الثورة أمام مفترَق صعب بعد «عشريّتها الأولى».. قرارٌ كبير بفتْح الطرق ومعادلة «شارع بوجه شارع» أطلّت برأسها

«سيلفي» لمتظاهرة قرب السفارة اللبنانية في لندن أمس (أ ف ب)

وفي اليوم العاشر على «الثورة البيضاء»، تَزايدتْ المَخاوفُ من المنحى السياسي والميداني والأمني الذي يمكن أن يأخذه الواقع اللبناني في ظلّ ارتسام ملامحِ انتقال السلطة وعلى رأسها «حزب الله» إلى مرحلة تقويض الحِراك بعدما انتهتْ مرحلةُ «استيعابِ الصدمة الأولى» في أعقاب «الهبَّة الشعبية» التي جاءت من خارج كل التوقعات.


وفي «سبتِ كل الساحات» الذي دعا إليه «الثوار» واستعادتْ عبره مناطق واسعة من بيروت إلى الشمال وجبل لبنان والبقاع وبعض مناطق الجنوب (النبطية وصور) تَوهُّجها، بدا أن وهجَ الكلام العالي النبرة للأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله الذي حدّد «خريطةَ طريقٍ» بمواجهة «الانتفاضة الشعبية» يشي بقرارٍ حازم بإجهاضها تحت سقف لا تغيير حكومياً ولا انتخابات مبكرة ولا إسقاط للعهد ومع تحذير من أن هذا المسار قد يقود إلى «حرب أهلية»، كان «المُحرِّكَ» الرئيسي لـ«الانقلاب على الثورة» الذي كان بدأ الجمعة، «على الأرض» وسياسياً، واستُكمل أمس عبر افتعالِ «خطوطِ تماسٍ» مباشرة عند بعض النقاط ووقوفِ «شارع بوجه شارع» تحت سقف «ضوءٍ أخضر» بفكِّ ما يراه المتظاهرون الطوقَ الأقوى الذي يضغط على السلطة والمتمثل بقطْع طرقٍ رئيسية.
ولم يكن ممكناً أمس رسْم تَصَوُّر حول ما يمكن أن تؤول إليه الأمور في ظلّ «الخطوط الحمر» الواضحة وذات الامتدادات الإقليمية التي حدّدها نصر الله الذي وضَع الحِراك في «دائرة الشبهة»، معتبراً ما يحصل في سياق «الاستهداف السياسي الدولي والإقليمي الذي يوظّف جهات داخلية» بعدما سقط الرهان «على حرب أميركية مع إيران وإسقاط محور المقاومة»، وصولاً إلى تلويحه «بأننا في المعادلة الداخلية الطرف الأقوى، وهنا لا أهدد أحداً – وهذا الأصبع الذي يريد أن يخاف منه فلْيخَف».
ولاحظتْ أوساط سياسية عبر «الراي» أن ما يشبه «البلاغ رقم واحد» لنصر الله الذي انتقد فيه أيضاً قطْع الطرق، تَزامَن مع مجموعة مؤشراتِ تشي بانطلاق خطة مزدوجة لـ«إخماد» الثورة:
الشق الأوّل منها ميداني متعدد المسار، يقوم على «تأديب» المحتجّين عبر محاولة إغراق ساحة رياض الصلح (وسط بيروت) بمجموعاتٍ مؤيّدة لـ«حزب الله» (نصبوا خيمة في الساحة) تطلق شعاراتٍ مضادة لما ترْفعه الانتفاضة (كلن يعني كلن) مثل «كلن كلن كلن ونصر الله أشرف منن»، والأخطر تنفيذها «هجماتٍ» على محتجين بالعصي والحجارة بحجة «رفْض التعرض لشخص السيد نصر الله»، وهو ما حصل يوم الجمعة حيث «احتلّ» العشرات من «القمصان السود» الساحة واشتبكوا مع متظاهرين ما أدى لسقوط بعض الجرحى، قبل أن تنجح القوى الأمنية في إخراجهم.
