لبنان يستعدّ لحفر أول بئر استكشافية.. وقف الرحلات الدينية لدول تشهد تفشياً لـ «كورونا»

ارشيف

أيّ مُفارَقةٍ أن يتزامن العد العكسي لبدء حفْر أول بئر استكشافية في البلوك رقم 4 الواقع قبالة الشاطئ اللبنانيّ على بعد نحو 30 كيلومتراً من بيروت، مع «معركة البقاء» التي تخوضها «بلاد الأرز» للخروج من الحفرة المالية – الاقتصادية التي تَشي بتداعياتٍ دراماتيكية ما لم تنجح السلطة في إدارة «العملية الجراحية» الدقيقة التي لم يَعُدْ هناك مَفَرّ منها لمعالجة الدين العام الذي صارت مواجهتُه تجْري «باللحم الحي» بعدما «أكل» مليارات الدولارات من القطاع المصرفي وأكثر من نصف قيمة العملية الوطنية التي تَدَهْوَرَ سعرها أمام الدولار.


وبدا لبنان أمس حائراً بين «نقطة الضوء» التي يحملها حَدَثُ وصول سفينة tungsten explorer إلى موقع الحفر (على أعماق كبيرة) والانطلاق الرسمي بحلول يوم غد للتنقيب عن النفط والغاز في الأعماق البحرية من ضمن مرحلة الاستكشاف الأولى التي تستمرّ شهرين وتحتاج إلى المدة نفسها بعدها لتحليل النتائج ومعرفة إذا كانت الكميات الموجودة تجارية أم لا، وبين «الغيوم السود» التي يُصارِعُ لتبديدها والإفلاتِ من أخطر أزمةٍ يواجهها وسبق أن وُصفت مقدّماتُها والخياراتُ الماليةُ التي عجّلتْ في بلوغها في العامين الماضييْن بأنها على طريقة «لعنة ما قبل الموارد».
وإذا كان معلوماً أن أي عائداتٍ لقطاعِ النفط والغاز لا يُتوقَّع أن تدخل في الدورة المالية – الاقتصادية للبنان قبل نحو عقد من الزمن، فإنّ بدء حفر الآبار التجريبية بدا على مشارف الالتحاق بـ«حقول التجاذب» التي تحوط بالملف المالي وكيفية التعاطي مع استحقاقِ سندات «يوروبوندز» في 9 مارس (بقيمة 1.2 مليار دولار) كفاتحةٍ لمقاربة مجمل مأزق الدين العام، وأيضاً بالعنوان الطارئ الصحي الذي شكّله فيروس كورونا المستجد، والآليات التي يعتمدها لبنان لمنْع انتشاره بعد تأكيد وجود إصابة (الجمعة) لمواطنة آتية من قم الإيرانية.
وإذ راهَن خبراء على أن اكتشاف النفط أو الغاز بكميات تجارية سيترك انعاكاساتٍ فوريةً على تصنيف القدرة الائتمانية الطويلة الأجَل للبنان، سارَعَ آخَرون إلى اعتبار أن تحسين هذا التصنيف أولاً يشكّل ضرورةً لتمويل مشاريع تطوير الغاز، في مقابل تحذيرِ أوساطٍ سياسية مطلعة من بناء استراتيجياتٍ تتصل بالأزمة المالية الراهنة وسبل النَفاذ منها انطلاقاً من التوقعات المرتبطة بالقطاع النفطي الذي قد يكون «الدجاجة التي تبيض ذهباً»، لافتة إلى أن لبنان يحتاج اليوم إلى قراراتٍ حاسمة وسريعة توقف النزف المالي – الاقتصادي – المصرفي استناداً إلى إصلاحات هيكلية وبنيوية توفّر ظروفَ «بقائه على الحياة» ثم تُرْسي قواعد لحماية ثروته الدفينة، ودائماً مع انتهاج خيارات سياسية لا تُخْرجه من الحضن العربي ولا تحرمه مظلة الدعم الدولي.
ولم يحجب هذا التطور، الأنظارَ عن همّيْ استحقاق «يوروبوندز مارس» الذي صار لبنان في سباقٍ قاتِل مع الوقت لتحديد سيناريو التعاطي معه، ولا دخول «كورونا» إلى لبنان رغم «صمود» عدّاد المصابين بالفيروس على الرقم واحد.
