من هو المعارض الغامبي الذي تصدى لاستبداد الحاكم وغير التاريخ؟
ضمن سلسلة “رسائل من صحفيين أفارقة”، كتب الصحفي السيراليوني-الغامبي أدي دارامي المقال التالي إحياء لذكرى رجل يمكن القول بأن وفاته قبل قرابة سبع سنوات أدت إلى تغيير التاريخ في غامبيا.
لا يمكن وضع إبريما سولو ساندينغ داخل القالب التقليدي لشخصيات أفريقية ناضلت في سبيل الحرية. فساندينغ ليس أميلكار كابرال، محرر غينيا بيساو والرأس الأخضر، أو توماس سانكارا المناضل الثوري الذي حارب الاستعمار في بوركينا فاسو – واللذين لقي كل منهما حتفه قبل استكمال مسيرة كفاحهما.
لكن بوصفه سياسيا معارضا في غامبيا، تصدى ساندينغ للاستبداد في وقت لم يكن كثيرون يجرؤون فيه على أن يفعلوا ذلك. خلال الأسبوع المنصرم، وبعد مرور نحو سبع سنوات على مقتله، تم تكريم ساندينغ من خلال تنظيم جنازة رسمية له.
المعركة التي خاضها ساندينغ كانت ضد قوانين الانتخاب في تلك الدولة الصغيرة الواقعة في منطقة جنوب غرب أفريقيا. تلك القوانين كانت مصممة لتكريس القمع والظلم، والسماح لرئيس البلاد آنذاك يحي جامع بالبقاء في السلطة إلى أجل غير مسمى. كان جامع قد تولى رئاسة البلاد للمرة الأولى في غامبيا في أعقاب انقلاب عام 1994.
وشعر ساندينغ بالغضب بسبب ارتفاع رسوم الترشح لمنصب الرئاسة من 10 آلاف دالاسي غيني (161 دولار أمريكي) إلى 500 ألف دالاسي (8050 دولار أمريكي).
فضلا عن ذلك، كان يسمح للمرشحين المعارضين بحملة انتخابية تستمر أسبوعين فقط يظهرون خلالها في وسائل الإعلام الوطنية، في حين كانت هناك تغطية شاملة مكثفة لجميع الجولات الانتخابية التي يقوم بها الرئيس في مختلف أنحاء البلاد للقاء الناخبين.
في أبريل/نيسان عام 2016، تزعم ساندينغ البالغ من العمر 57 عاما آنذاك مسيرة تطالب بالتغيير، ولم يكن مسلحا بشيء سوى مكبر للصوت.
ولكن على مرأى ومسمع من الحضور، وعدسات كاميرات الهواتف التي التقطت ما حدث، اعتُقل ساندينغ هو وبعض المشاركين في المسيرة وزج بهم داخل إحدى الحافلات.
ثم سرعان ما انتشرت أنباء أشارت إلى أنهم تعرضوا للضرب والتعذيب، وفي حالة ساندينغ، كان يُخشى أن أعضاء وكالة الاستخبارات الوطنية سيئي السمعة ربما يكونون قد قتلوه.
بعد يومين من واقعة اعتقاله، وعندما لم يتم عرضه على أي من محاكم البلاد، ومع تزايد الشائعات، خرجت أسرته في مسيرة إلى جانب أعضاء حزبه، الحزب الديمقراطي الموحد، تطالب بعودته “حيا كان أم ميتا”.
تعرُض الأشخاص الذين يمثلون شوكة في خاصرة نظام يحي جامع للخطف أو القتل لم يكن شيئا نادرا في ذلك الوقت.
يمكن القول بأن وفاته والمسيرة التي خرجت بعد مرور يومين على اختفائه كانتا بمثابة أحداث مفصلية أشعلت الشرارة التي أدت في نهاية المطاف إلى فقدان جامع الانتخابات الرئاسية التي أجريت بعد ذلك بثمانية أشهر.
بكل بساطة، شعر الناس بأن الكيل قد طفح.
