رسالة بريطانية “صارمة” إلى مسؤولي لبنان – دنيز رحمة فخري
كتبت دنيز رحمة فخري في إندبندت عربية: في أول زيارة لمسؤول بريطاني رفيع المستوى إلى لبنان بعد انفجار 4 أغسطس (آب) الماضي، يصل إلى بيروت خلال هذا الأسبوع وزير الدولة لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا جيمس كليفرلي، في زيارته الأولى إلى لبنان منذ تكليفه بملف المنطقة.
لقاءات كليفرلي ستشمل رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، وقد يزور قائد الجيش العماد جوزف عون.
وكشفت الناطقة باسم السفارة البريطانية في لبنان سيمون أودونيل، في حديث إلى “اندبندنت عربية”، أن كليفرلي سينقل إلى القادة والمسؤولين اللبنانيين رسائل وصفت بالصارمة.
غذاء ودواء
قد تختلف المقاربة الدولية للملف اللبناني بين الدول الأوروبية نفسها، وبينها وبين الولايات المتحدة الأميركية، إلا أنها تلتقي جميعها على توصيف الواقع اللبناني الحالي على حقيقته وسوداويته.
ترى بريطانيا أن لبنان بات على حافة الهاوية، وأن الطريق طويلة أمام المسؤولين فيه لاستعادة ثقة اللبنانيين والمجتمع الدولي. وهذه الصورة القاتمة التي يرسمها مسؤولون بريطانيون، تجد ما يدعمها في الواقع. فالبلاد تشهد أسوأ أزمة اقتصادية منذ الحرب الأهلية، وتواجه غياب الحلول وتكافح لتلبية الاحتياجات الأساسية للمواطن “الغذاء والوقود والأدوية”. واستناداً إلى آخر أرقام البنك الدولي، فإن نصف اللبنانيين سيعيشون في فقر بحلول عام 2021.
تتخوف بريطانيا من تزايد المخاطر الإنسانية، بعد تحول لبنان إلى دولة ذات دخل متوسط، إضافة إلى عبء اللاجئين لديها. وهذا ما يدفعها إلى التحرك قبل فوات الأوان.
وفي هذا السياق، تأتي زيارة وزير الدولة، التي تهدف وفق الناطقة باسم السفارة البريطانية إلى تأكيد التزام المملكة المتحدة تجاه الشعب اللبناني، التي تقدر مساهمتها بأكثر من 100 مليون جنيه إسترليني سنوياً في المجالات الإنسانية والتعليمية والأمنية، فضلاً عن أنها كانت من بين الدول الأولى التي أرسلت سفينة “إنتربرايز” الملكية للمساعدة في إجراء مسح لمرفأ بيروت بعد الانفجار وعلى متنها معدات ومستلزمات طبية.
لكن للزيارة أهدافاً أخرى يمكن اختصارها في التحذير الأخير للمسؤولين قبل عزل لبنان دولياً. فالمسؤول البريطاني سيبلغ الرؤساء الثلاثة رسالة صارمة يدعوهم فيها إلى إنقاذ بلدهم والتحرك سريعاً والدفع باتجاه الإصلاحات، وإلا فلا مساعدات. وتكشف مصادر دبلوماسية عن تحذيرات مؤكدة استناداً إلى كلام دولي، بأن المساعدات قد تقتصر على الغذاء والدواء، في غياب حكومة مستقلة قادرة على تنفيذ الإصلاحات. وهي اللهجة نفسها التي تستخدمها فرنسا في رسائلها المتكررة إلى المسؤولين في لبنان.
وبحسب الناطقة باسم السفارة البريطانية، فإن كليفرلي سيبلغ المسؤولين اللبنانيين أن برنامج الدعم الدولي المدعوم من صندوق النقد الدولي لا يزال الحل المستدام الوحيد للبنان، كونه سيضمن بدء إصلاحات حاسمة وفتح تمويل إضافي من المستثمرين والمجتمع الدولي.
