حقوق الإنسان: لماذا يستمر انتهاكها، ومن يحاسب من؟

ناشطون وناشطات يحتجون في تظاهرة ويحملون عدداً من اللافتات منها "حقوق الإنسان تساوي حقوقاً متساوية" و"أوقفوا العنصرية" و"القوة للفتيات"

Getty Images

لابد أنك سبق وسمعت بـ “حقوق الإنسان”، تلك الحقوق التي يجب أن يملكها أي شخص في هذا العالم، وأينما كان.

وبالتأكيد مع مشاهدة الكثير من الانتهاكات الكبيرة لهذه الحقوق في مناطق مختلفة تساءلت للحظة: كيف يحدث ذلك؟ إذن أين هي حقوق الإنسان؟ ومن يحاسب من؟

يحتفي العالم في العاشر من ديسمبر/ كانون الأول من كل عام بيوم حقوق الإنسان، إحياءً لذكرى أحد أهم التعهدات العالمية: الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948، وموضوع احتفالية عام 2024 “حقوقنا، مستقبلنا، فوراً”.

فما هو هذا الإعلان؟ وما هي أهم حقوقنا؟ ومن المسؤول عن تطبيقها؟ وكيف يُحاسب من ينتهكها؟

كيف نشأت القوانين الدولية لحقوق الإنسان؟

تُعد حقوق الإنسان في تعريفها المباشر، حقوقاً متأصلة في جميع البشر، باختلاف جنسياتهم، ومكان إقامتهم ونوعهم الاجتماعي وأصلهم الوطني والعرقي ولونهم ودينهم ولغتهم وأي وضع آخر، فكل البشر متساوون في الحصول على حقوقهم الإنسانية بدون تمييز.

أما قانونياً، فقد اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة كلاً من ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، أساساً لمجموعة القوانين التي يجب تطبيقها لضمان إنفاذ حقوق الإنسان حول العالم.

“نحن شعوب الأمم المتحدة وقد آلينا على أنفسنا أن ننقذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب التي في خلال جيل واحد جلبت على الإنسانية مرتين أحزاناً يعجز عنها الوصف” بهذه الكلمات تبدأ ديباجة ميثاق الأمم المتحدة الذي وُقع في 26 يونيو/حزيران 1945 في ختام مؤتمر الأمم المتحدة الخاص بنظام الهيئة الدولية في سان فرانسيسكو والذي أصبح نافذاً في 24 أكتوبر/تشرين الأول 1945.

أبرز مقاصد هذا الميثاق هو تنمية العلاقات الودية بين الأمم على أساس احترام المبدأ الذي يقضي بالتسوية في الحقوق بين الشعوب وبأن يكون لكل منها حق تقرير مصيرها، إلى جانب تحقيق التعاون الدولي لحل المسائل الدولية ذات الصبغة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإنسانية وعلى تعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للناس جميعاً.

أما الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فهو الوثيقة الأبرز التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في باريس في 10 ديسمبر/ كانون أول عام 1948، وصاغه ممثلون من مختلف الخلفيات القانونية والثقافية من جميع أنحاء العالم، كمعيار مشترك للإنجازات لكافة الشعوب والأمم.

حدد هذا الإعلان، لأول مرة في التاريخ، حقوق الإنسان الأساسية التي يتعين حمايتها عالمياً، وانبثق عنه العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وبروتوكوليه الاختياريين والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، كما تشكل بناءً عليه ما يُعرف بـ “الشرعة الدولية لحقوق الإنسان”.

صورة لأربعة أشخاص يقفون ويحملون لافتة كُتب عليها "كل إنسان لديه حقوق"

Getty Images
“كل إنسان لديه حقوق”

ما هي أهم حقوقي كإنسان؟

بالطبع لنا حقوق! حتى لو كنّا نظن أن الكثير منها غير مطبق، فقد صادقت جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة – أي 193 دولة – على الاتفاقيات المنبثقة عن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، أو على بعض منها على الأقل، فما هي أبرز تلك الحقوق؟

تُقسم حقوق الإنسان الأساسية الدولية لعهدين: العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، اللذان دخلا حيز التنفيذ عام 1976.

ويتضمن العهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على الحقوق الأساسية من حرية التنقل، والمساواة أمام القانون، والحق في محاكمة عادلة وافتراض البراءة، وحرية الفكر والوجدان والدين، وحرية الرأي والتعبير، والتجمع السلمي، وحرية المشاركة في الشؤون العامة والانتخابات، وحماية حقوق الأقليات، ويحظر الحرمان التعسفي من الحياة، والتعذيب والمعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، والعبودية والسخرة، والاعتقال التعسفي أو الاحتجاز، والتدخل التعسفي في الحياة الخاصة، والدعاية الحربية، والتمييز، والدعوة إلى الكراهية العنصرية أو الدينية.

