بماذا يؤمن أتباع “كنيسة الحشيش”؟
“كنيسة القنب الدولية، هي كنيسة مثل أي كنيسة أخرى، لكن مع إضافة قليل من الحشيش، وإزالة بعض المعتقدات الجامدة”، يقول لنا ممثِّل عن الجماعة في اتصال عبر “زووم”.
يتحدّث لي مولوي مع “بي بي سي نيوز عربي” من منزله في أعالي جبال ولاية كولورادو الأمريكية التي تشرّع استخدام القنب لأغراض طبية منذ عام 2000، ولأغراض ترفيهية منذ عام 2012.
شارك ضيفنا في تأسيس الكنيسة، مع ستيف بيرك، وعدد من أصدقائهما، عام 2017، متخذين من كنيسة مسيحية قديمة، مقراً لهم في مدينة دنفر، عاصمة الولاية.
المبنى أثري، يزيد عمره عن مئة وعشرة أعوام، وكان مالكوه ينوون تحويله إلى مجمع سكني، لكن مؤسسي الكنيسة أقنعوهم باستثماره للصالح العام.
خلال السنوات القليلة الماضية، تحوّل المعبد إلى مقصد سياحيّ، بفضل الرسوم المبهرجة على جدرانه التي تحمل توقيع فناني غرافيتي ذوي شهرة عالمية.
وتعترف دائرة الإيرادات الداخلية في الحكومة الأمريكية بالكنيسة كـ”منظمة دينية غير ربحية”، أسوة بالوضع القانوني الممنوح لباقي الأديان في البلاد.
تاريخ 20أبريل/ نيسان من كل عام، مناسبة مهمّة في رزنامة “كنيسة القنب الدولية”، فهو اليوم المخصص للاحتفال باستهلاك النبتة المخدرة، بأشكالها كافة.
ويعدّ الرقم 420 وتاريخ العشرين من أبريل رمزاً لثقافة hلقنب في الولايات المتحدة، ويُعتقد أن السبب يعود إلى أن عدداً من الطلاب الأمريكيين في السبعينيات، اتفقوا فيما بينهم على اللقاء يومياً عند الساعة الرابعة وعشرين دقيقة من بعد الظهر، للتدخين سرّاً.
استعارت “كنيسة الحشيش الدولية” هذا الرمز، وأدرجته ضمن تقاليدها وشعائرها، إذ تنظم جلساتها في الرابعة وعشرين دقيقة من بعد الظهر. كما يصادف هذا اليوم ذكرى تأسيسها.
ارتفاع في الروح
خلال فترة وباء كورونا، امتنعت “كنيسة القنب الدولية” عن استضافة جلساتها الأسبوعية، لأنها تتضمن تداول لفائف قنب بين الأعضاء، ما يتعارض مع قواعد الوقاية.
يخبرنا لي مولوي عن الطقوس في الأيام العادية، قبل الوباء: “نجتمع، هناك دوماً موسيقى وشموع نستخدمها لإشعال لفائف النبتة التي نعدها مقدسة، ونتشاركها معاً، وبالطبع نتلو بعض القراءات المقدسة من مصادر متنوعة”.
ينتمي أتباع الجماعة إلى خلفيات دينية متعدّدة، منهم الكاثوليك والبروتستانت واليهود والبوذيون والوثنيون الجدد وغير الملتزمين بأي دين سائد، ويستخدمون في طقوسهم قراءات حرّة من عدد من الكتب الدينية أو النصوص المقدسة.
لا يتطلب الانتساب إلى الكنيسة تغيير الدين أو المعتقد، ويسمّي أتباعها أنفسهم بالـ”مرتفعين” أو “المتسامين” (Elvationists).
يشبّه لي مولوي الفكرة بصعود الجبال وحالة الارتفاع والسمو التي نشعر بها على علو شاهق.
يقول: “أعيش في الجبال، وعندما أصعد وأهبط أشعر بارتفاع مرتبط بالمكان، لكن هناك ارتفاعا في الروح، وارتفاعا في ما أنتِ عليه كشخص. يشبه ذلك حالة الارتقاء الفكري عند تدخين النبتة”.
يؤمن أتباع “مذهب الارتفاع”، بأن النبتة “المقدسة”، إن استخدمت في إطار “طقوسي واعٍ ويقظ”، كما يوضح مولوي، يمكن أن تساعد الأشخاص على اكتشاف نسخ أفضل من ذواتهم، من دون أي هيكل سلطوي أو عقائد وشرائع منزلة.