وتتحدث الرسالة البريطانية عن ثلاثة شروط يجب توفرها للنهوض بالبلاد من جديد، وهي “الشفافية والمساءلة والمسؤولية”، وأن الحل هو في يد القادة والسياسيين اللبنانيين وحدهم.
بريطانيا تعاين قبل أن تساعد
وزير الدولة البريطاني يحضر إلى بيروت بعد المشاركة في المؤتمر الثاني الذي دعا إليه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من أجل مساعدة لبنان، والذي تحول من مؤتمر لإعادة بناء المرفأ والبيوت المهدمة، إلى مؤتمر للمساعدات الإنسانية.
وستكون الزيارة مناسبة أيضاً لمعاينة الوضع اللبناني عن قرب وإجراء تقييم لواقع المساعدات البريطانية التي قدمت سابقاً، وفي مقدمتها مساهمة لندن في توفير ما يلزم لتأمين المراقبة على المعابر غير الشرعية المنتشرة على الحدود الشرقية بين لبنان وسوريا، إضافة إلى تدريب آلاف العناصر والضباط في الجيش وبناء 39 برجاً للمراقبة وعشرات المراكز العسكرية المتقدمة. لكن على الرغم من ذلك، فإنه لا يزال التفلت الحدودي قائماً، لا سيما في المنطقة الواقعة في جنوب نقطة المصنع في البقاع الغربي، حيث بقيت هذه المنطقة خط تهريب فاعل لمواد أساسية تدعم استيرادها الدولة اللبنانية، فتباع إلى سوريا بأسعار مرتفعة.
بريطانيا مرآة للموقف الأميركي
لطالما لعبت بريطانيا دوراً متقدماً داخل المجموعة الأوروبية، منسجمة في ملفات الشرق الأوسط مع الموقف الأميركي، محققة بذلك توازناً مع موقفي فرنسا وألمانيا. يعتبر كثيرون أن لندن هي المرآة التي تعكس السياسة الأميركية داخل الدول الأوروبية، فعلى عكس فرنسا مثلاً، التي تميز بين جناحي “حزب الله” العسكري والسياسي، التحقت لندن بموقف واشنطن ووضعته بجناحيه على لائحة الإرهاب، ولم تنتظر سبباً مباشراً كما فعلت ألمانيا، التي اتخذت الموقف نفسه لكن بعد رصدها تحركات لمجموعات تنتمي للحزب في برلين.
وفي شأن الأزمة الحكومية، تتوقع مصادر دبلوماسية ألا يختلف الموقف البريطاني عن الأميركي. فعلى عكس فرنسا التي يحرص رئيسها على إبقاء التواصل مع “حزب الله”، ولا يشترط إبعاده عن الحكومة بعد موافقته ضمناً على تسمية الثنائي الشيعي لوزرائه، تفرض الولايات المتحدة خلو الحكومة من “حزب الله” شرطاً أساسياً للتعاون معها. وهو ما أبلغته للرئيس المكلف سعد الحريري، السفيرة الأميركية دوروثي شيا.
أما بريطانيا التي التزم سفيرها الصمت في الفترة السابقة، فلفت تصريح له منذ أيام قليلة، دعا فيه إلى تشكيل حكومة بسرعة تكون قادرة على القيام بمهمة الإصلاح، لكنه تجنب الرد على مشاركة “حزب الله” فيها، معتبراً أنها مسألة داخلية، إلا أنه ذكر بموقف بلاده من الحزب.
وكان السفير كريس كرامبلينغ اتهم منذ أشهر قليلة في مقابلة مع “اندبندنت عربية”، “حزب الله” بزعزعة استقرار البلاد، قائلاً إن “لبنان في حفرة لن يخرج منها إذا لم ينظر اللبنانيون إلى مصلحتهم الوطنية”.
Comments are closed.