ماذا وراء الجدل المثار حول مشروع قانون الإجراءات الجنائية المصري الجديد؟
طالب خبراء وإعلاميون وفئات نقابية وحقوقية مصرية عديدة بفتح حوار مجتمعي حول مسودة قانون الإجراءات الجنائية لما له من تأثيرات محتملة على المواطنين والمتقاضين وأطراف العدالة كافة بما فيها سلطات إنفاذ القانون.
ورداً على هذه المطالبات التي صاحبت جدل واختلاف في الرأي، أعلن مجلس النواب في بيان رسمي، أن أبوابه ما تزال مفتوحة لمناقشة أية تعديلات على مشروع القانون المثير للجدل.
وكانت لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية بمجلس النواب قد وافقت الأسبوع الماضي على مشروع قانون الإجراءات الجنائية، لعرضه على المجلس في بداية دور الانعقاد الخامس عقب انتهاء الإجازة البرلمانية، والعودة مطلع شهر أكتوبر/ تشرين أول المقبل.
ومنذ الإعلان عن انتهاء اللجنة المنبثقة من البرلمان لإعداد مشروع قانون جديد للإجراءات الجنائية ظهرت تقارير في وسائل الإعلام المختلفة تصف التعديلات بالخطيرة على مشروع القانون الذي يعد “الدستور الثاني”، كونه ينظم مجريات التقاضي الجنائي ويحدد آليات سير المحاكمات وحقوق وواجبات كل طرف بدءً من المتقاضين ومحاميهم والنيابة والقضاء وجهاز الشرطة ووسائل الإعلام وفئات المجتمع.
ورفضت بعض التعديلات نقابتي المحامين والصحفيين ونادي القضاة استناداً إلى أنها تضر بالعدالة وحقوق المواطن.
لماذا يهم القانون كل المصريين؟
“عندما يضطر المواطن للتعامل مع القضاء يشعر أنه في مغارة لا يعرف ماذا يفعل”. هكذا يصف المحامي عصام الإسلامبولي لبي بي سي.
ويضرب الإسلامبولي مثالاً، “فلنفترض أنني كنت أقود سيارة وقمت بإصابة مواطن آخر لو كان عمدا تكون قضية جنائية، ولو كان خطأ تكون قضية جنحة”.
هنا يبدأ عمل القانون كما يقول الإسلامبولي، “تدون الواقعة في محضر الشرطة لإثبات الواقعة، ثم يحال إلى النيابة فى محضر الاستجواب، ثم يحال إلى المحكمة لكي يصدر الحكم ويطبق”.
وكان نقيب الصحفيين خالد البلشي، كتب على صفحته على فيسبوك، قانون الإجراءات الجنائية، “هو دستور نظام العدالة، وهو منتج للإنسانية، وليس لبلد بعينه ولذلك فإن أي تعديلات لابد أن تخضع لنقاشات جادة، وتقوم على فلسفة واضحة، تحتاج لمشاركة مختلف الرؤى، لأن أي خلل يناله قد يؤدي إلى فقدان الثقة في نظام العدالة”.
ظهر أول قانون للإجراءات الجنائية في مصر عام 1875 تحت مسمى “قانون تحقيق الجنايات”، والذي كان مأخوذاً من القانون الفرنسي الصادر عام 1810، وكان يُطبق على المحاكم المختلطة. ثم صدر مجموعة من القوانين حتى أكتوبر/ تشرين أول عام 1950. صدر قانون الإجراءات الجنائية الحالي، وقد تعرّض إلى تعديلات كثيرة حتى وقتنا الحالي.
لماذا التعديلات الآن؟
يتذكر الفقيه الدستوري، “كنت طالب في كلية الحقوق في الفرقة الثانية عام 1972، وكان الدكتور على راشد يذكر أن هناك مدونة لتعديل قانون الإجراءات الجنائية ولم ترى النور حتى اليوم”.
