“القايمة” تثير الجدل في الزواج المصري: هل من اؤتمن على العرض يؤتمن على المال؟
“مَن يؤتمن على العِرض لا يُسأل عن المال” جملة كتبها أب مصري على قائمة المنقولات الزوجية التي كان من المفترض، بحسب العرف حاليا في كثير من المجتمعات المصرية، أن يدون بها ما اشترته ابنته أو اشتراه هو لمساعدة الزوجين على تأسيس بيتهما٬ ويوقع الزوج عليها كوثيقة أنه ملزم بردها إذا طُلب منه ذلك.
وقد أثارت الصورة المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي كثيرا من الجدل كما أثارت موجة من السخرية وفتحت من جديد النقاش حول فكرة قائمة المنقولات أو ما يعرف ب “القايمة”.
بعضهم رحب بتصرف الأب باعتباره يؤسس لزواج مبني على المودة والرحمة، ولا داعي للدخول فيه بـ “إيصال أمانة” كما وصفه بعضهم أو اعتبار الزيجة مثل صفقة بيع وشراء.
أما كثيرون آخرون ومنهم حقوقيون مدافعون عن المرأة، فقد كان لهم رأي مختلف، إذ اعتبروا أن تصرف هذا الأب “تفريط في حق لا يملكه”.
“حتى سخان المياه فكه”
تحكي لي أم آدم عن تجربتها مع القائمة، فما أُدرج بالقائمة هو أثاث 3 حجرات دفع ثمنهم أباها حين تزوجت. وبمبلغ المهر، جهزت أم آدم بقية الشقة.
“تركت المنزل مع أبنائي في غياب زوجي حتى لا تحدث مشاكل وبدأت في الإجراءات القانونية للتمكين من المسكن لوجود أبناء في حضانتي… عندما علم هو ببدئي في هذه الإجراءات ذهب مع أمه ونقل جميع ما فيها، فيما عدا الحجرات الثلاث الموجودة على القائمة، وحتى يجعل الشقة غير صالحة للمعيشة .. حتى سخان المياه فكه”.
أما سماح محمد٬ فهي لم تكتب قائمة من الأساس، فقبل إجراءات الزواج وكتابة القائمة تحكي سماح: “قال زوجي لأمي التي كانت مسؤولة عني من بعد موت والدي إنه يخاف الله ويحفظ الأمانة ووعدها أنه في حالة الانفصال حتى أرضية الشقة يمكننا خلعها وأخذها”.
وتستكمل: “نحن أخذنا منه كلمة شرف. ولكن عند أول خلاف بيننا قال لنا ليس لكم عندي شيء، وعندما عاتبته أمي على الأمانة قال لها القانون لا يحمي المغفلين”.
وتعليقاً على الجدل الدائر حول قول “من يؤتمن على العرض لا يسأل على المال”، قالت سماح ضاحكة “ده كلام فارغ، الواقع غير كدة”.
اختراع مصري أصيل
“-شاهد يا عمى… سرقت العفش
– حقها… عفشها… باسمها
– باسمها؟ طب وانا انام فين
– ان شالله ما نمت، مش عندك نسخة من القايمة؟
– هنام على القايمة؟”
حوار بين الأب وزوج ابنته في مشهد من أحد المسرحيات المصرية المحبوبة والمعروفة بطولة الفنان الراحل فؤاد المهندس، “سك على بناتك”، إنتاج عام 1980، وهو ما يؤكد أن قضية “القايمة” تثير جدلا منذ عقود.
وبالرغم من أنه ليس من المعروف متى بدأ المصريون في كتابة قوائم المنقولات الزوجية واعتبارها جزء من العرف، إلا أنه من المؤكد أنها عادة مصرية أصيلة، ليست منتشرة في ثقافات ومجتمعات عربية أخرى.
ويدفع بعض الباحثين بأن أصل قائمة المنقولات يعود إلى عام 1160 ميلادية كممارسة لليهوديات عند زواجهن بمسلمين.
وتذكر إحدى الوثائق المدونة في مكتبة جامعة كامبريدج البريطانية والتي وجدت بداخل دار الجنيزة اليهودي الأثري في القاهرة مدفوعات مهر زفاف العريس وتذكر أثاث وأنواع مختلفة من الأقمشة والصناديق والأواني.
ويبدو أن الظروف الاقتصادية التي جعلت تكفل العريس بشراء وتأثيث بيت الزواج أمراً شاقاً ساهمت على مر السنوات في جعل عادة كتابة القائمة مقبولة ومنتشرة مجتمعياً.
إلا أنه وبتطور العادات وتغيير الأوضاع الاقتصادية للمجتمع، أصبح الزواج في مصر “خليطا غير مفهوم يصب في أغلب الأحيان في صالح الرجل٬” بحسب يوسف منيع الباحث في قضايا الجندر أو النوع الاجتماعي.
يوضح يوسف أنه إذا أخذ بالشرع فالرجل عليه تجهيز المنزل والتكفل بنفقات البيت وإذا اعتمدنا الحداثة والمساواة فتكون المرأة مشاركة بالنصف عند الارتباط وعند الطلاق مثلها مثل الشراكة.
