الراعي من بكركي: للمحافظة على الوجود المسيحي وفصل الدين عن الدولة
العظة
بعد الانجيل المقدس، ألقى الراعي عظة بعنوان “الاعمال التي أعملها باسم أبي هي تشهد لي:اني المسيح”، قال فيها: “1. في بداية هذه السنة الطقسية، ونحن اليوم نحتفل بأحد تجديد البيعة، نجدد إيماننا بالمسيح وبالكنيسة، جسده السري. وعلى مثال الرب يسوع نشهد بأعمالنا اننا مسيحيون، واننا ننتمي إلى كنيسته كأعضاء في جسده. فعندما سأله اليهود: إن كنت أنت المسيح، فقله لنا صراحة، أجابهم: الأعمال التي أعملها باسم أبي هي تشهد لي: أني المسيح (يو 25:10).
2. يسعدنا أن نحتفل معا بهذه الليتورجيا الإلهية التي هي قلب الكنيسة ومصدر تجديدها بالروح القدس. ويطيب لي أن أرحب بكم جميعا، وبخاصة بمؤسسة Apostolica وعلى رأسها مؤسسها سيادة أخينا المطران عاد أبي كرم مطران سيدني سابقا. إنها تحتفل بعيدها السنوي العاشر، وتحيي هذا القداس، وتطلق من خلال مشروعها الإنجيل، آفاق جديدة، عيد الإنجيل لهذا العام، بحيث ينير كل جوانب حياة الإنسان، وواقعات التاريخ، من أجل تفسيرها وإعطائها معناها في هذا المكان والزمان. فلولا نور الإنجيل تبقى حياة الإنسان وأحداث التاريخ لغزا وبدون معنى.
3. ويطيب لي أن أرحب أيضا بالطلاب الستين من المدارس الكاثوليكية الذين تكرمهم جمعية الكتاب المقدس لنجاحهم في المسابقة الكتابية. إننا نهنئ الطلاب على هذا النجاح الذي يدل على محبتهم لإنجيل المسيح، ونرجو أن يشكل ثقافتهم التي يغرفون منها مبادئ حياتهم. كما نعرب عن تقديرنا لهذه المبادرة التي اتخذتها جمعية الكتاب المقدس التي هي منظمة مسيحية مسكونية تضم في هيئتيها العامة والإدارية أعضاء من كل الكنائس الكاثوليكية في لبنان، وهي تعمل على نشر الكتاب المقدس بالوسائل المقروءة والمسموعة والمرئية والرقمية كافة.وتعنى بإقامة أسبوع الكتاب المقدس بالتعاون مع الأمانة العامة للمدارس الكاثوليكية والرابطة الكتابية الكاثوليكية، وتسعى من خلال برامجها لأن تقدم كلمة الله، بطريقة مميزة، إلى أبنائنا في الرعايا والجامعات والمدارس.
4. وإني أحيي أولاد المرحومين صبحي ونديمه الفخري، اللذين وقعا ضحية قتل بريئة بالكلية أمام منزلهما في بتدعي منذ أربع سنوات، على يد عصابة من المنطقة، والقضاء لم يجرِ بعد القبض على كل المجرمين المعروفين هناك. فثمة من دون شك من يغطيهم سياسيا، كما هي الحال السائدة عندنا بكل أسف. مع هذا كله لم يشأ أولاد الوالدين الضحيتين اللجوء إلى الثأر إخلاصا لإيمانهم المسيحي، ولثقتهم بعدالة الدولة وواجب الأجهزة الأمنية. وما زالوا يطالبون المسؤولين القضائيين والأمنيين، ونحن معهم، بالقيام بواجبهم، حماية لمبدأ العدالة أساس الملك، ومنعا لتفشي شريعة الغاب.
5. الأعمال التي أعملها باسم أبي هي تشهد لي: أني المسيح(يو 25:10). إن الأناجيل التي كتبها بإلهام إلهي متى ومرقس ولوقا ويوحنا، تتضمن كل أعمال المسيح النابعة من محبة قلبه الرحوم. فلم يصنع إلا الخير في كل مكان. هذه الأعمال شهدت أنه هو المسيح المنتظر والمرسل من الآب، وانه ابن الله الذي تجسد من مريم العذراء بقوة الروح القدس، ومات فداء عن خطايا الجنس البشري بأسره، وقام من الموت ليبث في البشرية الحياة الجديدة بالروح القدس، وانه أسس الكنيسة لتكون أداة الخلاص الشامل. وقد استودعها وسائل الخلاص، وهي: كلمة الحياة، وذبيحته القربانية للفداء والمصالحة، ووليمة جسده ودمه للحياة الجديدة فينا.
