غاز لبنان يخترق «قانون قيصر»

د. محمد فراج أبو النور *

الخطة الأمريكية لإمداد لبنان بالغاز الطبيعي والكهرباء من مصر – عبر الأردن وسوريا- جاءت لتفتح باباً للأمل في إنهاء أزمة الكهرباء والطاقة التي تأخذ بخناق لبنان منذ سنوات، والتي تفاقمت خلال الأشهر الأخيرة لتسبب للبنانيين معاناة تجاوزت حدود الاحتمال، لكن لابد من القول إن باب الأمر هذا ليس مفتوحاً على مصراعيه، كما أن الحل لن يكون عاجلاً وسهلاً.

لكي يتم تنفيذ خطة نقل الغاز لا بد من التغلب على عدد من المشكلات الفنية والتمويلية و«الاقتصادية».. والأهم من ذلك أنه لا بد من التغلب على عدد من المشكلات السياسية والقانونية، المتصلة أساساً ب«قانون قيصر» ومختلف العقوبات الاقتصادية الأمريكية ضد سوريا.. وهنا يتوقف الكثير على الإرادة السياسية لدى الولايات المتحدة بصورة أساسية.

والخطة ذات شقين.. أولهما: نقل الغاز المصري إلى الأردن ومنه إلى سوريا ثم إلى شمالي لبنان، عبر «الخطر العربي».. وثانيهما: إمداد مصر للأردن بالغاز لتوليد كميات إضافية من الطاقة الكهربائية، يتم نقلها بعد ذلك إلى سوريا ومنها إلى لبنان عبر خطوط للربط الكهربائي.

ويقتضي نقل الغاز– قبل كل شيء– إصلاح خط الأنابيب في سيناء – الواصل إلى الأردن– والذي تعرض لعديد من العمليات الإرهابية، بعد ثورة يناير 2011، أدت إلى تدمير أجزاء كبيرة منه، كما يقتضي الأمر إصلاح خطوط الأنابيب الواقعة في سوريا– والواصلة إلى لبنان– والتي تعرضت للتخريب على أيدي الإرهابيين طوال سنوات الحرب. كما يجب إجراء صيانة لخط الأنابيب الأردني.

أما بخصوص إمدادات الكهرباء فتقضي الخطة بتوفير الغاز المصري لمحطات توليد الكهرباء الأردنية لإنتاج كميات إضافية من الطاقة يتم نقلها إلى سوريا، ومنها إلى لبنان علماً بأن شمالي لبنان به محطات كهربائية تعمل بالغاز، متوقفة لعدم وجوده حالياً، ويمكن إعادة تشغيلها بمجرد توافره.

ويقتضي نقل الكهرباء دعم الشبكات الداخلية في كل من الأردن وسوريا ولبنان.. وإقامة خطوط الربط الكهربائي بين البلدان الثلاثة.

التمويل.. وتوفير الخبرة الفنية

ويحتاج تنفيذ الخطة المذكورة إلى تمويل كبير، كما يحتاج إلى دعم إضافي للخبرات الفنية الموجودة بالفعل في البلدان الأربعة، وتقضي الخطة الأمريكية بأن يقوم البنك الدولي بتمويلها، وبتوفير الخبرات الفنية الإضافية، وهو ما تدعمه الولايات المتحدة، لكن الاتفاق النهائي عليه يحتاج إلى مفاوضات– لا تزال في بدايتها– للاتفاق على القروض وآماد وشروط تسديدها.. الخ.. علماً بأن المباحثات حول الخطة كانت قد بدأت بعيداً عن وسائل الإعلام منذ أسابيع أو أشهر قليلة، وطرحها رئيس الحكومة اللبنانية السابق سعد الحريري على الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أثناء زيارته للقاهرة في يوليو الماضي.

وبديهي أنه لا بد من التفاوض حول أسعار وكميات الغاز الطبيعي والتيار الكهربائي، ورسوم الترانزيت «عبر الأردن وسوريا».. الخ.

«قانون قيصر»

غير أن كل هذه المشكلات الفنية والتمويلية و«الاقتصادية» تظل أسهل بكثير من مشكلة العقوبات الأمريكية المفروضة على سوريا، بمقتضى «قانون قيصر» وغيره من حزم العقوبات التي يتعرض لها أي بلد يتعامل مع سوريا، والتي تشمل مجال الطاقة، وكل المجالات تقريباً.

فهنا لا بد من إقرار استثناءات عديدة من العقوبات الاقتصادية ليس على البلدان المتعاملة مع سوريا فحسب «مصر والأردن ولبنان»؛ بل والعقوبات المفروضة على سوريا نفسها.

