اشتباكات السودان: مستشفيات دارفور تدق ناقوس الخطر
مر نحو شهرين على بدء الاشتباكات في السودان بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع شبه العسكرية، ليكشف تقرير للجنة الطبية لحركة العدل والمساواة في مدينة الجنينة، عاصمة ولاية غرب دارفور، عن وضع مأساوي للقطاع الصحي بسبب القتال الدائر، فقد أكد التقرير وفاة جميع مرضى غسيل الكلى في الجنينة، وأن جميع المستشفيات والمراكز الصحية خرجت عن الخدمة بالإضافة إلى عدم وجود أسطوانات الأوكسجين والدم للمرضى.
توسعت رقعة القتال في السودان، الذي خلف مئات القتلى والجرحى، إلى المستشفيات والمراكز الصحية في إقليم دارفور والولايات المجاورة له، وسط تفاقم الوضع الانساني هناك.
وأعلن وزير الصحة بولاية شرق دارفور الشفيع برار عن وفاة ستة أطفال حديثي الولادة بمستشفى الضعين نتيجة لضعف الإمدادات.
من بين المستشفيات المستهدفة مؤخراً، مستشفى الجنينة التعليمية، قال لي أحد الأطباء فيها فضّل عدم ذكر اسمه: “تواصلنا في الأيام الأولى من بدء الهجوم على المستشفيات هنا مع الشباب الذين كانوا موجودين في أحداث الهجوم على مستشفى الجنينة. حصل التخريب للمستشفى حينها. دمّروا كل المستشفى وكل الأقسام حتى قسم العمليات ومخازن الأدوية. كل الأشياء هذه حصل فيها تخريب وكان هناك أشخاص يخربون بشكل متعمد أو منظّم. قاموا بتخريب الأدوية والمحاليل الوريدية بإلقائها على الأرض، وللأسف هذا يعني أنه لن يستفيد منها أي أحد”.
ويضيف الطبيب قائلاً: “ما يعقد الوضع الصحي هو خروج الكوادر من الولاية لعلاج مواطنين فروا إلى مستشفيات في ولايات أخرى، لذا نعتقد أن عدد الأطباء بالمقارنة مع الحالات الموجود غير كاف”.
“كانوا مواطنين عاديين… نهبوا كل شيء“
وأضاف المصدر الطبي، الذي طلب أن يكون مجهول الهوية، قائلاً: “في بعض مستشفيات المدينة، هجمت جماعات مدنية، كما يقال، لإزالة الأجهزة وسرقتها أو حتى سرقة ما تبقى منها. ودمرت بقايا الأجهزة وأتلفت ملابس الأطباء. كانوا مواطنين عاديين. نهبوا كل شيء. أمر مضحك مبكي فعلاً”.
“كان الحصار على كل المداخل، ولم يستطع أحد أن يتحرك”
في اليوم الثالث، بعد أحداث الهجوم على المستشفيات، الموافق للخامس والعشرين من مايو/أيار خرج المستشفى الرئيسي في مدينة الجنينة من الخدمة وأصبح مهجوراً ولم يستطع أحد وصوله، حتى المستشفيات الخاصة مثل مستشفى الرحمة ومستشفى الشاكرين ومجمع السلطان الطبي خرجت أيضا من الخدمة كونها جميعها تقع في مناطق القتال، كما يروى الطبيب.
منذ بدء القتال في السودان، كانت المراكز الصحية الصغيرة تعمل وتجري بعض الفحوصات وتوفر إمدادات طبية، تحت حماية بعض الشبان في الأحياء بالتعاون مع الكوادر الطبية من القاطنين في ذات الحي. فكان الأكثر تضرراً المرضى الذين كانوا بحاجة لعمليات جراحية دقيقة مثل حالات جراحة العظام أو أي عملية جراحية تحتاج كادراً طبياً كاملاً. فكان يتم إجراء العمليات البسيطة فقط في المراكز الصغيرة”.
يقول الطبيب إن عمليات غسيل الكلى كانت تتم خلال هذه الفترة في مراكز صحية موثوقة مثل السلاح الطبي، أو مركز طبي بجواره، إلا أن العائق كان دائماً صعوبة الحركة بسبب الوضع الأمني في الولاية. ويضيف أن أحد أكبر المشاكل كان عدم إمكانية إيصال مياه نظيفة ونقية لوحدة تنقية المياه في المستشفى.
يروي أنه في الخامس والعشرين من مايو أيار الماضي، تم تشغيل قسم غسيل الكلى في مستشفى الجنينة التعليمية لإجراء عمليات لثلاثة أشخاص، وبعد ذلك أصبحت الحركة في المدينة وحول المستشفى شبه مستحيلة وسط الأحياء لأن معظم الناس قد تسلحوا والقناصون انتشرت في الأزقة وأصبح الجميع مستهدفاً، حتى المارين عبر الطريق.
“الوفيات في قسم غسيل الكلى هو ليس بالأمر المفاجئ أو الغريب. كما نتوقع ذلك لكن ليس لدينا أي معلومة مؤكدة عن عدد الوفيات. قمت بالتواصل مع المهندس المسؤول عن القسم في المستشفى لمحاولة إيجاد خطة بديلة لتأمين المرضى والأجهزة في مكان آمن نوعاً ما. لكن شبكة الاتصالات انقطعت ولم نستطع التواصل مع المستشفى أو الولايات الأخرى مثل نيالا، لكن علمنا بوصول بعض المرضى هناك بالرغم من صعوبة وخطورة الطريق”.
