عائلات لبنانية فرت قبل دقائق من تدمير منازلها
يسود الخوف والقلق لبنان مما قد يحدث بعد أن تعرضت البلاد يوم الجمعة للغارة الجوية الإسرائيلية الضخمة، التي أدت إلى مقتل حسن نصر الله، زعيم حزب الله، وأعضاء بارزين آخرين في الجماعة.
أمضينا الأيام الماضية في الحديث إلى العديد من العائلات النازحة في المدارس التي تستضيف الأشخاص الذين اضطروا إلى الفرار من منازلهم.
وقد ارتفع عدد الأشخاص الذين ينامون على الأرض في فناء المدرسة التي زرناها إلى 2000 شخص، بحسب مدير المدرسة.
تحدثت إلينا عائلة تحاول جاهدة العناية بابنين معاقين، عن محاولاتها لتهدئة الأطفال بعد ما مروا به.
“أمسكت بأحفادي وركضت”
تقول الجدة أم أحمد إن مبنى بجوار منزلها تعرض لضربة جوية إسرائيلية شديدة ونجت هي وعائلتها “بأعجوبة”.
وتضيف: “لا أعرف كيف هربنا. أمسكت بأحفادي وركضت. كان جزء من منزلنا مشتعلًا”.
قفزوا إلى سيارتهم وتمكن زوجها من القيادة، بينما كان يجري قصف المزيد من المباني في شارعهم.
نظروا إلى الوراء ليروا أن منزلهم قد سُوي بالأرض أيضًا. وتقول أم أحمد وهي تحاول السيطرة على دموعها: “على الأقل تأكدنا من أنه ليس لدينا منزل نعود إليه”.
وتضيف: “لا أريد البكاء. لم يعد هناك ما أبكي عليه. لقد فقدنا كل شيء، لكن نحمد الله أننا نجونا”.
ويعاني حفيدا أم أحمد من مشكلات في الصحة العقلية.
وقالت وهي تبدو محبطة وغاضبة: “أنا حزينة على أطفال غزة، لكن ما ذنب أطفالنا؟”
وبينما كنا نتحدث سمعنا دويًا عاليًا، بينما كانت فرق الطوارئ تفرغ بعض الإمدادات في الممر بالخارج.
بدأ حفيدها الأصغر في البكاء، وقالت الجدة: “انظر كيف يخاف الطفل. مع كل صوت عالٍ، ومع كل باب يُغلق يبدأ في البكاء والصراخ”.
تقول إن أحفادها لم يعد بوسعهم النوم ليلاً، وبالتالي فهي وزوجها لا يستطيعان النوم أيضاً.
وتضيف: “لا يقتصر الأمر على أحفادي فقط، بل إن جميع الأطفال هنا يخافون من أي صوت عالٍ. يعتقدون أنه غارة جوية”.
فرت الأسرة من قرية صغيرة بالقرب من صور، جنوب لبنان، وتعيش الآن في قاعة دراسية بالمدرسة التي تحولت الآن إلى مأوى لمئات الأشخاص من جنوب لبنان الذين فروا إلى بيروت.
الغرفة مليئة بالملابس المغسولة حديثا المعلقة على السبورة والجدران والنوافذ، بينما يوجد بضع مراتب على الأرض. وأصبحت كراسي الفصل الآن أثاثًا لعائلة أم أحمد. وهناك عدد قليل من أواني الطهي على طاولة معلم الصف.
وبينما أجلس مع أم أحمد، انضم إلينا زوجها بركات، الذي يلقي باللوم على السياسيين في هذه الحرب، دون أن يذكر أي شيء عن حزب الله.
وقال “اصغ إلىّ: أعلم أنه كان ينبغي لنا أن ندعم شعب غزة، لكنها لم تكن حربنا. نحن بالطبع نريد حماية أرضنا، لكن من أجلنا، من أجل اللبنانيين. يجب أن نقاتل من أجل أنفسنا”.
وكما هو الحال مع العديد من العائلات الأخرى هنا، لم تكن هذه المرة الأولى التي يتم فيها تهجيرهم، ففي عام 2006 وفي عام 1982 فقدوا منازلهم أيضًا، وهذه المرة الثالثة.
يقول بركات إنه وعائلته متعبون للغاية ولا يريدون الحرب. ويضيف: “نحن لا نريد أن يموت أطفال إسرائيل ولا أطفالنا، يجب أن نعيش في سلام”.
سألته عما إذا كان يعتقد أن السلام سيحل، فرد قائلا: “لا أعتقد ذلك. نتنياهو لا يريد السلام. الأمر غير واضح تمامًا، وستكون هذه الحرب أصعب بكثير من عام 2006 بالتأكيد”.