مذهب قديم
بالطبع، فإنّ “كنيسة الحشيش الدولية”، ليست أول جماعة في الولايات المتحدة تستخدم القنب ضمن شعائر دينية.
فقد شهد عام 2016 تأسيس كنيستين مماثلتين، لكنهما لا تتبعان “مذهب الارتفاع”. الأولى، “كنيسة الحشيش الأولى للمنطق والعقل” في ميشيغان، والأخرى، “كنيسة الحشيش الأولى” في إنديانا.
من تعاليم هذه الأخيرة، أن “نبتة الشفاء (أي القنب أو الماريوانا) تقربنا من أنفسنا ومن الآخرين، وهي ينبوع صحتنا وحبنا وعلاجنا من المرض والاكتئاب”.
في مانهاتن أيضاً “معبد النور الداخلي الحقّ”، وفيه ترفع مواد الهلوسة كنوع من القربان.
في كندا، نجد “مجمع كنيسة الكون”، الذي تأسس في العام 1969، وقاعدته الأساسية عدم إلحاق الأذى بالنفس أو بالآخرين.
كل هذا ليس بالجديد في تاريخ البشرية، إذ أثبتت الأبحاث الأنثروبولوجية استخدام القنب ومواد الهلوسة في عبادات قديمة يرد ذكرها في كتابات عمرها آلاف السنين من الصين إلى اليونان إلى مصر القديمة إلى أديان الشرق القديم.
ويعتقد العلماء أن النبتة دفنت مع الأباطرة والملوك، واستُخدمت لأغراض طبية وكبخور وقرابين في المعابد، إلى جانب صناعة الحبال والقماش والورق ومستحضرات العناية بالشعر.
ومن أقدم الشعائر المرتبطة بالنباتات المخدرة، ولا تزال حيّة إلى اليوم، تلك التي تمارسها “كنيسة سكان أمريكا الأصليين”، المعروفة أيضاً باسم “ديانة صبار الهلوسة”.
تجمع هذه الكنيسة بين معتقدات السكان الأصليين وبين المسيحية، وتستخدم صبار الهلوسة أو البَيُّوت (peyote) في عباداتها.
من الديانات المعاصرة التي تقدس القنب أيضاً، ديانة الرستافاري في جمايكا. ويعتقد أتباع الديانة أن العشبة ليست إلا “شجرة المعرفة” المشار إليها في قصة التكوين، ويؤمنون أنها تساعدهم للتقرب من الله، وسبر أغوار الحقيقة.
ويقول لي مولوي لـ”بي بي سي” إنّ مؤسسي “كنيسة الحشيش الدولية”، كانوا على علم بالاستخدامات الدينية القديمة للقنب، لكن نشأتهم غير مرتبطة بتلك التقاليد بشكل مباشر.
نبتة الاتصال بالمقدس
شهدت فترة الحجر الصحي الناجم عن وباء كورونا، اهتماماً مستجداً بالاستخدامات الروحانية والطبية للقنب. ربما، زادت حالة الطوارئ الصحية، من الحاجة للبحث عن حلول للألم، والقلق، والكآبة.
منذ سنوات، تقدّم فوائد القنب الطبية، كحجة علمية لتشريعه في عدد من الدول. تعزّز ذلك مع الاختبارات الناجحة حول دوره في تخفيف الآثار الجانبية لعلاجات السرطان، وفي مساعدة الأطفال المصابين بالصرع، وفي علاج الألم المزمن، بما يحمي من مضار استهلاك المسكنات على المدى الطويل.
لا ينقطع الجدل حول الانعكاسات السلبية للإفراط في استهلاك القنب، تماماً كأي مادة طبيعية أو كيميائية أخرى، لكن العامل الطبي ليس المؤثر الوحيد لدى داعمي تشريعه.
وكما هو معروف، فإنّ الفئات الأكثر تضرراً من تجريم حيازة الحشيش أو زراعته، هي الأقليات العرقية، والطبقات الفقيرة، وأبناء المناطق المهمّشة. لذلك، يعدّ تشريع النبتة، خطوة مهمة في السياسات الساعية لتحقيق العدالة الاجتماعية.