وفي حين برزت إشاراتٌ متناقضة حيال الخيار الذي ستعتمده بيروت في ما خص اليوروبوندز، بين مَن يرى أنها حسمت أمر عدم الدفع وبين مَن يؤكد أن أي قرار لم يُتخذ بعد، لاحظت الأوساط السياسية أن لبنان بات أمام لحظة الحقيقة الصعبة والتي تترتّب عليها تداعياتٌ قد تكون بالغة الخطوة بحال انزلق المسؤولون نحو مساراتٍ غير محسوبة، في ظلّ استمرار التجاذب بين رؤيتين: الأولى تدعو إلى عدم السداد حفاظاً على ما تبقى من احتياط مصرف لبنان بالعملات الأجنبية (هو واقعياً أموال المودعين) وتحتاج إليه البلاد لتمويل استيراد مواد استراتيجية، وهو الخيار الذي يُخشى أن يفتح الباب على cross default تستحق معه كل السندات (تبلغ نحو 30 مليار دولار) وعلى مقاضاة دولية للبنان وصولاً إلى تداعي القطاع المصرفي. والثانية تطالب بالدفْع حفاظاً على سمعة لبنان في الأسواق العالمية وتَفادياً لمساراتٍ قد تستجلب إفلاس مصارف محلية ودعاوى دولية وتمعن في عزْل البلاد عن المجتمعيْن العربي والدولي.
وبين الرؤيتين، لا يبدو واضحاً إذا كان ما زال متاحاً أمام لبنان «تنظيم» التخلف عن السداد بالتفاوض مع الدائنين الأجانب خصوصاً من ضمن إعادة جدولة أو هيكلة، ولا سيما أن زيارة وفد الصندوق النقد الدولي لبيروت لم تحمل خلاصاتٍ حيال الخطة الإنقاذية التي ستعتمدها الحكومة ولا إزاء مدى استعداد بيروت للدخول في برنامج مع الصندوق ازدادتْ إشاراتُ الدفْع في اتجاهه دولياً (بعد الموقف الفرنسي والأميركي) باعتباره سيُعطي قوة دفْع للدعم الخارجي في مقاربة كل ملف الدين كما في توفير السيولة الضرورية بالدولار وبمليارات الدولار والتي لا يُعرف كيف سيؤمّنها لبنان لتمويل احتياجات أساسية وملحة في الطريق إلى استعادة توازنه المالي.
وفيما كان بارزاً أمس إعلان «حزب الله» بلسان نائب أمينه العام الشيخ نعيم قاسم بالفم الملآن «أننا لا نقبل أن نخضع لأدوات استكبارية في العلاج، أي لا نقبل الخضوع لصندوق النقد الدولي ليدير الأزمة»، في مؤشر إضافي إلى البُعد السياسي الاقليمي للملف المالي ومعالجاته، وافَقَ لبنان على اضطلاع شركة «لازارد» المالية بدور المستشار المالي وكليري جوتليب بدور المستشار القانوني بشأن سندات دولية وإعادة هيكلة الدين.
في موازاة ذلك، كان فيروس كورونا المستجد يمْضي في بث الذعر في لبنان، كما في العالم، رغم عدم تسجيل إلا إصابة واحدة مؤكدة في «بلاد الأرز» منذ يوم الجمعة ما زالت في العزل وتتعافى، وسط قرار مجلس الوزراء أمس ضبْط حركة الطيران من وإلى المناطق الموبوءة بـ«كورونا» واقتصار الرحلات منها وإليها بحسب الحاجة الملحة إضافة إلى وقف الرحلات الدينية، مع تأكيد أن وزارة الصحة حريصة على السير بإجراءات معتمدة عالمياً بحسب منظمة الصحة العالمية بشأن منع انتشار «كورونا».
وعلى وقع الانتقادات المتصاعدة لتفادي لبنان وقف حركة الطيران بالكامل مع الدول التي تفشى فيها الفيروس وأبرزها إيران أو إعلانه عمليات إجلاء سريعة لمواطنيه الموجودين فيها، مع ربْط كثيرين عدم صدور مثل هذا القرار بخلفيات سياسية تعكس وهج «حزب الله» على الحكومة، برز موقف الشيخ قاسم الذي انتقد «البعض ممن حاول تسييس الكورونا ومرر مواقف سياسية ولؤماً سياسياً، فهذا عمل غير أخلاقي على الإطلاق».

الراي

مسؤولية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.

مواضيع تهمك

Comments are closed.