منيمنة ردا على سلامة: لرؤية اقتصادية بعيدا عن استنسابية الحاكم
ظهر مؤخرًا حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في مقابلة على قناة الحرّة، صرّح خلالها بإجراءات وتفاصيل خطيرة، كان أبرزها تأكيده على صوابيّة التعامل مع الأزمة المالية الراهنة من خلال الدفع للمودعين بموجب تعاميم المصرف المركزي المجحفة والمتفرّقة، وفي ظلّ غياب قانون الكابيتال كونترول الذي يقتصر دوره لاحقًا حسب قوله على الامتثال لبرنامج صندوق النقد. كما كان مقلقًا تأكيده أنّ المصرف المركزي، بإدارته، أخذ زمام مبادرة تحضير قانون إعادة هيكلة القطاع المصرفي، ما يشير إلى أنّ هذا المسار سيكون تكرارًا ممجوجًا لتجربة تعاميم إعادة الرسملة التي أصدرها الحاكم سابقًا على مراحل.
إنّ مقابلة “الحاكم” تشكّل برأينا منعطفًا خطيرًا، لكونها تؤكّد أنّ مسار التعامل مع أزمة القطاع المالي سيبقى حتّى إشعارٍ آخر رهن إدارة حاكم مصرف لبنان وحده، بمعزلٍ عن أيّ رؤيةٍ اقتصاديّة او ماليّة شاملة، سواء في ما يخصّ طريقة السداد للمودعين وتوزيع الخسائر، أو أدوات إعادة هيكلة القطاع المصرفي.
في الوقت نفسه، لا يمكن تجاوز الإشارة إلى التشخيص المغلوط والخطير لأسباب الأزمة خلال المقابلة، التي حصرها بوقف سداد سندات اليوروبوند.
فعلى الرغم من إشكاليّة السداد في آذار 2020 بغياب خطّة موثوقة لإعادة هيكلة الدين العام، لا يمكن تغييب حقيقة أنّ القطاع المصرفي كان يعاني من أزمة السيولة قبل أشهر من هذا التاريخ، في حين كانت الدولة عاجزة عن الاقتراض من الأسواق بالعملات الأجنبيّة قبل سنوات من وقف السداد، نتيجة ارتفاع مخاطر دَينها. كما ان المصارف في تشرين الثاني 2019 تمنّعت عن الدفع ثم طبّقت إجراءات استنسابية بالدفع للمودعين وفق دفوعات شهريّة توقّفت لاحقًا، فيما تمكّن النافذون من تحويل أموالهم إلى الخارج.
ومن المعلوم أنّ صندوق النقد نفسه كان يشير قبل خمس سنوات إلى كتلة الخسائر التي كانت تتراكم في ميزانيّة مصرف لبنان، في الوقت الذي عمل فيه الحاكم على شطب هذه التحذيرات من تقارير الصندوق.
إلى ذلك، فإن تشخيص الحاكم المغلوط والخطير، سيفضي حتمًا إلى معالجات منقوصة في التعامل مع الأزمة، خصوصًا إذا كان مصدر هذا التشخيص هو الجهة التي تم تسليمها مفاتيح إدارة الأزمة.
في الخلاصة، نعيد التأكيد أن الخروج من الأزمة الراهنة لا يمكن إلاّ أن يكون من خلال خطّة تعافي شاملة تتكامل من خلالها قرارات السلطة التنفيذيّة الماليّة مع الإجراءات النقديّة والمصرفيّة التي يقوم بها مصرف لبنان، وفي ضوء خارطة طريق تستهدف إعادة هيكلة الاقتصاد اللبناني.
كما نعيد التأكيد على أن مسؤوليّة حاكم مصرف لبنان عن الجانب النقدي والمصرفي من الانهيار لا تضعه في موقع الجهة المخوّلة إدارة الأزمة، وتحديدًا في ظل التواطؤ الرسمي لحمايته من الملاحقات القضائيّة، وهو ما يجعله رهينة الحماية السياسيّة التي تمنحه إيّاها رموز المنظومة.
Comments are closed.