ماذا تخبرنا الهجمات الإسرائيلية الأخيرة عن خطوة نتنياهو المقبلة؟

نتنياهو وبايدن

Reuters

يشرف توغل إسرائيل براً في الأراضي اللبنانية دخول أسبوعه الثالث بينما تدخل الحرب في غزة عامها الثاني.

وتعلو الدعوات لوقف إطلاق النار في أعقاب الغارة الجوية التي شنتها إسرائيل على بيروت ليلة الخميس، وإصابة قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في جنوب لبنان (اليونيفيل) يوم الجمعة، ولليوم الثاني على التوالي، بنيران الجيش الإسرائيلي.

كما تجري عمليات هجومية في جباليا، شمالي غزة، على الرغم من الدعوات الملحة على إنهاء النزاع هناك. وبينما تستعد إسرائيل للرد على هجمات الأسبوع الماضي الإيرانية ، فإن حلفاءها يحثونها على “ضبط النفس”.

ولكن إسرائيل ماضية في طريقها رغم الضغوط، بسبب ثلاثة عوامل: السابع من أكتوبر تشرين الأول وبنيامين نتنياهو والولايات المتحدة.

في يناير/كانون الثاني من عام 2020، هبط الجنرال الإيراني قاسم سليماني في مطار بغداد من دمشق في رحلة ليلية. وكان سليماني رئيساً لفيلق القدس الإيراني، وهي وحدة سرية نخبوية تابعة للحرس الثوري الإيراني متخصصة في العمليات الخارجية.

تشرف المجموعة على تسليح وتدريب وتمويل وتوجيه الجماعات الموالية لإيران في العراق ولبنان والأراضي الفلسطينية، وغيرها من البلدان. وربما كان سليماني وقتها ثاني أقوى رجل في إيران، بعد المرشد الأعلى، آية الله علي خامنئي.

بمجرد خروج موكب سليماني من المطار، تم اعتراضه بصاروخ أطلقته طائرة مسيرة قتلته على الفور.

ورغم أن إسرائيل قدمت معلومات استخباراتية للمساعدة في تحديد موقع “عدوها اللدود”، فإن الطائرة المسيّرة كانت تابعة للولايات المتحدة. وكان أمر الاغتيال قد صدر عن الرئيس الأميركي آنذاك دونالد ترمب، وليس رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

وفي إشارة إلى اغتيال سليماني، قال الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، في خطاب: “لن أنسى أن نتنياهو خذلنا”. وقال في حوار لاحق إنه كان يتوقع من إسرائيل “دوراً أكبر” في الهجوم، وأضاف لائماً: “إسرائيل تريد أن تقاتل إيران حتى آخر جندي أمريكي”.

في حين أن رواية ترامب للأحداث محل نزاع، كان يُعتقد في ذلك الوقت أن نتنياهو، الذي أشاد بعملية الاغتيال، كان قلقاً من أن التدخل الإسرائيلي المباشر قد يؤدي إلى هجوم واسع النطاق ضد إسرائيل، إما من إيران مباشرة، أو من وكلائها في لبنان والأراضي الفلسطينية.

كانت إسرائيل تخوض حرباً خفية مع إيران، لكن كل جانب كان حريصاً على إبقاء القتال ضمن حدود معينة، خوفاً من استفزاز الجانب الآخر وتصعيد الوضع إلى “صراع أوسع نطاقاً”.

وبعد أربعة أعوام، في أبريل نيسان من العام الجاري، أمر نتنياهو نفسه مقاتلات إسرائيلية بقصف بناية في مجمع دبلوماسي إيراني، فقتلت جنرالين إيرانيين اثنين، وآخرين معهما.

إمرأة تحمل صورة الأمين العام السابق لحزب الله حسن نصرالله

Reuters

وفي يوليو تموز من العام الحالي، أعطى رئيس الوزراء الإسرائيلي الضوء الأخضر باغتيال القائد العسكري في حزب الله فؤاد شكر في غارة جوية على بيروت.

ثم في يوليو/تموز، أذن رئيس الوزراء الإسرائيلي باغتيال فؤاد شكر، القائد العسكري الأعلى لحزب الله، في غارة جوية على بيروت.

وبحسب ما ورد، كان رد فعل الرئيس الأمريكي الحالي هو انتقاد نتنياهو، وفقاً لكتاب جديد لبوب وودوارد، الذي يزعم أن الرئيس جو بايدن كان “مذهولاً” من استعداد رئيس الوزراء الإسرائيلي لتصعيد صراع كان البيت الأبيض يحاول إنهاءه منذ أشهر.

ويقال إن الرئيس بايدن قال حينها: “كما تعلمون، فإن تصور إسرائيل في جميع أنحاء العالم بشكل متزايد هو أنك دولة عابرة”.

ثم انتقد خليفته رئيس الوزراء نفسه، الذي وصفه أحد رؤساء الولايات المتحدة بأنه شديد الحذر، لأنه كان “عدوانياً للغاية”.

ما يفصل بين الحادثتين هو بالطبع السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 – اليوم الأكثر دموية في تاريخ إسرائيل والفشل السياسي والعسكري والاستخباراتي ذي الأبعاد الكارثية. لكن ما يجمع بينهما هو تحدي نتنياهو لإرادة الولايات المتحدة.