“ولكن المرأة لا تأخذ حقوقها كاملة من ناحية الشرع، فلماذا الاعتراض على القائمة؟ ليس لهذا علاقة بما إذا كان العريس يؤتمن أم لا٬ لكنه تدوين للحقوق”.
استخدامها كسلاح
من ناحية أخرى٬ وفي بعض الأحيان تستخدم القائمة للتلاعب والانتقام في حالات الخلاف.
صفى الخديوى مثلاً، حكم عليه حكماً غيابياً بالسجن لمدة 6 أشهر بسبب إمضائه على قائمة المنقولات قبل 10 سنوات حين تزوج.
يحكي لي صفي أن الخلافات بدأت بينه وبين زوجته مع انتشار وباء كورونا الذي أدى لفقدانه عمله ودخوله في ضائقة مادية.
صفي، الذي بدأ حياته الزوجية في منزل حمويه قبل أن يؤسس منزله الخاص ويجدد الأثاث يقول إن القائمة التي لم تعد موجودة لأنه جدد ما فيها، أصبحت مثل “حبل المشنقة” بالنسبة له.
“طردت من منزلي وأحاكم حاليا في مرحلة الاستئناف ضد الحكم بحبسي وهو ما يمنعني من البحث عن عمل جديد في مجال السياحة الذي عملت به لسنوات…ما الفائدة التي تجنيها الزوجة بتدمير مستقبل زوجها، بل وأبو أبنائها؟”
يرى محمد الوقاد٬ مؤسس حملة تمرد ضد قانون الأسرة٬ أن مبدأ كتابة قائمة المنقولات قد يكون به سوء نية بالأساس٬ كما أنه يستغل للمكايدة وقد يتم التلاعب فيها بإضافة أشياء ليست موجودة أو تقديم القائمة أكثر من مرة لتحصل الزوجة على حكم بحبس الزوج وتأخذ قيمتها أيضاً.
ويوضح أن الزواج من وجهة نظره “أصبح محاولة لجمع مكتسبات وكأننا ندخل حرباً” وأن القائمة تستخدم ك “سلاح ضد الرجل للتهديد بالسجن في الخلافات.”
رأي الدين
إذا أدخلت كلمة “القايمة” على موقع البحث أو الصفحات الدينية المختلفة٬ ستجد مئات المقالات ومقاطع الفيديو يجيب فيها أئمة وشيوخ على الحالات المختلفة.
لكن وبشكل عام، أحلت دار الإفتاء المصرية الاتفاق على تلك القائمة في الزواج مع التنبيه على عدم استخدامها بشكل سيئ.
وأوضحت دار الإفتاء في أحد فتواها أن “القائمة إذا استُخدِمَت في موضعها الصحيح ولم تُستَخْدَم للإساءة ليست أمرًا قبيحًا، بل هي أمرٌ حَسَنٌ يَحفظ حقوقَ الزوجة ولا يَضُرُّ الزوجَ”.
ما الحل إذا؟
يرى نشطاء وباحثون أنه لا يمكن تقييم فكرة القائمة بمعزل عن الظروف الأخرى المحيطة بالزواج والطلاق.
فبحسب رأي منيع٬ الباحث في النوع الاجتماعي٬ المرأة التي في كثير من الأحيان تجد صعوبة في الحصول على الطلاق وتضطر للدخول في قضايا كثيرة لتحصل على نفقة لها ولأبنائها٬ تجدفي القائمة استيفاء جزء من حقوقها المهدرة.
مها أبو بكر المحامية المتخصصة في قضايا الأسرة تتفق مع هذا الرأي. ففي خبرتها مع هذا النوع من القضايا٬ تقول مها إن تكييف القائمة القانوني تكييف جنائي وبالتالي يكون الحكم فيها “أسرع حق يمكن أن تتحصل عليه الزوجة” فبينما تأخذ قضايا النفقة ما لا يقل عن سنتين في محاكم الأسرة٬ يتم الحكم في قضية القائمة في حوالي 4 شهور.
وتوضح مها أن “القائمة هي القشة الأخيرة التي يمكن أن تحتمي بها الزوجة. إذا أخذت منها٬ فهذا ظلم بيّن.”
من ناحية أخرى٬ يرى الوقاد أنه يجب أن ينظر لقانون الأحوال الشخصية بشكل يحافظ على حقوق الطرفين٬ وحتى يحدث ذلك٬ يكتب العروسين في عقد الزواج المشتريات بوصفها وتلحق الفواتير بدون الحاجة إلى عقد مدني هو بمثابة وصل أمانة.
وعلى اختلاف الآراء٬ اتفق الجميع على أنه بالنظر لمحاكم الأسرة المكتظة بالدعاوى والإحصاءات الرسمية بحدوث حالة طلاق كل دقيقتين و١١ ثانية في عام 2019، يبدو أن هناك كثيرا من العمل في قوانين الأسرة لإيجاد صيغة موحدة واضحة ترضي كل الأطراف وتقلل الاحتقان المرتبط بقضايا الزواج.
Comments are closed.