تحمل صوراً لشخصيات عالمية وهي تتداعى.
ويأتي التصعيد الداخلي في ظل ضغوط خارجية وتحذيرات عالية النبرة لمخاطر استمرار حال المماطلة والتأخر في تأليف الحكومة. وقد برزت هذه الضغوط من خلال
التقرير التقييمي الشامل الذي قدمه الأمين العام للأمم المتحدة غوتيروس الى مجلس الامن عن تنفيذ قرار مجلس الامن 1701 الذي ناقشه مجلس الامن الاربعاء الماضي، ودعا فيه الى تجنب خطر تجدد الشلل المؤسسي والتعجيل في تشكيل حكومة تصون التوازن المكرّس في اتفاق الطائف والدستور. واهاب بـ “السلطات المقبلة ان تواصل سياسة النأي بالنفس التي يتبعها لبنان، بما يتفق مع اعلان بعبدا للعام 2012″، داعيا جميع الاطراف اللبنانيين الى الكف عن الانخراط في النزاع السوري وباقي النزاعات في المنطقة”.
وكان هذا التقرير تزامن مع كلام سمعه البطريرك الماروني بشارة الراعي والوفد البرلماني الذي رافقه الى الفاتيكان من وزير خارجية الفاتيكان عن ان الوضع في لبنان ليس سليما ولا سيما في ما يتعلق بمسألة النازحين السوريين.
ولا تستبعد مصادر سياسية ان ترتفع وتيرة التحذيرات الدولية، بعدما بدأ لبنان ينزلق بشكل كامل في المستنقع الاقليمي ضاربا بعرض الحائط سياسة النأي بالنفس التي وفرت له الى حد ما الدعم الدولي.
Comments are closed.