ويساعدنا هذان العاملان في فهم الطريقة التي تواصل بها إسرائيل إدارة الحرب الحالية.

فقد انتهت الحروب الأخيرة التي خاضتها إسرائيل بعد بضعة أسابيع، وذلك بعد أن تزايدت الضغوط الدولية إلى الحد الذي دفع الولايات المتحدة إلى الإصرار على وقف إطلاق النار.

إن ضراوة وحجم الهجوم الذي شنته حماس على إسرائيل، وتأثيره على المجتمع الإسرائيلي وشعوره بالأمان، يعني أن هذه كلها مؤشرات على أن هذه الحرب مختلفة عن جميع النزاعات الأخرى.

وبالنسبة للإدارة الأميركية التي تضخ مليارات الدولارات من الأسلحة إلى إسرائيل، فإن مقتل المدنيين الفلسطينيين ومعاناتهم في غزة أمر “مزعج” للغاية، ومضر سياسياً بالإدارة الأمريكية. وبالنسبة لمنتقدي واشنطن في المنطقة، فإن العجز الواضح للقوة العظمى عندما يتعلق الأمر بالتأثير على أكبر متلق للمساعدات الأميركية أمر محيّر فعلاً.

وحتى عندما كانت المقاتلات الأمريكية، في أبريل نيسان الماضي، تتصدى للهجمات الإيرانية على إسرائيل، وهو ما يؤكد أن أمنها مرهون بالمساعدة الأمريكية، فإن إسرائيل واصلت تحديها لمحاولات تغيير مسار الحرب.

وفي الصيف، قررت إسرائيل تصعيد النزاع مع حزب الله، دون السعي للحصول على موافقة الولايات المتحدة.

وتعلم نتنياهو من تجربة امتدت 20 سنة رئيساً لوزراء إسرائيل أنه يستطيع تحمل الضغوط الأمريكية، أو تجاهلها تماماً. فنتنياهو يعرف أن الولايات المتحدة لا يمكنها، في سنة الانتخابات الرئاسية، أن تتخذ إجراءات ترغمها على تغيير مسارها (وتعتقد أنها تقاتل أعداء الولايات المتحدة أيضاً).

“حسابات أخرى”

صواريخ تسقط في إسرائيل من لبنان

Reuters
صواريخ تسقط في إسرائيل من الأراضي اللبنانية

عندما يتعلق الأمر بالتصعيد الأخير، فمن الخطأ أن نفترض أن نتنياهو يعمل خارج التيار السياسي السائد في إسرائيل. بل إن الضغوط عليه تتلخص في أن يكون أكثر صرامة في توجيه الضربات ضد حزب الله، بالإضافة إلى ضربات ضد إيران.

فعندما اقترحت الولايات المتحدة وفرنسا، في سبتمبر أيلول الماضي، وقفاً لإطلاق النار في لبنان، جاءت الانتقادات من المعارضة الإسرائيلية. فقد رفضته أحزاب اليسار في إسرائيل كما أحزاب اليمين.

فإسرائيل مصرة على مواصلة حروبها الآن، ليس لأنها تشعر بقدرتها على الصمود أمام الضغوط الدولية، بل لأن مستوى تحملها للتهديدات التي تواجهها قد تغيّر أيضاً منذ السابع من أكتوبر تشرين الأول.

عبّر حزب الله على مرور السنوات عن رغبته في “الزحف إلى الجليل”، شمالي إسرائيل. اليوم، وقد شاهد الإسرائيليون بأعينهم، المسلحين وهم يقتحمون البيوت، فإن هذا التهديد لا يمكن احتواؤه، بل لابد من إزالته.

وتغير مفهوم إسرائيل للمخاطر أيضا. فقد تلاشت مفاهيم “الخطوط العسكرية الحمراء” في المنطقة. ووقعت العديد من الأحداث خلال العام الماضي التي كانت – لوقت قريب – ستؤدي إلى اندلاع حرب شاملة، وسقوط سيول من القنابل والصواريخ على طهران وبيروت وتل أبيب والقدس.

فقد اغتالت إسرائيل زعيم حماس بينما كان ضيفا عند الإيرانيين في طهران. وقتلت العديد من قادة حزب الله، بمن فيهم الأمين العام السابق للحزب، حسن نصر الله. واغتالت مسؤولين إيرانيين من المستوى الأول في مباني دبلوماسية في سوريا.

وأطلق حزب الله أكثر من 9 آلاف صاروخ وقذيفة وطائرة مسيرة على المدن الإسرائيلية، من بينها صواريخ باليستية على تل أبيب. وأطلق الحوثيون في اليمن أيضاً صواريخ على المدن الإسرائيلية اعترضتها الدفاعات الإسرائيلية في سماء وسط إسرائيل.

وشنّت إيران هجمات على إسرائيل مرتين خلال ستة أشهر الماضية، استعملت فيها أكثر من 500 طائرة مسيّرة وصاروخ.

واجتاحت إسرائيل لبنان.

إن أياً من هذه السيناريوهات كان ليتسبب في اندلاع حرب إقليمية في الماضي. ولكن، عدم حدوث ذلك من شأنه أن يغيّر الطريقة التي يتخذ بها رئيس الوزراء الإسرائيلي – الحذر عادة والمتجنب للمجازفة – قراره بشأن خطوته التالية.

مسؤلية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.

Comments are closed.