فيروس كورونا: كيف تحول بيت إلى مستشفى في ليلة واحدة؟
لم يكن موكول غارغ شديد القلق عندما اشتكى عمه – البالغ 57 عاما – من ارتفاع درجة حرارته في 24 أبريل/نيسان. وخلال 48 ساعة مرض اثنان آخران من الأسرة التي يبلغ عدد أفرادها 17.
وبدأت الأعراض تظهر شيئا فشيئا، كما يتوقع، فزاد ارتفاع درجات الحرارة، وبدأت الأصوات تتحشرج، تصحبها الكحة.
وظن غارغ أول الأمر أنها انفلونزا منتشرة في هذا الموسم، لأنه لم يرد الإقرار بأنه قد يكون فيروس كورونا.
وقال لنفسه: “عادة ما يمرض خمسة أو ستة أشخاص معا في هذا البيت، فلا داعي للاضطراب”.
وخلال أيام قليلة، ظهرت على خمسة أفراد في البيت أعراض مرض كوفيد-19، فأخذ قلقه يزداد.
وبعد فترة وجيزة، أصبحت عائلة غارغ نقطة تجمع لفيروس كورونا، فقد أصيب 11 شخصا من بين 17 وأكد الفحص إصابتهم.
وكتب غارغ فيما بعد في مدونته، التي اجتذبت مئات التعليقات من قرائها: “لم نلتق بأحد من الخارج، ولم يدخل بيتنا أحد. لكن فيروس كورونا اقتحم البيت، وأصاب أفراد الأسرة واحدا تلو الآخر”.
ويبين الشرح الوافي الذي كتبه غارغ كيف أن الأسر المتعددة الأجيال، وهي عماد الحياة في الهند، تمثل تحديا في مواجهة كوفيد-19.
وركز الإغلاق العام الشديد في البلاد، الذي بدأ في 25 مارس/آذار ولا يزال مستمرا حتى هذا الأسبوع، على إبقاء الناس في بيوتهم، بعيدا عن الشوارع المزدحمة، والأماكن العامة المزدحمة.
لكن البيت في الهند، حيث يوجد في 40 في المئة من الأسر أكثر من جيل، أحيانا ثلاثة أو أربعة أجيال يعيشون معا وتحت سقف واحد، هو أيضا مكان مزدحم.
وهو أيضا عرضة للإصابة لأن البحوث تظهر أن الفيروس – على ما يحتمل – ينتشر أكثر في داخل البيوت.
ويقول دكتور جاكوب جون، إخصائي الفيروسات: “الأسر في ظل حالة الإغلاق العام تصبح نقاط تجمع عند إصابة فرد واحد منها، هذه حقيقة”.
ولا يبدو ممكنا، كما اكتشف غارغ، تطبيق قواعد التباعد الاجتماعي داخل الأسر الكبيرة، خاصة خلال الإغلاق العام، عندما تكون بالفعل معزولا عن العالم الخارجي.
BBC
- ما هي احتمالات الموت جراء الإصابة؟
- هل النساء والأطفال أقلّ عرضة للإصابة بالمرض؟
- كيف ينشر عدد قليل من الأشخاص الفيروسات؟
- فيروس كورونا يحتاج إلى خمسة أيام حتى تظهر أعراضه
- فيروس كورونا “ينتقل بين البشر قبل ظهور أعراض المرض”
- متعافون من المرض يقصون حكاياتهم داخل الحجر الصحي
BBC
“شعرنا بوحدة شديدة”
يعيش غارغ في منزل مكون من ثلاثة طوابق في حي مكدس بالبيوت في شمال غربي دلهي.
ويبلغ غارغ 33 عاما، بينما تبلغ زوجته 30 عاما، ولديهما طفلان، أحدهما في السادسة، والآخر عمره سنتان، وهو يعيش في الطابق الأعلى، مع والديه وأجداده.
وفي الطابقين السفليين، يعيش عمه وأسرته. ويتراوح سن أفراد الأسرة ما بين أربعة أشهر، وهو عمر طفل حديث الولادة، و90 عاما، عمر جده قعيد الفراش بسبب كبر السن والمرض.
ويعد منزل غارغ شاسعا، مقارنة بمنازل الأسر الأخرى المزدحمة بالناس، حيث يتشارك أكثر من شخص في العيش في غرفة واحدة. وتبلغ مساحة كل طابق حوالي 250 مترا مربعا، أي ما يعادل مساحة ملعبي تنس، وبكل منها مطبخ وثلاث غرف نوم، بحمامات داخلية.
وبالرغم من ذلك انتشر الفيروس سريعا، فقد انتقل من طابق إلى آخر، وأصاب تقريبا جميع الكبار في المنزل.
وحددت الأسرة المريض الأول فيها، وهو عم غارغ، لكنها لا تعرف بالضبط كيف أصابه الفيروس.
ويقول غارغ: “نعتقد أن المصدر قد يكون بائع الخضراوات، أو من شخص ما في محل البقالة، لأن هذه هي الأماكن الوحيدة التي يقصدها من يخرج من المنزل”.
لكن مع انتشار الفيروس، منعهم الخوف والشعور بالحرج بسبب الإصابة، من طلب الفحص.
ويقول غارغ: “عددنا 17 فردا، وبالرغم من ذلك نشعر بالوحدة الشديدة. ونخشى أنه إذا حدث شيء لنا، فقد لا يأتي أحد لتشييع الجنازة، بسبب وصمة فيروس كورونا التي أصابتنا”.
لكن في الأسبوع الأول من مايو/أيار، عندما اشتكت خالته من ضيق في التنفس، أسرعت الأسرة إلى المستشفى. ويقول غارغ إن أفراد الأسرة جميعا عرفوا أنه يجب فحص الجميع.
