كأس العالم 2022: تقرير حقوقي ينتقد أوضاع العاملين الأجانب في قطر
بمناسبة مرور 6 أشهر على انتهاء كأس العالم 2022 في قطر، نشر مرصد الأعمال وحقوق الإنسان تقريرا يتناول أوضاع العاملين الأجانب هناك، في فترتي ما قبل وخلال كأس العالم.
التقرير جاء نتيجة 78 مقابلة أجريت مع عاملين أجانب من جنسيات مختلفة: الهند، باكستان، نيبال، أوغندا، كينيا وبنغلادش.
المقابلات تمّت عبر محقّقين استقصائيين زاروا العمّال في بلدانهم الأم وأيضا في قطر. وخلص التقرير إلى وجود ممارسات توظيف “استغلالية” تحدّث عنها العمال، الذين تمت مقابلتهم إضافة إلى ظروف عمل صعبة لاسيما مع أرباب العمل.
التقرير دعا للاتحاد الدولي لكرة القدم “فيفا” إلى إعطاء إجابات جدّية عن وضع العمال المهاجرين، وعن “الانتهاكات المقلقة” لحقوقهم.
“الاستغلال يبدأ من البلد الأم”
بحسب معظم الشهادات التي تم جمعها خلال المقابلات، فإن الاستغلال يبدأ في البلد الأم حيث يدفع العامل الراغب بالسفر إلى قطر والعمل هناك مبالغ طائلة، يُضطر إلى اقتراضها من البنوك أو الأقارب أو الأصدقاء، ومن ثم يدفع فوائد مرتفعة مقابل هذا القرض.
93 في المئة ممن تمت مقابلتهم دفعوا مبالغ غير قانونية، أو تعرّضوا للابتزاز في بلدهم الأم للحصول على عمل في قطر، وثلث هذا العدد أصبح مدينا سواء للبنوك أو الأسرة والأصدقاء لتغطية كلفة السفر والحصول على عقد عمل.
جميع العمال الـ 78 الذين تمت مقابلتهم تعرّضوا للاستغلال في العمل خلال كأس العالم، بمن في ذلك 20 موظفا من قبل مقاولين رسميين لكأس العالم في قطر، و17 عملوا في ملاعب كأس العالم وغيرها من أماكن تابعة للاتحاد الدولي لكرة القدم خلال البطولة.
وتتفاوت أشكال الاستغلال بدءا من سرقة الأجور، مرورا بعدم الحصول على أجر الساعات الإضافية وعقود مختلفة عن تلك التي وُعِدوا بها أصلا، وصولا إلى تقاضي أجور أقل مما هو متفق عليه، وهو ما وضع هؤلاء العمّال في ضوائق مالية تفاقم من الديون التي تكبّدوها للحصول على عمل.
ويشير التقرير إلى أنه على رغم الإصلاحات الرئيسية لقانون العمل في قطر قبل كأس العالم، بما في ذلك إلغاء نظام الكفالة، إلا أن التنفيذ كان غير متسق وظلّت الإصلاحات الموعودة للعمّال المهاجرين قليلة.
بعض العمّال قالوا إنهم لم يتمكنوا من تغيير وظائفهم بحرية، وآخرون أفادوا بأنهم لم يتمكنوا من رفع شكاوى خوفا من انتقام أرباب عملهم. وبحسب التقرير، 43 في المئة ممن رفعوا شكاوى تعرّضوا للانتقام من أرباب عملهم، وتجلّى ذلك بإنهاء عقود عملهم أو احتجازهم أو حتى ترحيلهم.
أنيش وهو عامل بناء نيبالي، قال في إحدى الشهادات إنه وزملاءه قدّموا اعتراضا وشكوى. وبعد أن جاء فريق التفتيش، قال لهم ربّ العمل إنه سيعاقبهم وسيرّحلهم في حال كرّروا فعلتهم، فانتهى بهم الأمر بالصمت وعدم الشكوى مجددا.
مصطفى قادري من مجموعة “إيكويديم”، التي ساهمت في إجراء المقابلات مع العمّال الأجانب، قال إن بعض العمّال تعرّضوا إلى التهديد بأن يتم إبلاغ السلطات القطرية عنهم، واتهامهم بأنهم قاموا بالسرقة أو حاولوا الهرب، في حال تذمّروا من أوضاعهم أو طالبوا بالحصول على مستحقاتهم.
