لبنان «على حبل مشدود».. إلى فراغ رئاسي منظّم أم فوضوي؟
متظاهرون يرفعون لافتات للمطالبة بودائعهم أمام مصرف لبنان المركزي في بيروت أمس (أ ف ب)
… ساعاتٌ حاسِمةٌ يتّضح معها مآلُ الترسيم البحري بين لبنان وإسرائيل واتجاهاته النهائية إبراماً وشيكاً للاتفاقِ أم انقلاباً على تَفاهماتِ «الأحرف الأولى»، وأيامٌ مفصلية تتكشّف معها الخيوطُ البيض من السود في آفاقِ الملف الحكومي الموْصول بانتخاباتٍ رئاسيةٍ مازال الشغور المرشّح الوحيد للفوز فيها حتى إشعار آخَر.
«توقيتان» طبَعا «الساعة» اللبنانية، أمس، من دون أن يحجبا تمدُّد الفوضى المصرفية كـ «بقعةِ الزيت» فوق ركام عملةٍ وطنية يزداد انهيارُها مع كل طلعة شمس وهي بقيت تحترق تحت نار 39 ألفاً و400 ليرة، وسط انفلاشٍ يومي لاقتحاماتٍ لأكثر من بنك من قِبل مودعين غاضبين ويائسين، ومع «تنويعٍ» لهذه العمليات و«أدواتها»، من المسلّحة إلى «البيضاء» التي لجأ إليها مواطنون يُصنَّفون من «كبار المودعين» وانضّمت إليهم مودعةٌ برتبةِ نائبة في البرلمان هي سينتيا زرازير التي نفّذت اعتصاماً لأكثر من 5 ساعات داخل أحد المصارف إلى أن حصلت على جزء من وديعتها بقيمة 8500 دولار هي فارق التأمين المطلوب لتغطية تكلفة جراحة ستخضع لها غداً.
وقد تجاذبت المشهد السياسي، أمس، رهاناتٌ على تبريدٍ «دائم» لملف النزاع البحري مع إسرائيل وتداعياته الإيجابية المتعددة البُعد ديبلوماسياً واقتصادياً (ولو بعد حين)، وملامحُ اشتدادِ الأزمة الحكومية التي تتجه للسير على «حبل مشدود» حتى آخِر المهل الممكنة لإحداث الاختراق وترجمته دستورياً، فإما تولد حكومة مكتملة المواصفات قبل حلول الشغور الرئاسي في 1 نوفمبر، وإما ينقطع «حبل النجاة» الأخير للبلاد من «فراغٍ متعدّد المستويات في السلطة التنفيذية» كما حذّرت مجموعة الدعم الدولية للبنان.
وعلى خط الترسيم، رمى لبنان «شِباك الانتظار» بعدما وَضَع ما يفترض أنه «الكرةَ الأخيرة» في هذا الملف بملعبِ إسرائيل التي تسلّمتْ ملاحظاته على مقترح الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين بعدما أُودعت (الثلاثاء) لدى السفيرة دوروثي شيا:
فإما «ضرْب حديد» المناخات الإيجابية وهو حامٍ واستيلادٌ خلال 10 أيام لاتفاقٍ برعاية أممية وضمانات أميركية بعد أن تَستنفد كل الأطراف لعبةَ محاكاة شارعها تحت عنوان «الانتصار الأكبر لمَن»، ويُستكمل تمويهُ خط الترسيم 23 و«نفوذ» خط الطفافات (اعتمدته تل أبيب من جانب واحد العام 2000) فيه، مع ما يعنيه من قيام «منطقة» تعتبرها إسرائيل «أمنية» وتريد بيروت ضمْناً أن تكون «ميتة» وإما على طريقة no man’s land ريثما يُبت الخلاف حولها بوصْفها بالحد الأدنى متحفّظاً عليها ولا ترتّب أي ارتدادات على الترسيم البري.
