الخطيب: الحكومة مطالبة بتحمل المسؤولية بايجاد الخطط للحؤول دون المزيد من الكوارث
ادى نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى العلامة الشيخ علي الخطيب الصلاة، في مقر المجلس والقى خطبة الجمعة التي قال فيها: “ونحن على مشارف حلول شهر شعبان المبارك، أتوجه بالتبريك والتهنئة لجميع المؤمنين بهذه المناسبة المباركة، سائلا الله تعالى ان يوفقنا فيه للقيام بما حثنا رسول الله واهل بيته من الاهتمام به واستغلاله بالطاعة والعبادة بتلاوة كتاب الله تعالى والتدبر بآياته وبالدعاء والصلاة وصلة الارحام والتصدق كل على قدر استطاعته والاهتمام باصحاب الحاجات وعدم انتظار السؤال منهم، فإن اكثر هؤلاء بما يملكون من الشعور بالكرامة وعزة النفس ما يمنعهم من مد ايديهم الى الناس كما عبر عنهم سيدنا ومولانا عزيز جده رسول الله الامام الحسن المجتبى بقوله: ( إن شيعتنا يموتون جوعا ولا يمدون ايديهم الى الناس )، وهذه احدى اهم الصفات الاخلاقية التي يتمتع بها اتباع اهل بيت الرسالة الذين دأبوا على تربية محبيهم وحثهم على تزكية انفسهم والتخلق باخلاق الانبياء، ومن جملتها صدق الحديث واداء الامانة والتعاطي بالحسنى مع الآخر ولو ممن لا يدين بدينهم ولا يوافقهم في اعتقادهم فضلا عمن يوافقونه في الدين والايمان، كما قال الامام الصادق عليه السلام وهو يوجه شيعته ومحبيه فيقول لهم: “كونوا زينا لنا، ولا تكونوا شينا علينا، حتى يقول القائل: رحم الله جعفر ابن محمد قد أدب شيعته ، فاحسن تأديبهم”.
اضاف: “لقد جعل الله تعالى في هذا الشهر، وفي ما نحن فيه من شهر رجب، وما يليه شهر رمضان ميدانا للتسابق بين المؤمنين لتوثيق العلاقة مع الله تعالى لتأكيد تقربهم منه وعبوديتهم له دون غيره، وتحرير انفسهم من ان يكونوا اسارى للشهوات والغرائز والتخلص من اسر الدنيا والخضوع لها والعبودية الذليلة والتسامي الى عبودية الله تعالى والتذلل له التي بها يرتقي الانسان ويسمو ويتحرر بالقيم الالهية بتزكية النفس وتربيتها، وما الالتزامات بالتعاليم الالهية وخصوصا منها العبادات وتخصيص بعض الاشهر والاوقات لممارسة بعض الفرائض والمستحبات العبادية الا لهذه الغاية التي تشكل الاساس لبناء الشخصية المؤمنة الواعية الصالحة الايجابية والفاعلة في الحياة حين تمارس عن وعي وفهم لمعاني هذه العبادات وللاهداف التي اريد الوصول اليها من خلالها التي لكل منها نتائجها الخاصة التي لا تغني عن العبادات الاخرى، ولكنها حين يؤتى بها جميعا تؤدي معا الى صياغة الشخصية المتكاملة التي لا يمكن ان تتحقق بالاتيان ببعضها دون البعض الآخر، فالصلاة لا تغني عن الصوم والصوم لا يغني عن الزكاة والصدقه او تلاوة الكتاب او الدعاء، فلا بد من القيام بها جميعا كما جاء الامر بها متقربا بها الى الله تعالى وخالصة لوجهه الكريم حتى تؤدي الى العبودية التامة لله تعالى التي من دونها لا حرية للانسان ولا تستقيم مع التكريم الالهي له، حيث قال تعالى (ولقد كرمنا بني ادم وحملناهم فى البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا) الاسراء -70. ولا يجتمع التكريم له مع حبه للدنيا وهو بالتعبير القرآني الاخلاد الى الارض”.