أحد الطباخين وهو نيبالي الجنسية قال: “عندما سجّلت الشكاوى في محكمة العمل لطلب تغيير صاحب العمل، لم يحدث شيء. قال لي مديري إن مأمور محكمة العمل هو صديقه، وبالتالي لا يمكنني فعل شيء!”
إيزوبيل آرتشر وهي باحثة في مرصد الأعمال وحقوق الإنسان قالت، في مقابلة مع بي بي سي نيوز عربي، إن “الفيفا” فشل في التزاماته المتعلقة بتحسين حقوق العمال المهاجرين، في ظلّ ما قدّمه البعض من تفاصيل مؤلمة عن تجاربه اليومية.
وأضافت آرتشر: “حقق الفيفا رقما قياسيا بلغ 7.5 مليار دولار أمريكي من كأس العالم، في وقت لم يتمكّن العديد من العمال المهاجرين – الذين عملوا لإنجاح البطولة – من كسب ما يكفي من المال حتى لسداد الديون التي تكبّدوها للحصول على وظائفهم”.
واعتبرت المسؤولة الحقوقية أنه لا يمكن أن يكون هناك عذر للشركات، التي استفادت من استغلال العمالة الوافدة، معتبرة أنه على الرغم من الإصلاحات القطرية الموعودة، خذلت الشركات الأجنبية والقطرية القوى العاملة المهاجرة التي تعتمد عليها.
قطر ترد على التقرير
يشير موقع اللجنة العليا للمشاريع والإرث في قطر، وهي الجهة المعنية بتنظيم كأس العالم، على الإنترنت إلى أن قطر استعانت بنحو 30 ألف عامل أجنبي، من أجل إنجاز كلّ ما هو متعلّق بمباريات كأس العالم التي احتضنتها الدوحة في الفترة من 20 نوفمبر/ تشرين الثاني إلى 18 ديسمبر/ كانون الأول 2022.
موضوع “انتهاكات حقوق العمّال الأجانب” موضوع استبق مباريات كأس العالم، ورافقها حتى اليوم الأخير للمباريات. فمنذ عام 2010 – تاريخ إعلان فوز قطر باستضافة مباريات كأس العالم لعام 2022 – ظلّ هذا الموضوع الشغل الشاغل للجمعيات الحقوقية ولاسيما تلك التي تعنى بحقوق الأقليات والعمال المهاجرين، خاصة بعد تداول أخبار وفاة بعض العمّال الأجانب هناك، بسبب سوء المعاملة أو الحرّ الشديد أو السلامة العامة، إضافة إلى انتقادات طالت مسائل إدارية تتعلق بتأخّر أو عدم صرف الأجور، أو فرض رسوم على العمّال الراغبين بتغيير وظائفهم.
وكانت قطر التي أقرّت إصلاحات في نظام العمل، مضطرة للتوضيح في كلّ مرة تواجه فيها انتقادات تتعلق بملف حقوق العمّال الأجانب.
هذه المرة، ردتّ اللجنة العليا للمشاريع والإرث على التقرير الذي نشره مرصد الأعمال وحقوق الإنسان، فأشارت في بيان مكتوب إلى أنها تراقب باستمرار امتثال الشركات لمتطلبات معايير حماية العمّال وقانون العمل القطري، مؤكدة أن لديها تدابير جدّية لتصحيح أي مخالفات.
وأكد بيان اللجنة أنها وضعت بين أيدي العمّال خطا ساخنا مخصّصا للشكاوى، يمكّنهم عبره الإبلاغ عن الخروقات ورفع الشكاوى بسرية تامة ومن دون الكشف عن هوياتهم. هذا الخط متاح على مدار الساعة ومتوفر بعشر لغات.
وفي هذا السياق، أكد البيان أن اللجنة تلقّت أكثر من 1200 شكوى في الفترة التي سبقت البطولة وأثناءها، وأنه تم التعامل مع أكثر من 95 في المئة منها.
وبحسب اللجنة، قام 28 مفتشا متخصصا في مجال حقوق العمّال بزيارة مواقع عمل عدة. وتمت مقابلة ما مجموعه 8086 عاملا لتقييم امتثال المقاولين لقانون العمل القطري.