المثير للاهتمام، أن القنب الممنوع في معظم دول العالم تقريباً، هو أكثر مخدر ترفيهي مستخدم عالمياً أيضاً. وتقدّر “مجلة ناشونال جيوغرافيك” في إحصاءات لعام 2019، عدد مستخدميه لأغراض ترفيهية بنحو 192 مليوناً.
ولكن، لا تزال نبتة القنب من “المحرمات”، رغم الخطوات العلمية المتقدمة في تبرئتها من السلبيات المنسوبة إليها.
ورغم أن كثراً يجدون فيها أداة للتسامي عن أعباء الواقع، يخاف آخرون من فكرة التخلّي الطوعي عن اليقظة، والتسليم للضياع.
يقارب لي مولوي الأمور من زاوية مختلفة، مع إقراره بمشروعية الفوائد الطبية والترفيهية للعشبة. يحرص على أنّ كنيسته ليس نادياً للهواة، بل جماعة تجمعها تطلعات مشتركة.
يخبرنا: “الإطار الشعائري والطقوسي يحفزكِ لتطرحي على نفسك أسئلة مهمة، تستخدمين (النبتة) لفتح عقلك على طرق تفكير مختلفة، وستتصلين أكثر بتجربتك الذاتية عن الله أو المقدس. تسألين مثلاً ماذا أريد أن أحقق هنا، بماذا أفكر، من أنا كانسان، ما معنى حياتي، ماذا عليّ أن أفعل لكي أكون أفضل في هذا العالم؟”.
التسامي على الأحكام المسبقة
تستهلك سامية من لبنان (اسم مستعار) الحشيش منذ سنوات، لكن فكرة المشاركة في أحد طقوس “كنيسة الحشيش الدولية” لا تبدو مغرية لها.
تقول لـ”بي بي سي”: “لا يهمني تجريب طقوس كنيسة الحشيش، ولا أراها نبتة مقدسة، الطبيعة مليئة بأشياء أخرى كثيرة، يمكن أن تأخذنا إلى أبعاد روحانية”.
بالنسبة لها، فإنّ الحشيش كان دوماً أداة لمواجهة قلق اجتماعي، لأنه “يعطي مساحة أكبر للتسامح”، بحسب تعبيرها.
توضح: “عند تدخين الحشيش وسط مجموعة، لا تخافين من قول شيء غبي أو خفيف، يصير مستوى الوعي المطلوب منك أقل، نضحك، ونظن أننا عباقرة، وأننا أذكى، وأننا أطرف. يصير كل شيء جوهرة، وتهدأ الحاجة لتكوني على أهبة الاستعداد لقول شيء مفيد”.
ترى سامية إنّ تدخين القنب، “يساعدكِ لتضعي ما يشبه الغشاء أو الستارة بينك وبين الوعي، بينك وبين الهموم، تشعرين بكينونتكِ كإنسانة، من دون أن تتركي مجالاً للأحداث كي تلتهمك”.
تجربة سامية الإيجابية، لا تنطبق على جميع معارفها. “يزيد الحشيش حدة القلق عند بعض من يجربونه، وهم اجمالاً من الناس الذين لديهم مشكلة بالأساس في إرخاء السيطرة” ،بحسب تعبيرها.
تقول سامية إنّ فكرة “مذهب الارتفاع”، قريبة من تجربتها نوعاً ما، لأن “التدخين فيه بالفعل تسامٍ عن الواقع، لأنه يجعلك تتسامين على الأحكام المسبقة، وترين الوقت والواقع الاجتماعي أبعد منك بخطوة، كأنك في واحة. ربما من يتعبدون ويتنسكون في كافة الديانات، يشعرون بشيء مماثل”.
من أهداف “كنيسة الحشيش الدولية”، إزالة الوصمة الأخلاقية المرتبطة باستهلاك القنب. نسأل لي مولوي بماذا يردّ عادة على من يرون استهلاك العشبة المخدرة بطريقة سلبية.
يقول: “كثير من الأفكار والأحكام المسبقة تأتي من الجهل، ولكن من الصعب أن تقولي ذلك للناس، سيكون ذلك قاسياً، لذلك أدعوهم للبحث والقراءة. أدعو الناس ليكونوا منفتحين على فكرة وجود شيء تمنحنا إياه الطبيعة كهدية”.
Comments are closed.