وبحسب مصدر طبي في مستشفى الجنينة، فإن الأخبار المتداولة تؤكد وقوع عدد من الوفيات في قسم غسيل الكلى في مدينة الجنينة.
يقول الدكتور محمد إدريس، نائب رئيس اللجنة التمهيدية لنقابة أطباء السودان، لـبي بي سي: “الوضع كارثي في دارفور بصورة عامة. ومدينة الجنينة، وهي عاصمة ولاية جنوب دارفور، هناك انقطاع تام لكل الشبكات ولا توجد معلومات دقيقة وتأتي الأخبار من المسافرين ومن يمر عبر مدينة الجنينة ومن اللاجئين عبر المدن. تأتي المعلومات من هنا وهناك. وبسبب الاشتباكات في مدينة الجنينة، تم تدمير كل المستشفيات بشكل كامل من نهب وحرق وإتلاف. وكذلك حصل في مدينة زالينجي ومدينة نيالا جنوب غرب دارفور”.
“ليس هناك أي مستشفى يعمل الآن، فتتم معالجة المرضى في البيوت حالياً. وفي بعض المدن مثل الجنينة وزالينجي ونيالا، تمت سرقة وتدمير كل مخازن الأدوية. لا يوجد أي دواء متوفر في هذه الولايات. في دارفور، الإمداد الطبي والدوائي مقطوع تماماً من الخارج مثل ولاية البحر الأحمر إلى دارفور. هناك انقطاع شامل لإيصال كل الأدوية. تم إتلاف كل ثلاجات الأدوية في المدينة”.
يصف إدريس المشهد قائلاً: “تم تدمير 13 حياً من جملة 24 حياً ونزح سكانهم من مدينة الجنينة. بالنسبة للوضع الذي وصلنا إليه الآن نحن في صدى نفاد الكميات البسيطة من الأدوية الموجودة في المستشفيات. تم أخبارنا بنفاد أكياس الدم في مستشفيات نيالا وهذا أيضاً وضع كارثي جدا له تبعات أخرى والمزيد من الوفيات للمرضى. الوضع في دارفور بشكل عام يحتاج إلى إنزال دوائي، فالطرق كلها الآن معرّضة لعمليات سرقة ويصعب وصول الأدوية”.
تشير التقارير الواردة من الجنينة إلى أن المدينة تشهد حصاراً أمنياً من كل الجهات وباتت مهددة بالعطش بعد انقطاع الكهرباء والمياه والاتصالات الهاتفية وصعوبة إيصال المساعدات الطبية أو الغذائية.
من جهتها، نددت الهيئة النقابية لأطباء ولاية غرب دارفور بالأحداث في مدينة الجنينة وذلك في بيان أُرسل لـ بي بي سي قالت فيه: “تتعرض مدينة الجنينة لموجة جديدة من الهجمات، في ظل وضع إنساني وأمني كارثي فقد انهارت الخدمات منذ بداية شهر مايو/أيار ولم يعد في المدينة التي يسكنها نحو مليون شخص اي من أسباب (دوافع) الحياة، لا غذاء ولا ماء ولا دواء ولا حتى اتصالات يوصلون من خلالها صوتهم للعالم، بعد أن فقد الناس كل ما يملكون وتخلى عنهم العالم وحرموا حتى من فرصة الخروج الآمن، إذ صار إمكانية اللجوء من الجنينة رفاهية لا يجدها إلا القلة”. وفي البيان ذكرت الهيئة التالي: “تتعذر إمكانية تقدير الخسائر المادية والبشرية في ظل تعدد أسباب الموت بالقتل المباشر في المعارك إلى القنص واستهداف منازل النشطاء والصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان. فضلاً عن الموت بسبب الجوع والمرض والاصابات وموت الأمهات بمضاعفات الولادة، إضافة إلى الحرق والنهب والاتلاف لكل الممتلكات والمنازل والمخيمات. الحقيقة المرة أن الجنينة الآن تعتبر جحيم العالم الحقيقي، فلا مكان في هذا الكون أسوأ حالاً منها”.
وفي فيديو تلقت بي بي سي نسخة منه، قالت مجموعة من الأطباء إنها تنظم مبادرة من كل الفعاليات الشعبية لتفتتح بعض المراكز الصحية في محاولة لإنعاش القطاع الصحي وإنقاذ أرواح سكان الإقليم، خصوصاً للحالات المستعصية، يقول أحد الأطباء في الفيديو إنه تم التنسيق مع السلاح الطبي (القوات المسلحة) لإجراء العمليات رغم وجود تحديات كنقص الأدوية والتسيير في الطرق والتواصل مع المراكز الصحية الأخرى بسبب انقطاع شبكات الاتصال في البلاد.
وثقت تقارير أممية وقوع عشرات الحوادث في الجنينة ولا سيما جرائم القتل والاعتقالات وحالات الاختفاء والهجمات على المستشفيات والعنف الجنسي وغيرها من الانتهاكات الجسيمة ضد الأطفال التي ارتكبتها أطراف النزاع.
في مايو أيار، تم الإبلاغ عن أكثر من 750 حالة وفاة منذ بدء المعارك، وفقاً لمؤسستي “مواقع النزاع المسلح” و “مشروع بيانات”.
ورصدت الأمم المتحدة الشهر الماضي أن الصراع تسبب في فرار 200 ألف شخص من البلاد، ما رفع العدد الإجمالي للنازحين السودانيين إلى ما يقرب من مليون حتى الآن.
Comments are closed.