6. نحن مدعوون كمسيحيين لنشهد للمسيح ولمسيحيتنا بأعمالنا ومواقفنا ومبادراتنا، أكان في العائلة، أم في الكنيسة أم في المجتمع أم في الدولة. وبذلك نعيش الاحتفال بتجديد البيعة التي تحييه ليتورجيتنا المارونية في هذا الأحد.
لفظة بيعة تعني الكنيسة كجماعة المؤمنين. أما الكنيسة فتسمى بيت الله الذي يسكنه مع المؤمنين المعروفين بعائلة الله (1طيم 15:3؛ أفسس 2: 19-22؛ رؤيا 3:21). نحن مدعوون لنجدد هويتنا كعائلة الله المؤمنة والمخلصة بنعمة الفداء وحلول الروح القدس.
وتسمى الكنيسة جسد المسيح السري. فالرب يسوع بموته وقيامته، افتدى الإنسان، وحوله إلى خليقة جديدة (غلا 15:6؛ 2كور 17:5)، وبنقله الروح القدس إلينا يجعلنا، بواسطة المعمودية والميرون، جسده السري. في أحد تجديد البيعة نحن مدعوون لنجدد انتماءنا الحي والنقي إلى هذا الجسد السري.
7. الكنيسة المتجددة بهويتها فينا تجعل منا كمسيحيين خميرة تخمر المجتمع المدني بالقيم الأخلاقية والإنسانية؛ وتخمر الوزارات والإدارات العامة فتتنقى من الفساد والرشوات والخوات؛ وتخمر السياسة كفن نبيل لخدمة الخير العام فتصالح السياسيين معها، كي يعتمدوا نبل رسالتها العامة في ممارسة مسؤولياتهم.
8. لقد أنهينا بالأمس مؤتمر بكركي الاجتماعي-الاقتصادي الأول الذي دام يومي الجمعة والسبت، وشارك أساقفة أبرشياتنا المارونية في بلدان الانتشار، ومئة شخصية من إقتصاديين ورجال أعمال من هذه البلدان، وانضم إليهم عدد أكبر من أمثالهم في مختلف القطاعات من لبنان. فكان هذا المؤتمر علامة رجاء ساطعة. وقد انطوى على ثلاثة أبعاد: الأول، إبراز قيمة لبنان والإيمان بقدرات أبنائه، وغناه التاريخي. وهذا الأمر يقتضي المحافظة على الوجود المسيحي الفاعل فيه، من أجل حماية هويته المميزة بالعيش معا بين المسيحيين والمسلمين، وبفصل الدين عن الدولة مع احترام جميع الأديان ومعتقداتها، وباعتماد النظام الديموقراطي المتعدد الثقافات والاتنيات والديانات، وبإقرار جميع الحريات المدنية العامة.
البعد الثاني، النقاش حول أفكار ومشاريع اجتماعية وإنمائية وتربوية وصحية تدعم بقاء المسيحيين على الأرض اللبنانية لهذه الغاية، وتوجِد فرص عمل لشبابنا المتخرج من الجامعات ولقوانا الحية.
البعد الثالث، استعراض مشاريع عملية للتمويل من أجل هذه الغاية.
9. كم نتمنى أن يجلس السياسيون معا في الندوة البرلمانية، ويستعرضوا بإيجابية ومسؤولية الحالة المرضية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمعيشية والانمائية التي يعاني منها اليوم الشعب والدولة، ويبحثوا بروح من المسؤولية والتجرد عن الحلول الناجعة، ويستعدوا للاحتفال بالذكرى المئوية الأولى لإنشاء دولة لبنان بالشكل الذي يليق.
وإننا بقلوب متجدِدة بمناسبة الاحتفال بأحد تجديد البيعة، نرفع نشيد المجد والتسبيح للثالوث القدوس، الآب والابن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين”.
بعد القداس، استقبل الراعي المؤمنين المشاركين في الذبيحة الالهية.
Comments are closed.