ويقول الإسلامبولي، “مناقشة القانون تأخرت كثيراً، لأنه صدر عام 1950 أي منذ 74 عاماً، وعانينا في أمور كثيرة في التطبيق بسبب هذا القانون وأخطرها الحبس الاحتياطي، مثلاً منذ عام 1953 تم إلغاء سلطة الاتهام وتم دمج سلطتي التحقيق والاتهام فهو قانون يحتوى على الكثير من المخالفات”.
“على مدار السنوات الماضية، منذ صدور القانون تم تقديم أكثر من تعديل قانوني ولكنها ظلت حبيسة الأدراج” يروي الاسلامبولي.
يتابع الإسلامبولي، يعتبر القانونيون “الإجراءات الجنائية” من القوانين المكملة للدستور،”لأنه يحكم إجراءات القبض على المتهم والتقاضى والتعبير عن الرأي والنقد، لذلك هو أخطر قانون يحكم الدولة المصرية”.
ويفرق الفقيه الدستوري بين قانون العقوبات هو المتعلق بالجريمة ومحاكمة المتهمين، وقانون الإجراءات الجنائية، “في الفقه القانوني يعتبر القانون الذي يحمي الشرفاء والأبرياء لأن هناك قاعدة قانونية أن المتهم برىء حتى تثبت إدانته”.
يرى النائب إيهاب الطماوي، رئيس اللجنة الفرعية المكلفة بإعداد وصياغة مشروع قانون الإجراءات الجنائية، أنه الوقت المناسب لإعداد قانون جديد للبلاد، “القانون الحالي تم إقراره منذ 74 عاما في ظل نظام ملكي، وكانت الحكومة تقدمت بتعديلات في عام 2017، وبعد توصيات لجنة الحوار الوطني مؤخرا بتعديل بعض مواد القانون خاصة المتعلقة بالحبس الاحتياطي استجابة لتوجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي، قررت الحكومة سحب التعديلات والإبقاء أو إقرار المشروع المقدم من اللجنة”.
ويتابع الطماوي، “وواجهت لجنة الشئون الدستورية والتشريعية بعض الصعوبات في التعامل مع تعديلات مشروع القانون التي وصلت نسبتها إلى ما يقرب من 85% وبالتالي عند بداية الفصل التشريعي طرح الرئيس السيسي الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان عام 2021، ولذلك كلف رئيس مجلس النواب الدكتور حنفي الجبالي رئيس لجنة الشئون الدستورية والتشريعية بتشكيل لجنة فرعية من كافة الجهات والمتخصصين ذوي الصلة بقانون الإجراءات الجنائية، وشرفت برئاستها”.
هل نحن أمام مشروع قانون جديد؟
يقول ناصر أمين المحامي لدى الجنائية الدولية ورئيس استقلال القضاء، “لا يجوز التسرع في إصدار القانون ولابد من إجراء حوار مجتمعي وليس لجنة لا يشارك فيها غير ممثل لنقابة المحامين، لأنه هناك خلل كبير في اللجنة التى أجرت جلسات الاستماع وتسرع غير مفهوم وغير مبرر”.
ويصف أمين البرلمان الحالي بأنه “غير عادل”، “لأنه انتظر 10 سنوات لتعديل مادة استئناف أحكام الجنايات، ليصبح من حق المتهم استئناف التقاضي على درجتين بدلاً من درجة واحدة”.
وكان دستور 2014 منح البرلمان والسلطة التنفيذية مهلة 10 سنوات لتعديل هذه المادة، ولكن البرلمان انتظر 10 سنوات، “كانت المهلة تنتهي في 17 يناير/ كانون ثاني، وتم تغيير المادة في 16 يناير/ كانون ثاني”، كما يقول أمين.
ويتابع المحامي في اتصال مع بي بي سي، “نحن أمام مسارين لهذا البرلمان؛ الأول تعطيل تعديل المادة، والثاني سرعة في تغيير قانون بأكمله، في أي دولة في العالم لا يتم تعديل القانون بالكامل إلا في حالات الثورات لأن قانون الإجراءات الجنائية قانون يشبه الدستور”.
