لبنان تحت تأثير الإطلالة «الصِدامية» لنصر الله
ولم يكن جفّ حبرُ ما يشبه «7 مايو السياسي» الذي شكّلتْه مواقف نصرالله باحتجازه تأليف الحكومة وتكريس وَضْعه «مفتاح» الإفراج عنها في جيْبه، حتى سادَ حبْس الأنفاس بإزاء تداعيات إطلاقه مرحلة «التعاطي الخشن» في ما خص عقدة توزير أحد النواب السنّة الستة الموالين له، وردّ الفعل المرتقب خصوصاً من الرئيس المكلف سعد الحريري الذي كان رسَم خطاً أحمر حيال أي تمثيل لهؤلاء في الحكومة وسانَده في ذلك الرئيس ميشال عون.
ويكتسب المؤتمر الصحافي الذي أُعلن أن الحريري سيعقده في بيروت غداً، لعرْض التطورات السياسية ومستجدّات تشكيل الحكومة، أهميةً استثنائية باعتبار أنه سيحدّد اتجاهات الواقع اللبناني في ضوء «الخيارات المحدودة» أمام الرئيس المكلف والتي تُراوح بين إما اعتذارٍ دراماتيكي في ارتداداته، وإما إعلانه «الصمود» في موقعه وموقفه بوجه «الانقلاب السياسي»، أو إفساح المجال لوساطةٍ يضطلع بها فريق عون لإيجاد تسويةٍ ما.
وفيما كان الحريري يشارك أمس في فاعليات «منتدى باريس للسلام» حيث حَضَر الى جانب قادة العالم «مشهدية الشانزيليزيه» قبل غداء الاليزيه الذي كانت له خلاله دردشات أبرزها مع الرئيسين الفرنسي ايمانويل ماكرون والروسي فلاديمير بوتين، سادَ «الصمت» فريقه في بيروت حيال كلام نصرالله، باستثناء مقدّمة أخبار تلفزيون «المستقبل» التي اعتبرتْ ان نصرالله أعلن انه «لن تكون هناك حكومة إلا بما يريده ليس في ما يخص الطائفة الشيعية وحقائبها وهو أمر محسوم، ولكن في ما يخص الطوائف الأخرى أيضاً وحصة الحزب في الطائفة السنية تحديداً»، مؤكدة أن الحريري «لن يكون معنياً تحت أي ظرف بتأليف الحكومة وفق دستور حزب الله (…)».
وبمعزل عن المآل الغامض للمشهد في ضوء «فائض القوة» السياسية الذي رمى به نصرالله، فإن هذا التطور خضع لمعاينة دقيقة نظراً لأبعاده التي يتقاطع فيها الداخلي والخارجي، وسط استخلاص أوساط مطلعة المفارقات الآتية من الإطلالة التي «لن يكون بعدها كما قبلها».
* أن نصرالله الذي لم يتوانَ عن التوجّه في معرض تأكيد تمسكه «القديم – الجديد» بتوزير سنّة 8 مارس إلى «السادة الكبار، رؤساء ووزراء وبطاركة ومشايخ ومفتين ومطارنة» قائلاً «الكلّ يسمع»، فرَضَ نفسه شريكاً معلَناً لعون والحريري بتشكيل الحكومة وذَهَب أبعد حين «جيّر» مفتاح التأليف من جيْبه الى «مجموعة الستّة» فـ «حين يقولون لنا سلَّموا أسماء وزرائكم نسلّمها».
* أن نصرالله بدا وكأنه يقول للجميع «ها نحن عدْنا» إلى «الداخل» بعدما قام بما عليه في الساحات الأخرى وضاعَف من حجمه ودوره الإقليمي، وتحدّث بلغة «المنْتصر» مُنْهِياً فترة المهادَنة التي كان يحتاج اليها للتفرغ الى أدواره العسكرية في الخارج ومعلناً بالفم الملآن «انتهى زمن التواضع» وزمن «أنا آدمي زيادة عن اللزوم».
* أن اللهجة غير المسبوقة منذ أعوام التي استخدمها نصرالله تطرح علامات استفهام حول مصير التسوية الرئاسية التي تقوم على «سيبة ثلاثية» يشكّلها عون والحريري و«حزب الله»، وصولاً الى إثارة البعض السؤال الكبير: هل يعمل الحزب على إحراج الحريري لإخراجه وإرساء وقائع جديدة في البلاد تلاقي اللحظة الاقليمية – الدولية؟.
* أن تَجاوُز نصرالله كل السقوف بتصعيده الذي لم يوفّر دار الفتوى والكنيسة المارونية والزعيم الدرزي وليد جنبلاط و«القوات اللبنانية»، جَعَل الوساطة التي بدأها فريق عون لإيجاد حلّ لعقدة سنّة 8 مارس محكومةً بشكوك كبيرة نظراً للاعتقاد بأن المناخ التفجيري الجديد أطاح بها، وسط ملاحظةِ الأوساط السياسية أن «أوّل كلامٍ» لمجموعة الستّة غداة مواقف نصرالله حَمَلَتْ مضياً في التمسك بتوزير أحدهم وفي الوقت نفسه «إطلاق النار» السياسي على الوزير جبران باسيل واتهامه من النائب جهاد الصمد بالسعي للحصول على «الثلث المعطّل» لفريقه.
الراي
Comments are closed.