وإما تَلَقّي هذا الملف «ضرباتٍ» بفعل التعقيدات في الوضع الإسرائيلي الداخلي وهو ما ستصيب تشظياته أيضاً الإدارة الأميركية التي رمت بثقلها لإنجاز تفاهم تستثمره خارجياً وداخلياً، ويمكن أن يفتح الوضع مجدداً على كل الاحتمالات في الميدان قبل الديبلوماسية.
وعلى الجبهة الحكومية، تتآكل مع كل يوم يمرّ المهلةُ الكافية لاستيلاد تشكيلةٍ كفيلةٍ بامتصاص صدمة الشغور وتَفادي تحوّله منطلقاً لاشتباك دستوري تدخل معه البلاد منزلقاً قد يكون الأخطر بعد انتهاء الحرب الأهلية، في ظلّ اعتبار الأيام العشرة المقبلة «الفرصة الأخيرة» لتجاوُز الألغام المستجدة وأبرزها عودة فريق الرئيس ميشال عون (التيار الوطني الحر) لاشتراط تطعيم الحكومة «المُعوَّمة» بوزراء سياسيين أو حزبيين من حصته، وهو ما فُهم أنه في سياق رفْع منسوب الضغط على الآخَرين جميعاً على قاعدة أن منْح التيار الثقة للحكومة الجديدة يمرّ بتوزيرٍ مباشر لمحسوبين عليه يشكلون الضمانة البديلة لعون بعد انتهاء ولايته، باعتبار أن حكومة الشغور هي عملياً امتداد للعهد وأن مثل هذه الحصة «الصافية» تنوب عن الرئيس الذي كان في شخصه وموقعه «بوليصة التأمين».
وفي موازاة الانكباب على محاولة تفكيك هذه العقدة التي يُخشى أن تتحوّل مستعصية، لم يكن عابراً التحرك الفرنسي العلني الأول من نوعه في اتجاه «حزب الله» وفق ما عبّرت عنه زيارة السفيرة آن غريو لرئيس كتلة نواب الحزب محمد رعد في مقرّ الكتلة في حارة حريك، كما نقلت إذاعة «النور» (التابعة للحزب).
ولم يكن ممكناً فصْل التحرك الفرنسي عن الملف الرئاسي وذلك بعدما كانت غريو التقت، أمس، أيضاً رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، ومحاولات باريس الدفع نحو رئيس توافقي ويحظى بأكبر التفاف حوله، وذلك على بُعد أيام من جلسة ثانية لانتخاب الرئيس يفترض أن يدعو إليها رئيس البرلمان نبيه بري قبل منتصف الجاري، واستدعت تكثيف الاتصالات بين مختلف الأفرقاء الداخليين، من المعارضة الساعية لرفد المرشح ميشال معوض بمزيد من الأصوات، إلى الموالاة التي تحاول كمرحلة أولى توحيد صفوفها خلف رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية الذي يحظى بمعارضة شديد من رئيس «التيار الحر» جبران باسيل.
وكان بارزاً، أمس، بيان «مجموعة الدعم الدولية من أجل لبنان» الذي صدر «بمناسبة انتهاء ولاية رئيس الجمهورية اللبنانية في 31 أكتوبر»، واستعار سقف الموقف الثلاثي لوزراء خارجية أميركا والسعودية وفرنسا لجهة تأكيده «أهمية انتخاب رئيس جديد ضمن الإطار الزمني الذي نص عليه الدستور.
رئيس يكون بمقدوره توحيد الشعب اللبناني والعمل مع كافة الفاعلين الإقليميين والدوليين على تجاوز الأزمة الاقتصادية والإنسانية بما يخدم المصلحة العامة من خلال البدء الفوري في تمهيد الطريق لتطبيق إصلاحات شاملة والتوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي».
كما شدد على «أن من المهم تشكيل حكومة جديدة ذات صلاحيات تمكّنها من تنفيذ الإصلاحات الضرورية المطلوبة. وحان الوقت للسياسيين اللبنانيين للتوصل على نحو عاجل إلى توافق وطني واسع يجنّب البلاد فراغاً متعدد المستويات في السلطة التنفيذية».
