علي فضل الله: الكرة في ملعب كل القوى السياسية وعليها الوصول إلى حل الآن وليس غدا
“عباد الله، أوصيكم وأوصي نفسي بما أوصى به الإمام العسكري المحبين والموالين قبل رحيله من هذه الدنيا، حين قال: “أوصيكم بتقوى الله، والورع في دينكم، والاجتهاد لله، وصدق الحديث، وأداء الأمانة إلى من ائتمنكم من بر أو فاجر، وطول السجود، وحسن الجوار، فبهذا جاء محمد. صلوا في عشائرهم، واشهدوا جنائزهم، وعودوا مرضاهم، وأدوا حقوقهم، فإن الرجل منكم إذا ورع في دينه، وصدق في حديثه، وأدى الأمانة، وحسن خلقه مع الناس، قيل: هذا شيعي، فيسرني ذلك. اتقوا الله، وكونوا زينا، ولا تكونوا شينا، جروا إلينا كل مودة، وادفعوا عنا كل قبيح، فإنه ما قيل فينا من حسن فنحن أهله، لنا حق في كتاب الله، وقرابة من رسول الله، وتطهير من الله لا يدعيه أحد غيرنا إلا كذاب، أكثروا ذكر الله، وذكر الموت، وتلاوة القرآن، والصلاة على النبي، فإن الصلاة على رسول الله عشر حسنات. احفظوا ما وصيتكم به، وأستودعكم الله، وأقرأ عليكم السلام. بهذه الكلمات، أراد الإمام أن يحدد صفات المنتمين إلى أهل البيت، فهو يريد لهم أن يكونوا المتقين والورعين والصادقين والأمناء، وهم يعرفون بكثرة ذكر الله، وذكر الموت، وتلاوة القرآن، وفي محبتهم لرسول الله وأهل بيته، وفي انفتاحهم على من يختلفون معهم في الدين أو المذهب، وفي حضورهم في ساحات الحق والعدل، وهم الذين لا ينكفئون عن مواجهة التحديات”.
وقال: “البداية من لبنان، الذي شهد الأسبوع الماضي انقساما حادا في المواقف تجاه العقدة المتبقية لتأليف الحكومة، والتي يعبر عنها بالعقدة السنية، بين من يؤيد مطلب النواب السنة بالتمثيل في الوزارة الجديدة، ويعتبره مطلب حق، نظرا إلى الحيثية التي يمثلونها، وتلبية لاحتياجات حكومة الوحدة الوطنية التي لا تقوم إلا بتمثيل كل الأطراف فيها، ومنهم النواب السنة، ومن يرى عدم أحقية مطلبهم للدخول في الحكومة والتمثيل فيها، لكونهم لم يشكلوا في الأساس كتلة واحدة تضمهم، بل إنَّ أكثرهم من كتل أخرى. ولكن رغم هذا الانقسام الحاد والنبرة العالية، إما في الشكل وإما في المضمون، فإننا وجدنا حرصا من كل الأطراف على إبقاء ما جرى في بعده السياسي الداخلي، وعدم تحويله إلى صراع طائفي ومذهبي، أو إعطائه بعدا إقليميا ودوليا يجعله مرتبطا بما يجري في المنطقة”.
وكرر “التأكيد على أهميَّة استمرار هذا الحرص، فلا مصلحة لأحد بإثارة فتنة طائفية ومذهبية، وإلحاق مشاكل هذا البلد بأزمات المنطقة التي لا يدري أحد إلى أين تصل، والأولوية القصوى هي التحرك للخروج من هذا المأزق الذي إن استمر فلن يستفيد منه أحد، بل سيتضرر الجميع، ولا سيما إنسان البلد الذي يكتوي بنار الواقع الاقتصادي والمعيشي والخوف الدائم من المستقبل. ونحن في هذا المجال، وأمام هذا الواقع، نعيد تذكير الجميع بالحقيقة التي بني عليها هذا البلد، وهي أنه لا يقوم، ولن يقوم، إلا بالتوافق بين مكوناته جميعها، فهو لا يقوم بغلبة طائفة على باقي الطوائف، أو بغلبة ثنائيات من هنا أو هناك على باقي المكونات، فهذا إن حصل، فهو مشروع فتنة، إن لم يكن عاجلا فآجلا، وإذا كنا عانينا في هذا البلد من كل الحروب التي جرت، والتي نشهد اليوم بعض مصالحاتها، وذلك بسبب اعتماد منطق الإلغاء أو الإقصاء أو استقواء طرف على آخر”.