وتابع: “ان المقصود بالدنيا هنا ليس الحياة وما يقابل الآخرة، وانما ما تتطلبه النفس من الشهوات والاستجابه للغرائز الحيوانية اي القيم الهابطة وهو المقصود من الاخلاد الى الارض قال تعالى: (واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون ) سورة الأعراف:175-176. لذلك كانت العبادات تطبيقا عمليا لعنوان التزكية التي هي اهم مهام الانبياء والرسل التي لا تقتصر على تبليغهم للوحي الالهي والقاء الحجة عليهم، بل القيام بمهمة التطبيق العملي لتزكية النفس، وقد كانوا صلوات الله عليهم السباقين الى القيام بها فلم يدعوا الناس الى شيء لم يقوموا به، بل كان عملهم أحد طرق التعليم والتربية، فلم يحك أبدا أن نبيا من الانبياء دعا الى شيء استثنى نفسه منه، حتى ان الله تعالى دعا رسوله في سورة المزمل الى ان يخفف عن نفسه والا يرهقها بالمبالغة بالعبادة”.
وقال: “ان هذه الاشهر هي ميدان حبانا الله بالفرصة فيه لنستغله في تزكية نفوسنا وتربيتها حتى نكتسب المناعة النفسية من ان تزل اقدامنا عن طريق الحق فإن النفس امارة بالسوء والدنيا كما يصفها امير المؤمنين: إن الدنيا كالحية لين مسها قاتل سمها فأعرض عما يعجبك فيها لقلة ما يصحبك منها و كن آنس ما تكون بها أحذر ما تكون منها. وقد عبر عنها القرآن الكريم، بأنها دار الغرور، ولذلك احتاج الخلاص من اشراكها الى هذا الكم من التحذير منها والى التأكيد على ما يجعل الانسان محصنا من الانخداع بها واهمها العبادات سواء منها الفرائض اليومية اوغيرها”.
وأكد ان “لهذه الاشهر الثلاث المباركة ميزات تزيد هذا التعلق والارتباط بالله تعالى حتى يصل الانسان الى مرتبة عالية من التسامي الروحي حيث لا يرى شيئا الا من هذه الزاوية. من هنا نؤكد على الاخوة المؤمنين الاهتمام بما أمكن من الاستفادة من هذه الفرصة الالهية واستغلال هذه الايام المباركة بالعودة الى كتب الادعية والاعتناء بما ورد من مستحبات واعمال فان الفرص تمر مر السحاب والتهيؤ بذلك لاستقبال شهر رمضان المبارك. كما، نستغل هذه الفرصة لنتوجه اليكم بالمباركة والتهنئة بولادة الامام الحسين سيد شباب اهل الجنة والامام زين العابدين وابي الفضل العباس، والامام صاحب العصر والزمان، ما زاد شهر شعبان المبارك بركة وفضلا على ان نوفق للحديث اكثر عن هذه المناسبات العطرة في وقت لاحق ان شاء الله، والتي نؤكد على احيائها والاهتمام بها لانها تمثل تجسيدا لاعلى درجات الالتزام بهذه القيم الالهية وترسم لنا المنهج الذي ان سلكناه واقتدينا به بلغنا القمة في الانسانية وسلكنا الطريق الذي يأخذ بيد البشرية نحو النجاة والتقدم الحقيقي والسلام الذي تنشده”.
وأوضح ان “أهم المبادئ التي يدعو اليها الاسلام كما كل الديانات الالهية والرسل والاولياء من قيام العلاقات بين الاقوام والامم على اساس التعاون (وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ) وعلى اساس ( تعالوا الى كلمة سواء )، بدل هذا النزع الى استخدام القوة في النزاعات الدولية او الاقليمية او الداخلية واحلال السلام والقبول بمبدأ التعاون بدل استخدام القوة والاحتلال كسبيل لحل النزاعات الذي يؤدي الى مزيد من الخراب والقتل والضغائن بديلا للسلام الضائع والمنشود، ولكن القوى الغاشمة التي لا ترى الا النفوذ والتوسع والهيمنة وسيلة وهدفا والحياة سوى ساحة للصراع لا مجال فيها للقيم والاخلاق تدفع بها نحو الاحتراب والفوضى والصراعات، ليس لديها مشاعر انسانية ولا تهتم بالمآسي التي تسببها للبشرية، ومن المؤسف اننا اضحينا في بلادنا ضحية لهذه الصراعات الدولية بأيدينا، ونحن قادرون على الاقل التخفيف من تأثيرها على بلادنا لو اننا اخترنا الحوار الذي يمثل قيمة اساسية من ثقافتنا وأدياننا ومذاهبنا على اختلافها”.