ولاحظت المجموعة «بقلق عدم إحراز تقدم كافٍ في تنفيذ الالتزامات التي تم التعهد بها بموجب اتفاق 7 أبريل على مستوى الموظفين مع صندوق النقد الدولي، ولا سيما التأخير في اعتماد التشريعات المناسبة في شأن الكابيتال كونترول والسرية المصرفية وإصلاح القطاع المصرفي فضلاً عن التأخير في اتخاذ القرارات المتعلقة بتوحيد أسعار الصرف واستعادة عافية القطاع المالي.
ولذا تدعو مجموعة الدعم الدولية السلطات إلى الإسراع في جهودها لاستكمال جميع تلك الخطوات التي لم تحسم بعد».
يوميات المصارف… اقتحامات وأكثر
وكانت «يوميات المصارف» بدأت قرابة التاسعة صباحاً مع اقتحام أبيض للنائبة زرازير لفرع بنك بيبلوس في انطلياس (شمال بيروت) يرافقها محاميان من «رابطة المودعين» للمطالبة بجزءٍ من وديعتها لإجراء عملية جراحية، فأغلقت أبواب المصرف حيث اجتمعت بمدير الفرع للتفاوض معه للحصول على 8 آلاف و500 دولار، معلنة «لن أخرج من المصرف قبل أخذ جزءاً من وديعتي، وقد عرضوا علي أخذ أي مبلغ على سعر صرف 8000 ليرة لبنانية ولم أوافق».
وقرابة الثانية من بعد الظهر، خرجتْ زرازير التي كان دعمها في تحركها وفي موقع الحدَث، النائبان التغييريان حليمة قعقور وياسين ياسين، وقد نالت المبلغ الذي طلبتْه والذي كانت تمسكت بالحصول عليه بالدولار (هو فارق التأمين الصحي) على أن يحوّله المصرف مباشرة إلى المستشفى بناءً على المستندات التي تكشف طبيعة الجراحة وتكلفتها.
وقالت زرازير: «أنا مودعة ومواطنة جئتُ للمطالبة بحقّي بعد سلسلة من الإجراءات التي طُلبت منّي من المصرف، ولكن كان هناك تهرّب ووصلنا إلى حلّ مجحف وكان ضغط لتوقيع ورقة تعسفية».
وفي السياق، تم اقتحام مصرف الاعتماد اللبناني في حارة حريك (الضاحية الجنوبية لبيروت) من قِبل مودع متقاعد في قوى الأمن الداخلي (حسين شكر) اعتصم داخله مطالباً بوديعته البالغة نحو 220 مليون ليرة.
وفي موازاة ذلك، أقدم مسلّح على إطلاق النار على بنك بيروت في جبيل، ولاذ بالفرار.
وذكرت «الوكالة الوطنية للإعلام» الرسمية أن مواطناً وصل قرابة العاشرة صباحاً إلى المصرف محاولاً دخوله من دون موعد مسبق، وعندما منعه الحرس المولج حماية المصرف، سحب من السيارة رشاشاً حربياً وأطلق النار باتجاه المصرف الذي أصيب بأربع رصاصات، ما أحدث أضراراً مادية في الزجاج، وحضرت القوى الأمنية إلى المكان وباشرت تحقيقاتها.
وشكّلت هذه أول حالة إطلاق نار على مصرف منذ بدء ظاهرة اقتحامات البنوك قبل نحو 3 أسابيع والتي تخللتْها عمليات دخول بقوة السلاح واحتجاز رهائن ولكن من دون استخدام السلاح لتحرير الودائع المحتجزة.
وترافق ذلك مع تهديد جمعية «صرخة المودعين» (تدعم التحركات ضد البنوك) رداً على بيان جمعية مصارف لبنان الذي حمّل الدولة اللبنانية المسؤولية الأولى عن الواقع المالي – المصرفي، بأنه «إما إيجاد حل لقضية المودعين والبدء بدفع قسم من الودائع من دون هيركات، وإما الاستمرار بحربنا المُعلنة ضدكم»، موضحة «علينا وعلى أعدائنا».
الراي – وسام أبوحرفوش وليندا عازار
Comments are closed.