بعد رفضه في بادئ الأمر التزحزح من كرسي الرئاسة، سافر جامع أخيرا ليعيش في المنفى في غينيا الاستوائية بعد هزيمته. وكشفت لجنة الحقيقة والمصالحة التي شكلتها الحكومة الجديدة النقاب عن إجراءات القمع التي استخدمت طيلة عهد جامع الذي استمر على مدى 22 عاما.
جمع أدلة جنائية
الأدلة التي حصلت عليها اللجنة أدت إلى اكتشاف المكان الذي يوجد فيه جثمان ساندينغ في تانجي، وهي قرية صغيرة تشتهر بصيد السمك.
استخرجت رفاته عام 2017، وبناء على أوامر النائب العام، طلب من خبراء جنائيين تحليلها.
- “انكشاف هشاشة الديمقراطية في أفريقيا”ـ في التايمز
- هل تُسلّم الإمارات اثنين من أبرز المطلوبين في جنوب أفريقيا؟
وجد الخبراء الجنائيون أدلة على وجود رضوض وجروح بجثمانه أثبتت تعرضه للتعذيب حتى الموت، وليس نتيجة “صدمة وفشل تنفسي” كما ذكرت شهادة وفاة مزورة ظهرت فيما بعد. هذه الأدلة مكنت الادعاء من استكمال أركان دعوى قضائية ضد قتلته.
وفي يوليو/تموز من العام الماضي، أدانت المحكمة العليا خمسة من أعضاء وكالة الاستخبارات الوطنية والطبيب الذي أصدر شهادة الوفاة لدورهم في قتل ساندينغ.
وقد كافحت أرملة ساندينغ وأبناؤه الستة، والذين كانوا جميعا حاضرين وقت صدور الحكم ضد المتهمين بقتله، من أجل تقديم قتلته للعدالة.
صدرت أحكام بالسجن تتراوح ما بين 5 إلى 10 سنوات في حق كل من يانكوبا بادجي رئيس وكالة الاستخبارات وأربعة من مرؤوسيه. كما حكم على الطبيب بالسجن 10 سنوات بتهمة التزوير.
بالنسبة لهؤلاء الذين يرغبون في لفت أنظار العالم إلى قضية ساندينغ، كان المعارض الجريء بمثابة ستيف بيكو غامبيا – ذلك الناشط الشهير الذي حارب الفصل العنصري في جنوب أفريقيا وتوفي في السجن عام 1977.
لكن غالبية المواطنين الغامبيين يذكرونه بوصفه رجلا عاديا أبدى شجاعة تفوق العادة.
يقول أحد أقرباء ساندينغ إنه حُذر من أن مسيرته ربما تكون خطرة، لكنه أجاب: “من فضلكم لا تنصحوني، فسوف أحارب حتى النهاية. إنها نقطة اللا عودة”.
آلاف المشيعين
مشاركة ذلك العدد الكبير من الناس في جنازته هذا الأسبوع تعد إقرارا بشجاعته وتقديرا لها. وكان من بين المشيعين أفراد أسرته والعديد من كبار الشخصيات، بمن في ذلك كبار أعضاء مجلس الوزراء الحالي.
وقد لوحظت بعض المفارقات يوم وري جثمانه الثرى.
مراسم الجنازة في العاصمة بانجول أجريت عند نصب كان قد شيد في الأصل لتخليد ذكرى انقلاب يحي جامع. كان يطلق عليه اسم “قوس 22” (في إشارة إلى تاريخ الانقلاب الذي تزعمه الرئيس السابق في الثاني والعشرين من يوليو/تموز عام 1994)، ثم أعيدت تسميته “قوس لن يتكرر ذلك أبدا”.
ورغم كل كلمات الرثاء الجميلة المؤثرة، لا تزال قوانين الانتخاب التي كافح ساندينغ من أجل تغييرها حتى وافته المنية منصوصا عليها في كتب التشريع الغامبية.
الطريقة المثلى لتخليد ذكرى رجل يعتبره أبناء بلده بطلا هي إلغاء تلك القوانين.
Comments are closed.