أضاف: “ولذلك، لا يجربن أحد هذه التجربة، وقد يكون من يجربها أول من يحترق بنارها. إننا أحوج ما نكون في هذا البلد إلى تلاقي الجميع في ظل حكومة جامعة، للنهوض بأعبائه ومواجهة التحديات التي تواجهه. ومن هنا، فإننا ندعو الجميع إلى العمل الجاد لحل هذه العقدة، التي لن تحل إلا بالتواصل والحوار، فهي لن تحل بالتقاطع وبقاء كل طرف على موقعه، وإذا كان من تنازل، فهو لحساب الوطن. والكرة في ذلك ليست في ملعب هذا الفريق أو ذاك، بل في ملعب كل القوى السياسية التي عليها أن تتضافر جهودها للوصول إلى حل، الآن وليس غدا”.
وتابع: “نحن نرى ذلك ممكنا بعد الحرص الذي وجدناه على إبقاء باب الحل مفتوحا، ووعي الجميع بأنَّ البلد لم يعد يحتمل التعطيل أكثر. إنَّ ثقتنا بوعي القوى السياسيَّة لخطورة هذه المرحلة وحرصها على هذا البلد، تدعونا إلى أن نكون متفائلين لا متشائمين، ونأمل أن يكون حدسنا في موقعه. وينبغي لنا، وإلى أن نصل إلى شاطئ أمان على مستوى الحكومة، أن ندعو كل القوى السياسية، ومن يحرصون على الإعلام وعلى الناس أو مواقع التواصل، إلى خطاب هادئ عقلاني وغير مستفز، وهو الخطاب الأحسن الذي دعا إليه الله عندما قال: {وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن إن الشيطان ينزغ بينهم}، خشية الشياطين الذين يدخلون على الخط”.
وقال: “إلى غزة، التي استطاعت في الأيام الماضية أن تؤكد جهوزيتها، وحضورها في الميدان، وتطور قدراتها، رغم كلِّ الضغوط الَّتي تتعرَّض لها، والحصار الذي تعانيه، والذي يفقدها أبسط مقومات العيش الكريم، وذلك في إفشالها العملية الأمنية التي كانت تهدف إلى اختراق الساحة الفلسطينية الداخلية، وفي تصديها البطولي والمتميز للعدو الصهيوني، والذي فاجأ حكومة العدو وأربكها وجعلها في ورطة حقيقية، إن هي ذهبت بعيدا في عدوانها، ولم تتوقف وتتراجع وتعد إلى التسليم بالتهدئة مقابل التهدئة، وهو أدى بعد ذلك إلى تعميق مأزقها وتفجير أزمة سياسية في صفوف قادتها ومسؤوليها، تمثلت باستقالة وزير حربها. ونحن في الوقت الذي نشد على أيدي مجاهدي غزة وأبنائها، فإننا ندعوهم إلى مزيد من الوحدة وإبقاء الاستعداد لغدر هذا العدو”.
وتابع: “يبقى أن نؤكد أن ما حصل هو حجة على كل الذين يقفون جانبا، أو يطبعون، ويدعون أن لا حول لهم ولا قوة، لعدم توفر القدرات والإمكانات لردع هذا العدو ومواجهته، فهذا الشعب صنع قوة من ضعف، وها هو يصنع نصرا من معاناته”.
وقال: “إلى اليمن، حيث نأمل أن يكون وقف إطلاق النار الذي أعلن فيه جديا، إنهاء لمأساة القرن ومعاناة إنسان هذا البلد، الَّذي يموت من نقص في الماء أو الغذاء أو الدواء، وأن لا يكون هدنة، استعدادا لجولة جديدة أقسى من سابقاتها، كما تعودنا، وبعيدا عن المكاسب السياسية أو تجاوز أزمات إقليمية ودولية”.
وختم: “أخيرا، نلتقي في ذكرى ولادة رسول الله، التي نريدها أن تكون مناسبة نستعيد معها معاني نحن أحوج ما نكون إليها في واقعنا؛ معاني المحبة والحنو ومد جسور التواصل مع الآخر الديني أو المذهبي أو السياسي أو على مستوى الوطن، في مواجهة لغة الحقد والعداء والانقسام ونسف الجسور. إنَّنا نتوجَّه في هذه المناسبة بالتبريك والتهاني لكل المسلمين، سائلين الله تعالى أن يوفقهم ليكونوا ممثلين حقيقيين لرسول الله، وأن يعيشوا الوحدة في ما بينهم، ليقفوا صفا واحدا في مواجهة التحديات التي تواجههم جميعا، وما أكثرها”.
Comments are closed.