وفي الإطار نفسه جاء خروج شارع «حزب الله» بعد كلمة نصر الله في الضاحية الجنوبية والجنوب والبقاع دعْماً له ورفْضاً لأي تعرُّض لأمينه العام، وهو ما تَزامن مع تظاهراتٍ لمناصري «التيار الوطني الحر» (حزب الرئيس ميشال عون) بدأت الجمعة في البترون وجبيل وكسروان وبعبدا تأييداً لـ«العهد» ولمحاسبة الفاسدين واسترداد الأموال المنهوبة. وقد اكتسب هذا «التحرك المضاد» أمس طابعاً أكبر مع المسيرة الحاشدة لـ«التيار» في منطقة الجديدة (ساحل المتن) التي تقدّمت في اتجاه نهر الموت وحاول بعض مَن فيها السير بها حتى محلة جل الديب التي تحوّلت واحدة من «قلاع الثورة» وأكثر نقاط الجذب الشعبي فيها، وسط خشية كبيرة سادتْ من حصول صِدام بين الشارعين.
أما المسار الميداني الموازي، فتمثّل بالسعي لفتْح الطرق المقطوعة عبر الاستعانة بالجيش وقوى الأمن الداخلي، وسط معلومات عن قرار اتُّخذ بإنهاء هذه الحالة تحت عنوان «حرية تحرُّك المواطنين» وربْط السلطة السياسية ولا سيما عون أي خطوة تتعلق بالوضع الحكومي بفتح الطرق والامتناع عن قفلها، في موازاة تأكيدات أن رئيس الحكومة سعد الحريري يعتبر أن دور القوى الأمنية والعسكرية ينحصر بحماية حق التظاهر والتعبير عن الرأي وحق التنقل بعيداً من أي مواجهات.
وكان لافتاً أن عملية «كرّ وفرّ» أمس حصلت بين المتظاهرين والقوى الأمنية التي كانت، في النقاط الرئيسية (مثل «الرينغ» والشيفروليه في بيروت ومحيطها)، كلما تنجح في إزاحة المحتجّين يعود هؤلاء لافتراش الطرق بأجسادهم، وسط كلام المتظاهرين عن أن المجموعات التي أصرّت على المرور عند بعض النقاط المقطوعة وافتعلتْ اشكالاتٍ (اضطرت الجيش والقوى الأمنية للوقوف بين الطرفين) هم محازبون من «التيار الحر»، معتبرين الأمر في إطار «مخطط لخرْبطة الانتفاضة وإجهاضها».
أما الجانب السياسي من «الاندفاعة المضادّة» بوجه الثورة، فعَكَسَ خشيةً من محاولات «انتقامٍ» من أطراف كانت في الحكومة واستقالتْ (مثل «القوات اللبنانية») وأخرى ما زالت فيها (الحزب التقدمي الاشتراكي) وصوّب عليها نصر الله في كلمته من دون تسميتها، وسط حرْص مناصري «حزب الله» على رفْع صور لرئيسيْهما (سمير جعجع ووليد جنبلاط) في رياض الصلح وإطلاق هتافات ضدّهما (في الضاحية الجنوبية ايضاً)، الأمر الذي أثار علامات استفهام حول مستقبل الواقع السياسي تضاف إلى الخشية مما ستحمله الساعات المقبلة ميدانياً ولا سيما بعد التطور الخطير في منطقة البداوي (قرب طرابلس) عصر أمس، حيث طلب الحريري من قائد الجيش العماد جوزيف عون، إجراء تحقيق «فوري» بملابسات إصابة عدد من المتظاهرين أثناء محاولة الجيش إخلاءهم، في حين أغلق المحتجون الطريق الدولية بين طرابلس وعكار.
وبحسب بيان للجيش، فقد تعرضت قوة عسكرية للرشق بالحجارة والرمي بالمفرقعات، ما أدى إلى وقوع خمس إصابات.

الراي – ليندا عازار

مسؤولية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.

مواضيع تهمك

Comments are closed.