فراغ السلطة يزيد من مخاطر أزمات لبنان
يواجه لبنان أزمة حكومية لا تلوح لها نهاية في الأفق يزيدها تعقيدا البحث عن مسار الخروج من الانهيار المالي، مما يعمّق مخاطر عدم الاستقرار مع تضاعف المصاعب وترنح مؤسسات الدولة على شفا الانهيار.
ولا يزال لبنان بلا رئيس دولة ولا مجلس وزراء كامل الصلاحيات منذ انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون في الحادي والثلاثين من أكتوبر الماضي، وهو فراغ غير مسبوق حتى بمعايير بلد لم يتمتع باستقرار يُذكر منذ الاستقلال.
ومع عدم إبداء السياسيين لأي مرونة لحل الصراع على السلطة، يقول محللون وبعض المصادر السياسية إن التوصل إلى حل وسط بشأن الرئاسة قد يتطلب ذات نوع الوساطة الأجنبية التي أنقذت لبنان من أزمات سابقة مماثلة.
لكن لا يوجد ما يشير إلى وجود أي وساطة في الوقت الحالي، ويحتمل أن الأوان لم يأت بعد. وهناك توترات كبيرة في المنطقة بين القوى الأفضل للتوسط، إيران من جهة والولايات المتحدة وفرنسا والمملكة العربية السعودية من جهة أخرى.
ويمثل الفراغ مرحلة جديدة في الأزمة التي تعصف بلبنان منذ انهيار نظامه المالي في عام 2019، والذي دفع بالكثير من المواطنين إلى براثن الفقر وأصاب البنوك بحالة من الشلل وأجّج أكبر موجة هجرة منذ الحرب الأهلية التي دارت رحاها من عام 1975 إلى 1990.
وتطفو الضغوط في الدولة المفلسة على السطح بطرق جديدة باستمرار، مع اعتماد الحكومة أكثر من أي وقت مضى على المنح الأجنبية لتوفير الخدمات الأساسية. وانهارت قيمة رواتب الموظفين المدنيين والجنود بالعملة المحلية، التي فقدت 95 في المئة من قيمتها منذ عام 2019.
ومن المقرر أن يبدأ الجيش، وهو الركيزة الأساسية للسلم الداخلي، في تلقي مساعدات الرواتب التي تمولها الولايات المتحدة عن طريق الأمم المتحدة.
وقدمت فرنسا اللقاحات اللازمة لمكافحة تفشي الكوليرا في لبنان، واصفة ذلك بأنه علامة على “الانخفاض الحاد في توفر المياه وخدمات الصحة العامة للسكان”.
ومع تكرار حوادث اقتحام المودعين للبنوك للحصول على مدخراتهم، نشر الجيش مقطع فيديو تدريبي للجنود وهم يحيطون بأحد البنوك ويحتجزون مشتبها به.
وقالت سامانثا باور مديرة الوكالة الأميركية للتنمية الدولية خلال زيارة إلى بيروت إن الولايات المتحدة تعهدت بتقديم 72 مليون دولار مساعدات إنسانية للبنان الأربعاء بهدف المساعدة في إطعام مئات الآلاف من اللبنانيين الذين يكافحون وسط الأزمة.
وقالت باور إن المساعدات ستسمح بإضافة 660 ألف مستفيد جديد إلى قائمة الذين يتلقون الدعم من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية.
وذكر مسؤول بالوكالة أنه قبل الإعلان، قدمت الوكالة الأميركية بالفعل 260 مليون دولار مساعدات تنموية ومعونات للبنان في عام 2022.
جهود تنفيذ الإصلاحات تواجه عقبات من جانب السياسيين الذين يحمون المصالح الخاصة ويتهربون من المساءلة
وقال المحلل السياسي نبيل بومنصف إن الوضع الاجتماعي هو الفتيل الذي يمكن أن يعرض لبنان للخطر، إذا استمر الفراغ وتعمقت الأزمات المالية والاقتصادية.