وقال: “اننا في الوقت الذي نأسف فيه لما يحدث بين روسيا واوكرانيا وما يمكن ان ينتج عنه من ارتدادات على الصعيد الدولي، ونحن نرى من ينفخ في نارها، ندعو اللبنانيين في هذه الظروف الصعبة الى العودة الى الحوار والتواصل للوصول الى حلول سريعة نظرا للمخاطر المتوقعة لهذه الحرب الناشبة، وقد بانت نذرها في المخاوف حول الحصول على بعض المواد الضرورية كمادة القمح والزيوت، وهي اذا ما استعرت واتسعت فان الخوف من فقدان هذه المواد وغيرها من المواد الضرورية من الاسواق العالمية يصبح أمرا محتما، ولذلك فان التضامن الوطني بين كافة المكونات اصبح اكثر من ضروري، وان بقاء الانقسام الداخلي يصبح اكثر من خيانة فالانقسام لا يمكن تحمله والسكوت عنه في الظروف العادية، فكيف بظل هذه الاوضاع الشديدة الخطورة لان ما يحدث اليوم يذكرنا بمآسي الحرب الكبرى التي مات فيها الآلاف من اللبنانيين جوعا، نسأل الله تعالى ان ينجي العالم ولبنان منها”.
اضاف: “اذا كان اجراء الانتخابات ضروريا فانما هو للخروج من حالة الانقسام الوطني واحلال الوفاق بديلا عنه، فليكن الاسراع للخروج من حالة الانقسام سريعا باللجوء الى الحوار والا فالقوى السياسية الرافضة تتحمل المسؤولية التاريخية والوطنية لما يمكن ان يحدث من كوارث لا يمكن التنبؤ بحجمها، وفي الواقع نحن في صلبها، وما بتنا نلمسه من غلاء في اسعار المحروقات وما ينعكس على سائر المواد نذير خطير لا ينكره الا أعمى البصر والبصيرة. ان الحكومة اللبنانية مطالبة بتحمل المسؤولية المباشرة في ايجاد الخطط اللازمة للحؤول دون المزيد من الكوارث، فنحن لسنا في وضع طبيعي ولا الوضع الدولي يسمح لنا بالتراخي وانتظار الفرج من الخارج حتى البنك الدولي لن يقدم اية مساعدة اذا ما تأزمت الاوضاع الدولية اكثر”.
واعتبر “ان الزيادة الخجولة التي أقرتها الحكومة لموظفي القطاع العام والخاص لا تسد رمقا ولا تسمن ولا تغني من جوع، ولا توفر ابسط مقومات العيش الكريم مع التضخم الحاصل، وكنا نأمل من الحكومة ان تتصدى بفعالية أكبر للاحتكار المتفشي وغلاء اسعار المواد الغذائية والتوجه نحو استرداد المال العام من ناهبيه، وكنا ننتظر خطوة جريئة للافراج عن أموال المودعين في المصارف، ولكن للاسف تمارس بعض المصارف اليوم بدلا عن ذلك عملية تقييد جديدة بتحديدها قيمة السحوبات الشهرية على المواطنين. كما نطالب الحكومة اللبنانية بالقيام بمسؤولياتها تجاه الطلاب اللبنانيين في اوكرانيا واتخاذ اجراءات سريعة لتأمين عودتهم، ولا سيما ان الاوضاع الخطيرة تستوجب تحركا عاجلا لانقاذ حياتهم، ونتوجه بالشكر من كل المساهمين لعودة البعض منهم سالمين الى ربوع الوطن”.
Comments are closed.