يرفض النائب البرلماني في اتصاله مع بي بي سي عربي، الادعاءات بأنه لم يتم مشاركة كافة الأطياف في الحوار، “مشروع قانون الإجراءات الجنائية جرى طرحه للحوار المجتمعي على كافة الجهات خلال فترة طويلة تجاوزت 14 شهراً، وضمت اللجنة في عضويتها ممثلين من اللجان الدستورية والتشريعية والدفاع والأمن القومي وحقوق الإنسان بمجلس النواب، بالإضافة إلى الخبراء المتخصصين من مجلس الشيوخ وممثلين عن الجهات القضائية ووزارات الدفاع والعدل والداخلية ونقابة المحامين والمجلس القومي لحقوق الإنسان وأساتذة من كلية الحقوق جامعة القاهرة”.
وأضاف الطماوي، أن اللجنة المشكلة أعدت مسودة مشروع قانون جديد للإجراءات الجنائية، وليس تعديلات على قانون قديم تقوم فلسفته على الدستور المصري الصادر عام 2014، والاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، التي أطلقها الرئيس عبد الفتاح السيسي عام 2021، كما يتوافق القانون مع كافة المواثيق الدولية ذات الصلة بملف حقوق الإنسان.
وتابع الطماوي أن مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد يضم 540 مادة في سبعة كتب يضم كل كتاب عدداً من الأبواب والفصول، وبعد الإعلان عن مسودة القانون تم إحالة توصيات ومخرجات جلسة الحبس الاحتياطي إلى الحوار الوطني للحكومة لاتخاذ اللازم، وكانت كلها تتوافق مع التعديلات التي وردت بمشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد، مما دفع الحكومة إلى سحب مشروعات القوانين التي وردت إلى مجلس النواب منذ عام 2017 التي تخص قانون الإجراءات الجنائية، مع اعتبار مشروع القانون الذي أعدته اللجنة الفرعية هو نفسه المقدم من الحكومة.
وفي أغسطس/ آب الماضي، وافق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، على إحالة توصيات الحوار الوطني للحكومة بشأن أهمية تخفيض الحدود القصوى لمدد الحبس الاحتياطي، والحفاظ على طبيعة الحبس الاحتياطي كإجراء وقائي تستلزمه ضرورة التحقيق، دون أن يتحول لعقوبة.
ويستكمل الطماوي في حديثه،”اللجنة كانت منفتحة على استقبال كافة المقترحات والآراء، حيث تم الاستجابة لعدد كبير من المقترحات المقدمة من نقابة الصحفيين والمحامين، وتم رفض بعض المقترحات المقدمة من نفس الجهات”.
ويعتبر النائب البرلماني، أن مشروع القانون الإجراءات الجنائية الجديد يحقق نقلة نوعية في فلسفة الإجراءات الجنائية بموجب المشروع الجديد، حيث اشتمل على مجموعة من الضمانات التي تعزز حقوق الإنسان، ومن ضمنها تقليص مدة الحبس الاحتياطي ووضع ضوابط لتعويض المتهمين عن الحبس الاحتياطي الخاطئ.
يشرح ناصر أمين، القانون يسمى “قانون المتهمين”، “لأنه يضمن حقوق المواطنين أثناء المحاكمات، ويضمن حريات المواطنين في الشارع والمنزل وحرمة حياتهم الشخصية فهو ماس بحياة الناس، لذلك التغيير لابد أن يكون بحذر وفق فلسفة تؤدى إلى مزيد من الضمانات أكثر مما كانت عليه من 70 سنة”.
ويعتبر أمين الحديث عن خفض مدد الحبس الاحتياطي “حديث مضلل لأنه يجب الرجوع إلى الأصل جرى تعديل في 2006، على القانون القديم لا يجوز حبس المواطن احتياطياً أكثر من 6 أشهر ثم تم رفعه إلى سنة وثمانية أشهر وفي 2013 رُفع إلى سنتين، وفي حقيقة الأمر لم يكن هناك حبس احتياطي في قانون عام 1950”.