وسعت واشنطن إلى تعزيز قوات الأمن اللبنانية بالمزيد من المساعدة. لكن مسؤولة أميركية قالت في تحذير شديد اللهجة في الرابع من نوفمبرالجاري إنها تلمح في الأفق سيناريوهات “لا شيء سوى الانهيار مع عدم توفر رواتب (الجيش) و(قوات الأمن الداخلي) سوى ستة أشهر، وبالتالي فهم يفقدون السيطرة على الأمور كون جميع الإجراءات مؤقتة، كما أن هناك هجرة جماعية”.
وقالت مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى باربرا ليف، في تصريحات في مركز ويلسون، إن هذه هي “أحلك نهاية للطيف” وإن هناك “العديد من السيناريوهات الأخرى في المنتصف”.
وأضافت “لا شيء يمكن أن نفعله نحن أو أي شريك أجنبي آخر يمكن أن يعوض ما فشل القادة السياسيون اللبنانيون في إنجازه حتى الآن، تشكيل حكومة والاضطلاع بالمهمة العاجلة المتمثلة في إبعاد لبنان عن حافة الهاوية”.
وحثت الحكومات الغربية بيروت على تنفيذ إصلاحات طال انتظارها للخروج من الأزمة بإبرام اتفاق مع صندوق النقد الدولي لكن صندوق النقد الدولي ينتقد “البطء الشديد” في إحراز تقدم.
وتواجه جهود تنفيذ الإصلاحات عقبات من جانب السياسيين الذين يحمون المصالح الخاصة ويتهربون من المساءلة.
ولا يرى المحللون أي تحرك نحو الاتفاق على حكومة جديدة. فمن ناحية، تعكس المواجهة الخصومات بين المسيحيين الموارنة المخصص لهم منصب الرئيس.
ومن ناحية أخرى، تعكس صراعا على السلطة بين حزب الله الشيعي المدعوم من إيران – وهو الحزب الذي أوصل حليفه عون إلى الرئاسة في عام 2016 – وبين خصومه.
وقال أندرو تابلر، من معهد واشنطن “الدور السعودي يتمثل في مواجهة إيران ومواجهة الدولة اللبنانية الفاشلة”.
وقال سياسي بارز متحالف مع حزب الله إن الرياض على ما يبدو عازمة على إعادة بسط نفوذها على المشهد السياسي السُني المتصدع منذ تعليق سعد الحريري – حليف الرياض في بيروت لسنوات سابقا – مشاركته في السياسة.
وأضاف أن هذا قد يساعد الرياض على ممارسة نفوذها على مصير الرئاسة في لبنان، الذي يتم تحديده من خلال تصويت في البرلمان، حيث يوجد بالفعل عدد من الأصدقاء المتشابهين في الفكر مع السعودية مثل حزب القوات اللبنانية المسيحي.
كما أن حزب الله لديه حلفاء مسيحيون بارزون لديهم طموحات رئاسية، ولاسيما سليمان فرنجية – صديق الرئيس السوري بشار الأسد – وجبران باسيل، صهر عون. ولم يعلن حزب الله بعد عن مرشحه المفضل، تاركا الباب مفتوحا أمام إمكانية التوصل إلى اتفاق على مرشح مقبول على نطاق أوسع. وأحد الاحتمالات هو قائد الجيش العماد جوزيف عون.
وفي عام 2008، أدت الوساطة الخارجية إلى انتخاب قائد سابق آخر للجيش، ميشال سليمان، رئيسا، ونزع فتيل أزمة أشعلت الصراع بين حزب الله وخصومه.
وتوقع مصدر مطلع على تفكير حزب الله حدوث فراغ لفترة غير محددة، قائلا “نحن في أمس الحاجة إلى دَفعة خارجية”.
وقال السياسي الدرزي وائل أبوفاعور إن الضغط الخارجي يمكن أن يكون له “دور تسهيلي… لكن المبادرة والحل يجب أن يأتيا من القوى السياسية الداخلية”.
Comments are closed.