Getty Imagesالأسرة الكبيرة معرضة لمخاطر أكبر
“شهر من المرض”
قضت الأسرة شهر مايو/أيار كله في مكافحة المرض.
ويقول غارغ إنه كان يقضي ساعات وهو يتحدث مع الأطباء عبر الهاتف، بينما يتأكد الآخرون يوميا من حالة كل منهم بواسطة تطبيق واتسآب.
ويضيف: “أخذنا نغير وضع أفراد الأسرة بناء على الأعراض، فمثلا لم نضع شخصين يشكوان من ارتفاع في درجة الحرارة، في غرفة واحدة”.
وكان هناك ستة أشخاص، ممن أصيبوا، يعانون من أمراض أخرى مصاحبة، مثل السكري، وأمراض القلب، وارتفاع ضغط الدم، تجعلهم عرضة أكثر للإصابة.
ويقول: “أصبح بيتنا في ليلة واحدة مركز رعاية صحية لكوفيد-19، مع ممارسة كل منا دور الممرض، عندما يحين وقته لذلك”.
ويقول علماء الفيروسات إن الأسر الكبيرة تماثل أي تجمعات أخرى، فيما عدا تفاوت الأعمار فيما بينها.
ويقول دكتور بارتو ساروتي راي، أخصائي الفيروسات: “عندما يكون لديك مجموعة كبيرة متفاوتة الأعمار تتشارك مكانا عاما، فإن الخطر يتوزع بطريقة غير متناسبة، مع عرضة الكبار أكثر للخطر”.
وينطبق هذا على غارغ، الذي يشعر بالقلق على جده البالغ 90 عاما.
لكن الفيروس، الذي لا يزال يثير حيرة خبراء الطب، مازال يحمل مفاجآت لغارغ.
ولم يكن غريبا أنه هو وزوجته، وهما في أوائل الثلاثينيات من عمرهما، لم تظهر عليهما أعراض المرض. لكن الأعجب هو أن جده أيضا لم تظهر عليه أعراض المرض. كما نقل شخص واحد من الأسرة، لا يعاني من أي مرض مصاحب، إلى المستشفى. أما الآخرون فقد ظهرت عليهم أعراض المرض المعتادة.
ويقول غارغ إنه كتب المدونة لأنه أراد أن يصل كلامه إلى الأشخاص الذين يساورهم القلق، ويريدون المساعدة.
ويضيف: “في البداية، أبدينا اهتماما كثيرا بما قد يظنه الناس. وتبين قراءة التعليقات أن الناس لم يعودوا قلقين إن أصيبوا، ولم يعد الأمر عارا يخجل منه المصاب”.
وفي الأسبوع الثاني من مايو/أيار، بدأت الأعراض في التلاشي، ولاحظت الأسرة أن نتائج الفحوص أصبحت سلبية شيئا فشيئا، وهذا أمر مريح. وحدث ذلك عندما خرجت خالة غارغ من المستشفى بعد أن بين الفحص اختفاء المرض من جسمها.
وأحست الأسرة أخيرا بأن الأوضاع الأسوأ قد انزاحت.
ومع نهاية مايو/أيار “شهر مكافحة المرض”، كما سماه غارغ، لم يكن هناك مصابون سوى ثلاثة أشخاص فقط، هو من بينهم.
وفي أول يونيو/حزيران، أظهرت الفحوص للمرة الثالثة نتيجة سلبية.
“الأفضل والأسوأ”
قد تكون الأسر الكبيرة في الهند مصدر رعاية ودعم، لكنها تزيد من فرصة الاحتكاك مع آخرين، وتشهد نزاعات أحيانا. وفي أوقات مثل هذه، قد تكون مصدر إنقاذ.
يقول دكتور جون: “هل تتصور شخصا كبيرا في السن في حجر صحي وحده، بلا مساعدة؟ فبالرغم من التحديات، تظهر فوائد الأسر الكبيرة في رعاية الشباب فيها للكبار”.
لقد تسارعت حالات الإصابة في الهند حتى تجاوزت الـ 250.000 حالة، وأثار هذا جدلا بشأن خطورة الوباء على الأسر الكبيرة وتهديدها، لأن الشباب في تلك الأسر يخشون من نقلهم العدوى إلى البيوت فيصاب كبار السن فيها.
ويقول بروفيسور كيران لامبا جاها، أستاذ علم الاجتماع في جامعة كانبور: “إنه نظام لا يزال مستمرا منذ مئات السنين، حتى مع هجمات القيم الغربية والاحتلال. ولا أعتقد أن فيروس كورونا قد يدمر تلك الأسر الكبيرة”.
وربما يتفق غارغ مع هذا الرأي.
فقد كانت أسرته قبل أن يضرب فيروس كورونا البلاد مزدهرة. ويقول غارغ إن هذا يذكره بأفلام بوليوود في التسعينيات.
ويضيف: “كأسرة لم نقض وقتا طويلا معا، كما فعلنا في الشهر الأول من الإغلاق. وكان هذا أسعد وقت تشعر به الأسرة”.
ويقول إن هذا جعل مشاهدة أفراد الأسرة وهم يسقطون مرضى واحدا تلو الآخر، أمرا صعبا.
“رأى كل منا الآخر في أفضل حالاته، وفي أسوأ حالاته، لكننا خرجنا أقوى”.
“مازلنا حذرين إزاء احتمال الإصابة مرة ثانية، لكننا في الوقت الحالي نتمتع بما نحن فيه لأننا استطعنا مجابهة الفيروس، وخرجنا منتصرين”.
Comments are closed.