صرف موظفين من مصارف وإعادة توزيع جغرافية في مؤسسات دولية أزمات معيشية تقلق المواطن اللبناني أكثر من الحرب الإسرائيلية
في خضم الحرب الإسرائيلية الموسعة على لبنان، تواصل مصارف ومؤسسات تجارية صرف عدد من موظفيها، على طريقة «التقاعد المبكر» للبعض، بتقديم عروض يصل متوسطها إلى منح مبلغ 15 ألف دولار كتعويض، مع «حزمة صحية» بمنح بعض المصروفين تغطية صحية تصل إلى ثلاث سنوات كحدّ أقصى (محتسبة ضمن فترة عملهم القانونية قبل إحالتهم على التقاعد)، كما حصل مع أحد موظفي مصرف لبناني معروف في بيروت.
يبتسم الموظف الذي أمضى زهاء 35 سنة في القطاع المصرفي، غالبيتها في مصرف معروف، ويقول لـ«الأنباء» «مبلغ الـ 15 ألف دولار لا يكفيني أشهرا عدة، علما ان أولادي كبروا ولا يتكلون علي. الا ان التغطية الصحية تعتبر حافزا، مع التمني بصمود المصرف والقطاع المصرفي اللبناني عموما ثلاث سنوات إضافية، في ضوء ما تمر به البلاد من أزمات مالية وضائقة اقتصادية، إلى حرب كفيلة بتقويض الاستقرار النقدي والمالي لأي بلد يعيش ظروفا طبيعية، فكيف بالنسبة إلى بلدنا؟».
في حين يختلف الأمر عند الذين يعيلون أطفالا وشبانا وصبايا على مشارف الجامعات. وهؤلاء يعانون صعوبة في إيجاد عمل جديد، في ظل الضائقة الاقتصادية التي تعصف بالبلاد. ويفتشون عن فرص عمل في الخارج وتحديدا في دول الخليج، حتى في غير مجال عملهم واختصاصهم الأكاديمي.
البعض طرق باب الهجرة، وتعتبر كندا ملاذا للباحثين عن فرص، والراغبين في تأمين تقاعد يقيهم العوز. فيما قصد آخرون أقرباء لهم في أستراليا، لمساعدتهم على تحضير ملفات قد تحملهم إلى «البلد البعيد». ويتفادى كثيرون التوجه إلى أوروبا، بسبب ارتفاع أكلاف المعيشة هناك.
توازيا، يعاني عدد من العاملين في مؤسسات دولية كبرى، بينها وكالات أعلام أجنبية معروفة، من قرار مجالس الإدارة نقل المقرات الإقليمية لهذه المؤسسات، وإعادة توزيع الموظفين على مناطق جغرافية جديدة، بينها بلدانهم الأم. هؤلاء كانوا رتبوا إقاماتهم وظروف معيشتهم في المقرات الإقليمية لمؤسساتهم، فاشتروا وحدات سكنية ومنازل كبرى (البعض منهم) بموجب قروض مصرفية، وسجلوا أولادهم في مدارس أجنبية هناك.
تختلف الظروف لدى البعض، لكن الشكوى واحدة: ضربة معيشية لا تقل ضررا على الصعيد الفردي، عما يمر بهم بلدهم الأم في شكل عام من انهيار مالي واقتصادي غير مسبوقين منذ 2019، فضلا عن ضياع الودائع في المصارف اللبنانية للغالبية منهم، شأن المقيمين في البلد من أهل وأقارب وأصدقاء.
أحد الشبان حصل على فرصة للعمل مع مؤسسة رسمية دولية، فبادر بلا تردد إلى الاستقالة من شركة مقاولات كبرى لها امتدادات إقليمية، على رغم ثبات الأخيرة في كل الأزمات التي ضربت البلاد، وقال لـ«الأنباء»: «فرص تحسين الأوضاع لنا نحن الشباب قليلة، وعلينا التقاطها والتفكير بالقادم من الأيام، ذلك ان ما يعرض علينا اليوم، قد نفتقده وقت الحاجة في الغد أو ما بعده. وقد تعلمت من تجارب آخرين في مجالات عدة».
ولا تخفي إدارات مدارس خاصة طلب أهالي التلامذة قيام المشرفين التربويين بتوجيه أولادهم نحو اختصاصات عصرية لها رواج في الخارج، أي دفع الشباب إلى الهجرة. وتقتصر المؤسسات المحلية التي تتمتع بصيت حسن وثبات للذين يستهلون مسيرتهم المهنية بعد نيل شهاداتهم الجامعية على قلة تدفع رواتب جيدة، وتقدم حوافز تغني العاملين فيها عن البحث عن عمل إضافي، أو ما بات يعرف في البلاد بـ «إكسترا جوب».
لكل فرد أو عائلة همومها في هذه الأيام الأشد قساوة في تاريخ البلاد منذ قيام دولة لبنان الكبير في الأول من سبتمبر 1920. وهناك إجماع لدى الكثيرين على ان الحلول الفردية متاحة في هذه الأزمة، ذلك ان الدولة عاجزة وتنتظر مساعدات للقيام بالحد الأدنى من الخدمات، بعيدا من وضع خطة للنهوض.
الانباء ـ ناجي شربل
Comments are closed.