ولفت البيان الصادر عن اللجنة العليا للمشاريع والإرث إلى أنه تم اتخاذ الإجراءات المناسبة، بحق المقاولين المتورطين في مخالفات، بالتعاون مع السلطات الحكومية. من بين هذه الإجراءات:
- تحميل المقاول تكاليف المخالفات.
- تقديم بلاغ إلى وزارة العمل يطلب معاقبة المقاول.
- وضع المقاول على القائمة السوداء أو على قائمة المراقبة.
- إنهاء عقد المقاول.
وفيما يتعلّق برسوم التوظيف والديون التي تكبّدها بعض العمّال لتأمين عقد عمل في قطر، أكدت اللجنة أن قانون العمل القطري يمنع بشكل صارم فرض رسوم توظيف على العمّال.
وشرحت اللجنة أنه يُطلب عادة من مقاولي اللجنة العليا استخدام وكالات التوظيف، المرخّصة من قبل وزارة العمل القطرية، وتضمين بنود التوظيف الأخلاقية في اتفاقيات الوكالات الخاصة بهم، حتى لا يتم تحميل العمّال أي أعباء بشكل غير قانوني.
أما فيما يخص الحق في تغيير ربّ العمل، فقد أكدت اللجنة أنه اعتبارا من مارس/ آذار 2021، لم يعد العمّال بحاجة إلى تصاريح خروج أو شهادة عدم ممانعة لتغيير الوظيفة. لكن يتحتّم عليهم قبل الانتقال إلى عمل جديد، الالتزام بفترة إخطار وتقديم جميع الوثائق ذات الصلة (مثل خطاب استقالة موقّع، عرض عمل جديد) إلى وزارة العمل للموافقة عليها.
الفيفا ردّ أيضا
تواصل مرصد الأعمال وحقوق الإنسان مع الاتحاد الدولي لكرة القدم للتعليق.
وردّ الفيفا في بيان مكتوب أكد فيه أن المسؤولية الأساسية لتصحيح الآثار السلبية المحتملة على العمال تقع على عاتق الشركات المعنية، وكذلك السلطات القطرية.
وأضاف البيان: “وفقا لمنظمة العمل الدولية، إصلاحات العمل في قطر كانت كبيرة واستفاد منها مئات الآلاف من العمّال، حيث كان كأس العالم حافزا مهما لهذه الإصلاحات”.
وتابع البيان أنه لا يمكن إنكار حدوث تقدّم كبير، مع العلم بأن تنفيذ مثل هذه الإصلاحات يستغرق وقتا، وأن هناك حاجة إلى بذل جهود مكثفة لضمان أن تعود هذه الإصلاحات بالفائدة على جميع العمّال في البلاد.
وفيما يتعلق بآلية رفع الشكاوى، أكد الفيفا أن أصحاب الحقوق قد تم اطلاعهم على هذه الآلية من خلال قنوات مختلفة ومنها: الدورات التدريبية، جلسات التوعية مع منظمات المجتمع المدني، المعلومات المرسلة إلى حاملي التذاكر عبر البريد الإلكتروني، تطبيق نادي المعجبين، وأيضا من خلال السفارات والبيانات الصحفية والمعلومات المتوفّرة على موقع FIFA.com.
وفيما يخص الجهة المنوطة بتلقي الشكاوى، أكّد الاتحاد الدولي لكرة القدم أن المنصة الأساسية للإبلاغ عن مشكلات العمل كانت الخط الساخن لشكاوى رعاية العمّال، على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع، والذي تديره إدارة رعاية العمّال التابعة للجنة العليا للمشاريع والإرث.
وختاما، أشار بيان الاتحاد إلى أنه يَجري التحقّق حاليا من قِبل طرف ثالث ـ وهي جهة تقييمية ـ من معلومات تفصيلية حول آلية التظلّمات الخاصة بحقوق الإنسان FIFA Human Rights Grievance Mechanism ، بما في ذلك عدد الشكاوى التي تم تلقيها وإغلاقها، وأمثلة على الموضوعات التي أثيرت، على أن يتم نشرها في الوقت المناسب.
Comments are closed.