«نفض يد» رسمي ومصرفي من لهيب «دولار بيروت».. على وقع عودة الاحتجاجات الشعبية وتهيُّب «الأسوأ»
تَمَدَّدَ لهيبُ الدولار في أسواق بيروت من الساحات والشوارع التي شهدت تجدد التحركات الشعبية، إلى الردهات الرسمية والقطاعية التي «تَزاحمت» في السعي لابراء ذممها من التدهور المحقق وتوابعه المرتقبة، والأسوأ بينها خطر تكوين تسونامي تضخّمي حاد يستمدّ شدّته من تَواصُل انحدار سعر صرف الليرة وقرب نفاد الاحتياطات السائلة بالعملات الأجنبية القابلة للاستخدام في تمويل دعم السلع والمواد الأساسية.
ولوحظ ان التهيّب من «الآتي الأعظم» بدأ يفرض إيقاعَه الخاص ضمن مشهدية العتمة شبه المطبقة التي تلف البلاد من أقصاها إلى أقصاها بسبب انحدار إمدادات الكهرباء الى أدنى مستوياتها وسريان معلومات عن تعذُّر تمويل الاعتمادات والمصاريف الدولارية الخاصة بالقطاع، في موازة تقنين تسليم المشتقات النفطية وتسجيل ارتفاعات مضطردة في أسعار مادتيْ البنزين والمازوت، فضلاً عن فوضى التسعير المتفشية في السوبرماركت ومتاجر بيع المواد الغذائية والأساسية.
ولفت في السياق البيان الصادر عن القصر الجمهوري عقب اجتماع مع حاكم البنك المركزي رياض سلامة، وفيه أن «رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون تابع باهتمام بالغ ما تشهده بعض المناطق اللبنانيّة منذ مساء الثلاثاء من تحرّكاتٍ احتجاجيّة، على خلفيّة وصول سعر صرف الدولار الأميركي إلى سقف العشرة آلاف ليرة».
وفي هذا الإطار، طالب عون سلامة بمعرفة «الأسباب التي أدّت إلى ارتفاع سعر الدولار إلى هذه المستويات لاسيّما في الأيّام القليلة الماضية، وإطلاع اللبنانيين، تأميناً للشفافيّة، على نتائج التحقيق الذي تجريه هيئة التحقيق الخاصة. كما طالبه بإحالة هذه النتائج إلى النيابة العامة ليصار إلى ملاحقة المتورّطين، في حال ثبت وجود عمليّات مضاربة غير مشروعة على العملة الوطنيّة، من جانب أفراد أو مؤسسات أو مصارف».
واعتبرت مصادر اقتصادية المداخلة الرئاسية بمنزلة التنصل من مسؤولية «الوقود» السياسي الذي يشكل ذريعة وازنة تؤجج المضاربات على العملة الوطنية، حيث ان البلاد تعاني للشهر الثامن على التوالي شللاً شبه مكتمل في أداء السلطة التنفيذية العالقة بين حكومة مستقيلة لا يجد رئيسها حسان دياب شرعية دستورية في دعوتها للاجتماع، وحكومة جديدة قيد التأليف المتعثّر برئاسة زعيم «تيار المستقبل» سعد الحريري.
ورصدتْ «الراي» هبوط اجمالي احتياط مصرف لبنان من العملات الصعبة الى نحو 17.85 مليار دولار أول الشهر الحالي، بينها ما يتعدى 16.5 مليار دولار كاحتياطاتٍ الزامية للودائع في الجهاز المصرفي. وبذلك فان «المركزي» فاقِدٌ فعلياً لقوة التدخل والمساهمة في انتظام المبادلات النقدية، بل ان الحاكمية تحضّ السلطة التنفيذية على تغطية قرار حاسم بترشيد تمويل دعم المواد الاستراتيجية والأساسية بسبب قرب نفاذ الأموال القابلة للاستخدام.
ولاحظتْ مصادر مالية أن عدم صدور قرارات أو إشارات عملية عن اجتماع الرئيس والحاكم، يمثّل في الواقع إقراراً رسمياً جديداً، ولو بالاستنتاج، بسيادة الأسواق الموازية على مبادلات العملة، بخلاف الترويج الرسمي السائد في شأن حجمها المحدود ببضعة ملايين دولار واستنادها الى مرجعياتِ تسعيرٍ تَجْري عبر تطبيقات الكترونية ناشطة على الشبكة العنكبوتية وشاشات الهواتف الذكية.
ومن جهتها، تبرأت جمعية المصارف «جملةً وتفصيلاً من كل ما تمّ تداوله في الأيام الماضية عن دور للمصارف في ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق السوداء»، مبيّنة «ان متطّلبات السيولة المصرفية في الخارج من قبل مصرف لبنان وفق التعميم 154 تتعدّى 3.4 مليار دولار على مستوى القطاع، فهل يُعقل أن تجتذبها المصارف من السوق السوداء المحلّية التي لا يتجاوز حجمها بعض الملايين من الدولارات؟».
وفي تعداد المسببات التي ألهبت أسواق النقد، لفتت الجمعية في «مطالعة» عمّمتْها الاربعاء إلى “الضبابيّة السياسية في البلاد في ظلّ التخبّط السياسي والتجاذبات والمناكفات في غياب أي جهد جدّي وحقيقي لتأليف الحكومة العتيدة بعد مرور 7 أشهر من استقالة الحكومة السابقة.«، معتبرة»ان السيطرة على تفلّت الدولار في السوق السوداء رهن بتطورات سياسية تعيد الثقة الى اللبنانيّين وباعتماد سياسات احتوائية من مختلف السلطات المعنيّة للسيطرة على عجوزات لبنان المالية الخارجية”.
كما لفتت المصارف الى «الاستيراد غير المدعوم من مصرف لبنان والذي تقدّر قيمته بما لا يقلّ عن 5 مليارات دولار سنوياً بحيث يلجأ المستوردون الى السوق السوداء لتأمين الدولارات النقدية المطلوبة»، رابطة شحّ الدولار في السوق المحلّية أيضاً بانخفاض حركة الأموال الوافدة بشكل ملحوظ «ما أدّى الى عجز في ميزان المدفوعات بمقدار 10.5 مليار دولار في العام 2020، وهو أكبر عجز عرفه لبنان، وعمليات خلق النقد بالليرة اللبنانية، لاسيّما لتنقيد عجز الدولة بحيث ارتفع حجم النقد المتداول بالليرة من 9.8 تريليون ليرة في نهاية العام 2019 الى 29.24 تريليون ليرة في نهاية العام 2020».
الراي
Comments are closed.