أما البروتوكول الاختياري الأول من هذا العهد، فيسمح للّجنة المعنية بحقوق الإنسان باستلام والنظر بالرسائل المقدمة من الأفراد الذين يدّعون أنهم ضحايا أي انتهاك لأي حق من الحقوق المقررة في هذا العهد، ويدعو البروتوكول الاختياري الثاني إلى إلغاء عقوبة الإعدام واعتبر ذلك تقدماً في التمتع بالحق في الحياة.

فيما يسعى العهد الدولي الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية إلى تعزيز وحماية الحق في العمل في ظروف عادلة ومرضية، والحق في الحماية الاجتماعية، والحق في الرفاه الجسدي والعقلي، والتعليم والتمتع بفوائد الحرية الثقافية والتقدم العلمي.

كما أضيفت إلى هيكل القانون الدولي لحقوق الإنسان سلسلة معاهدات دولية تشمل منع ومعاقبة الإبادة الجماعية، والقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري والتمييز ضد المرأة، إلى جانب اتفاقية حقوق الطفل، واتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة.

أعضاء مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يصوّتون على مشروع قرار يدعو إلى وقف إطلاق النار في غزة، في 20 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، في مقر الأمم المتحدة في مدينة نيويورك

Getty Images
صوّت أعضاء مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على مشروع قرار يدعو إلى وقف إطلاق النار في غزة، في 20 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، في مقر الأمم المتحدة في مدينة نيويورك

من المسؤول عن تطبيق القوانين ومحاسبة من ينتهكها؟

لابُد أنّ هذا السؤال خطر في بالك وأنت تشاهد الأخبار، فأمام الكثير من الانتهاكات التي نراها، كيف يُحاسب من ينتهك حقوق الإنسان؟

يوضح الدكتور رياض الصبح، وهو مستشار في حقوق الإنسان ومؤلف كتاب “الدولة وحقوق الإنسان في الفلسفة المعاصرة”، أنّ جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة تتحمل مسؤولية تطبيق القوانين الدولية بما فيها قوانين حقوق الإنسان.

ويؤكد صبح بأن كل إنسان مسؤول بدوره عن تطبيق هذه الحقوق في محيطه، ومن مسؤولية الدولة مساءلة الفرد الذي يثبت أنه انتهك هذه الحقوق، كما عليها أن تحمي الفئات المتضررة من هذه الانتهاكات، العنف الأسري مثالاً.

أما في قضايا الحروب الأهلية فتقع على الدولة مسؤولية مسائلة من ينتهك القانون الدولي، لكن من يحاسب الدول إذا أخفقت في تطبيق حقوق الإنسان، أو ساعدت على انتهاكها؟

يقول صبح إن هناك جهات دولية يمكنها محاسبة الدول، لكنّ دور هذه الجهات “تكميلي” ولا يمكنه إلغاء دور الدولة بشكل كامل.

ويوضح صبح أنّ إلزامية قرارات الجهات الدولية المسؤولة عن محاسبة الدول تختلف باختلاف الجهة، فقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان غير مُلزمة، أما مجلس الأمن فقراراته ملزمة.

ومن الجدير بالذكر أنّ مجلس الأمن ليس معنياً بتطبيق قوانين حقوق الإنسان بشكل مباشر، ولا يتدخل في القضايا المتعلقة بحقوق الإنسان إلاّ إذا كانت الانتهاكات جسيمة لدرجة يمكن أن تهدد الأمن والسلم الدوليين.

ويستطيع مجلس الأمن بناءً على الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة التدخل عسكرياً لتطبيق قراراته على أرض الواقع، إلاً أنّ هذا التحرك عادةً ما يتم تجنبه من خلال الدول التي تملك حق النقض “الفيتو”.

ويشير صبح إلى أن القوانين الدولية تقسم إلى قسمين: الأول هو وضع المفاهيم والمعايير القانونية، والثاني أدوات المساءلة والتطبيق، وهو “القسم الذي تكمن فيه المشكلة”، مضيفاً أنه لولا وجود المعايير التي وضعتها المعايير المتحدة لا يمكن محاسبة من يرتكب جرائم وانتهاكات بحق الإنسانية.

لذلك، بوجود هذه المعايير فالكثير من الدول “تحاول أن تكون حذرة بانتهاكاتها، أو تحاول أن تُخفي أو تنكر انتهاكات القانون الدولي، الأمر الذي يحدُ من هذه الممارسات بطبيعة الحال، كما أنّ هذه المعايير تزيد من ردود الفعل الأخلاقية من الدول الأخرى تجاه الدول التي تنتهك حقوق الإنسان وتصبح هذه المعايير من العوامل التي تؤثر على العلاقات بين الدول” بحسب صبح.

وأخيراً، يُذّكر صُبح بأنّ الغرض من الاحتفال باليوم العالمي لحقوق الإنسان هو “تذكير الدول بالتزاماتها في هذا المجال وليس الاحتفال بكلمات طيبة فيما يتم انتهاك حقوق الإنسان في الواقع”.

Powered by WPeMatico

مسؤلية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.

Comments are closed.