فبديهي أن سوريا لن تسمح بمرور إمدادات الغاز الطبيعي والتيار الكهربائي عبر أراضيها دون أن تحصل على احتياجاتها الماسة منهما، في ظل الأزمة الخانقة التي تواجهها البلاد، أو على الأقل بالحصول على جزء معتبر من إمدادات الطاقة اللازمة لها.

وسوريا لديها أصلاً اكتفاء ذاتياً من النفط والغاز، لكن القوات الأمريكية والكردية تستوليان عليهما، ويمكن أن تطرح دمشق مساومة مشروعة حول استرداد جزء من إنتاجها الوطني في منطقة شرقي الفرات، للوفاء باحتياجاتها من المحروقات وتوليد الطاقة الكهربائية، مقابل السماح بمرور إمدادات الغاز والكهرباء إلى لبنان.. كما يمكن أن تطرح شروطاً أخرى تخص تخفيف العقوبات القاسية المفروضة عليها، ونعتقد بأن هذه القضية ستكون النقطة الأصعب في المفاوضات حول تنفيذ الخطة.

هذه النقطة لا تخفى على واشنطن منذ اللحظة الأولى، وأن الولايات المتحدة ستحاول تقديم أقل قدر ممكن من التنازلات، وألاّ تمتد هذه التنازلات إلى تعزيز جدي لموقف دمشق ونظام الرئيس الأسد، خاصة أن أمريكا لا تبدو قريبة من التفكير في الإقدام على تسوية شاملة للأزمة في سوريا، لكن المؤكد أن دمشق ستنتزع مكاسب من هذه «الصفقة» التي تمثل فرصة ممتازة لها، خاصة أن سيطرتها العسكرية على مسار خطوط الغاز والكهرباء مؤكدة تماماً.. وهناك معطيات ميدانية مواتية لها.

وهذا هو ما يجعلنا نتوقع أن تنفيذ الخطة الأمريكية لن يكون عاجلاً، مع أن الخبراء يشيرون إلى أن تنفيذ الجوانب الفنية ليس بالأمر العسير، وأنه يمكن أن يتم خلال أسابيع بينما يقول البعض إن تنفيذ الخطة سيستغرق ستة أشهر على الأقل نظراً للاعتبارات الخاصة بصعوبة المفاوضات السورية– الأمريكية.

الخطة ومغزى التوقيت

وهنا لا بد من أخذ عدد من التطورات في المنطقة، ومعطيات الواقع بعين الاعتبار.

1 – فالاقتصاد اللبناني ينهار بالفعل بسبب نقص المحروقات والطاقة الكهربائية «تتوافر لساعتين فقط في اليوم!» والمواصلات في حالة شلل فعلي، وحالة الغضب المحتدم في الشارع تهدد بالانفجار وباندلاع الفوضى، وانهيار لبنان سيسبب فوضى عارمة في المنطقة.

2 – اتخاذ إيران قراراً بإمداد ميليشيات حزب الله بالمحروقات وإذا استأثرت الميليشيات بالمحروقات فستمتلك نقطة قوية كبيرة، وإذا وزعت المحروقات فستحقق مكسباً سياسياً وجماهيرياً كبيراً، بغض النظر عمّا يمكن أن يقوله السياسيون اللبنانيون الآخرون.

3 – قامت روسيا بإمداد سوريا بكميات كبيرة من المحروقات خلال الأشهر الأخيرة، كما قامت السفن الحربية الروسية بحماية ناقلات المحروقات الإيرانية إلى سوريا في تحد كبير للحصار الأمريكي.. واللافت للنظر أيضاً أن مصر سمحت بمرور هذه الناقلات في قناة السويس، في إشارة إلى اعتراض دول عربية معتدلة على الحصار الأمريكي الخانق.

4 – وهكذا ثبت فشل الحصار الأمريكي، وبديهي أن أمريكا لم تكن لتضرب هذه الناقلات –ولا لتسمح لإسرائيل بضربها- خوفاً من إفشال المحادثات النووية مع إيران، ومن انتقام الميليشيات العراقية الموالية لها، في وقت تسعى فيه أمريكا إلى تخفيف تورطها في الشرق الأوسط.

5 – وهكذا جاءت الخطة الأمريكية الأخيرة لتقطع الطريق على هذه التطورات وإنقاذ الموقف في لبنان من الانهيار أو الخروج بالكامل من النفوذ الأمريكي

مسؤولية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.

مواضيع تهمك

Comments are closed.