وقالت أم أحمد: “كما نبكي على الأطفال في غزة، وأصبحنا نبكي على أطفالنا أيضًا. وكما يبكي الإسرائيليون ويخافون على أطفالهم، فإننا نفعل ذلك أيضا”.
رسائل من الجيش الإسرائيلي
التقيت بأسرة أخرى، وقال لي كمال محسن، البالغ من العمر 65 عامًا: “لم يكن لدينا سوى مهلة قصيرة فقط، فقد تلقينا رسالة من الجيش الإسرائيلي على هواتفنا، تطلب منا مغادرة منزلنا”.
وكان كمال واحداً من العديد من الأشخاص الذين تلقوا هذه الرسالة ظهر يوم السبت تقريبا. وقال إنه بعد “30-40 دقيقة” وقعت سلسلة من الغارات الجوية على الحي الذي يعيشون به.
وقال: “لم نتمكن من أخذ أي شيء. أخذت مفتاح سيارتي وغادرت مع عائلتي”.
وأضاف كمال، الذي كان يرتدي قميصا وسروالا قصيرا: “كل ما لدينا الآن هو ما تراه نرتديه”.
يجلس مع ابنته وحفيده واثنين من جيرانه في فناءالمدرسة التي لجأوا إليها.
وقال: “لا توجد أماكن شاغرة هنا. إنها تمتلئ بمن فروا من الجنوب”.
كان عليهم النوم في العراء في ليلتهم الأولى، لكنهم اكتشفوا اليوم أن أقاربهم الذين فروا من الجنوب موجودون هنا أيضًا، لذلك تمكنوا من التكدس في غرفة معهم.
وقالت ندى، ابنة كمال: “نحن الآن من بين 16 شخصًا يعيشون في غرفة واحدة”.
وأضافت: “في حرب 2006 (بين حزب الله وإسرائيل) أتينا إلى هنا أيضًا”.
وهي تعتقد أن هذه الحرب ستكون أكثر صعوبة، وقالت: “لقد قتلوا زعيم حزب الله. وهذا في حد ذاته يُظهِر أن هذه المرة مختلفة”.
الخوف من الطائرات المُسيرة
وبينما كنا نتحدث، سمعنا أزيزًا قويا لطائرات بدون طيار إسرائيلية. يمكننا أن نراها فوقنا وهي تحلق على ارتفاع منخفض، وتدور في دوائر مرارًا وتكرارًا.
ثم بعد بضع دقائق سمعنا دويًا في الخلفية.
كانت إسرائيل قد نفذت للتو غارات جوية جديدة على الضاحية – ليس بعيدًا عن المدرسة.
وقالت ندى إنهم يحاولون التأهب نفسيا هم وأطفالهم لقبول أنه قد لا يكون هناك أي منزل للعودة إليه.
علمنا أن حمامات المدرسة نفدت منها المياه في الصباح، ويعمل الموظفون على إصلاح بعضها قدر المستطاع.
المساعدات تبدأ في الوصول
الهروب عبر سوريا
بالنسبة للآخرين، بدت مغادرة البلاد عبر سوريا التي مزقتها الحرب خياراً أفضل من الأمل في النجاة من الضربات الجوية الإسرائيلية.
سارة طهماز، صحافية لبنانية تبلغ من العمر 34 عامًا، فرت من منزلها في الضاحية الجنوبية لبيروت مع والدتها وشقيقين يوم الجمعة قبل الماضي.
تقول إنها تشعر بالارتياح لأنهم اتخذوا قرار مغادرة البلاد قبل أن تغتال إسرائيل زعيم حزب الله.
استغرقت الأسرة ما يقرب من عشر ساعات للوصول إلى الأردن عبر سوريا بالسيارة.
وقالت: “أعتقد أننا محظوظون بما فيه الكفاية لامتلاكنا مكاناً للإقامة في الأردن، حيث يقيم أقارب والدتي”.
وأضافت: “لا نعرف ماذا سيحدث بعد ذلك، ولا نعرف متى سنعود!”
وتابعت: “أعرف أقارب آخرين غير قادرين الآن على المغادرة، واستغرق بعضهم حوالي 24 ساعة حتى يتمكنوا من الفرار من لبنان عبر سوريا”.
- ماهي السيناريوهات المتوقعة في حال الاجتياح البري للبنان؟
- كيف يختار حزب الله زعيمه الجديد بعد اغتيال نصر الله؟
- كيف نشأ حزب الله اللبناني وما دور حسن نصر الله فيه؟
Comments are closed.