وقال مصدر قضائي لبي بي سي، “إن القانون الجديد أضاف تعليمات دستور 2014 التي كانت هي موجودة بالفعل في كتيب تعليمات القضاء، على سبيل المثال الحق في الصمت كان موجودا ونكتب رفض الإجابة، بالطبع لا نجبر أي متهم على الإجابة”.
ويرى المصدر القضائي أن هناك شبهة عدم دستورية في نص المادة 112 من مشروع قانون الإجراءات الجنائية التي ترى من مبررات الحبس الاحتياطي (توقي الإخلال الجسيم بالأمن والنظام العام الذي قد يترتب على جسامة الجريمة). وهذا المبرر لا يصلح سنداً للحبس الاحتياطي، لأن الحبس الاحتياطي ليس إلا إجراء من إجراءات التحقيق لا يجوز مباشرته إلا لمصلحة التحقيق، بما في ذلك حماية الأدلة، وعدم العبث بها، والحيلولة دون هروب المتهم.
ويتابع المصدر القضائي، مازلنا في انتظار مناقشات جلسات مجلس النواب.
ما هي الخطوات القادمة؟
يرى خالد البلشي، نقيب الصحفيين أنه مازال أمامنا وقت ونقاش ممتد وواسع قبل الإقرار النهائي للقانون. ويتابع لبي بي سي عربي، “القانون يعتبر دستور العدالة لذلك شكلت نقابة الصحفيين لجنة قانونية لمراجعة مشروع قانون الإجراءات الجنائية، واستعانت بآراء عدد من الحقوقيين والمحامين ووضعنا ملاحظاتنا التي تم نشرها على موقع نقابة الصحفيين، وسنعمل خلال الفترة القادمة على الضغط لإيصال جميع الأصوات لأن القانون يشكل مصالح المجتمع بأكمله الذي يعتبر الصحفيين جزء منه”.
يقول ناصر أمين “مطالبنا هي عدم التعجل في إقرار هذا القانون، فلابد أن يشترك جميع خبراء القانون والمجتمع وممثلي الدولة وبعد كافة النقاشات توضع صياغة للقانون، ثم يتم التفكير في أهمية تغيير بعض القوانين، أو الإبقاء على غيرها، ثم التفكير في النصوص المستحدثة التي تتوافق مع التطورات التكنولوجية.
بينما يتوقع عصام الإسلامبولي، أن يعقد مجلس النواب جلسات استماع يشارك فيها جميع الخبراء القانونيين والدستوريين والأحزاب والمؤسسات والبرلمان، حتى يعبر الكل عن رأيه. ويري الإسلامبولي أن الاتهامات التي طالت نقيب الصحفيين في الفترة الماضية، “لأننا لم نتعود على الحوار، والرأي والرأي الآخر، بالرغم من أن الحوار يثري القضية وينشر الوعي ويجعلنا نخرج بأفضل النتائج والاقتراحات حبيسة الأدراج”.
ويتفق كل من أمين والإسلامبولي على أن التعرف على عيوب القوانين تأخذ سنوات بعد الإقرار والتعرف على “ثغرات القانون”. ويشرح الإسلامبولي، “بعد صدور القانون لابد من مذكرة إيضاحية، ثم اللجوء لمحكمة النقض التي تصحح المفاهيم”.
بعد صدور القانون لابد من تعديل عدد من القوانين كما يعددها الفقيه الدستوري، “قانون السلطة القضائية، وقانون السجون، وقانون الطوارئ وقانون المحاماة”.
ومن المقرر أن تُعرض تعديلات مشروع قانون الإجراءات الجنائية، على الجلسة العامة للبرلمان، وإذا جرت الموافقة يتم إرساله لرئيس الجمهورية، وإذا حصل القانون على موافقة الرئيس يتم نشره في الجريدة الرسمية. ولرئيس الجمهورية في حال اعترض على القانون أن يرده إلى مجلس النواب ثانية.
- قانون مصري جديد لتنظيم مواقع التواصل الاجتماعي
- كيف يرى المصريون الجدل بشأن حقوق الإنسان في بلادهم؟
- مصر: ما التعديلات التي يحتاجها قانون الأحوال الشخصية؟
Comments are closed.