عاجل

العنصرية ضد السود: ‘لن يستطيع أي مبلغ من المال أن يعوضنا’

كان ألفين تايلور وشقيقته بيرل طفلين عندما بدأت مدينة بام سبرينغز بولاية كاليفورنيا في حرق المنازل في الحي الذي كانت تعيش فيه الأسرة. لكنهما لا يزالان يذكران رائحة الدخان.

تقول بيرل تايلور ديفرز: “كنا نعود إلى بيتنا كل يوم، لنجد أن واحدا من منازل الحي قد اختفى ولم يتبق منه سوى أنقاض محروقة”.

في عام 1965، بدأت مدينة بام سبرينغز في تدمير حي تايلور الذي كانت تسكنه أغلبية من السود لإفساح المجال أمام إنشاء مجمع تجاري بالقرب من وسط المدينة. كان والدهما نجارا، وقد بنى منزل الأسرة المتواضع بنفسه. وكانت أمهما عاملة نظافة منزلية، وقد عملت لدى بعض المشاهير من أمثال لوسيل بول وأميليا إيرهارت، وكانت تأخذ طفليها للصلاة في الكنيسة يوم الأحد من كل أسبوع.

نشأت الأسرة في منطقة بمدينة بام سبرينغز كان يطلق عليها اسم “القطاع 14″، وقد جعلت ممارسات الفصل العنصري الحي واحدا من عدد قليل فقط من الأماكن التي كان يسمح للسود بشراء منازل بها.

لكن ذلك كان قبل الحرائق. كل أسبوع، كانت تأتي النيران على أحد المنازل، وعلى المتعلقات الشخصية لسكانه في بعض الأحيان. وكانت أسرة تايلور تنتقل من منزل إلى آخر في القطاع 14 هربا من الحرائق. في كل مرة، كان منزلها يتعرض للدمار.

بعد تحقيق طويل، توصل تقرير صادر عن وزارة العدل بولاية كاليفورنيا إلى أن تدمير القطاع 14 كان بمثابة “محرقة من تدبير المدينة”.

وبعد مرور ما يقرب من ستة عقود، أصبح من المحتمل أن يحصل ضحايا القطاع 14 على تعويضات بعد أن أصدرت وزارة العدل بالولاية الأسبوع الماضي حزمة مفصلة من المقترحات التي تتعلق بتعويض المتضررين.

يتضمن التقرير الذي يبغ طوله 1000 صفحة 115 توصية تشريعية تهدف إلى معالجة الظلم الذي يتعرض له السود في كاليفورنيا وضمان عدم تكرار أحداث مثل تدمير القطاع 14 مطلقا.

ومن بين التوصيات اقتراح مثير للجدل بشأن إعطاء مبلغ قدره 1.2 مليون دولار لكل أمريكي أسود من ذرية الأشخاص الذين تعرضوا للاستعباد.

وقال أعضاء اللجنة الخاصة التي أصدرت التقرير إنهم يأملون في أن يساعد ذلك سكان كاليفورنيا على تفهم تكلفة العنصرية في الولاية، بغض النظر عما إذا قررت الحكومة في نهاية المطاف إصدار تعويضات مالية أم لا.

هذه المسألة قسمت الآراء في كاليفورنيا بشكل كبير. فقد أشار استطلاع جديد أجراه معهد كاليفورنيا للسياسة العامة أن 54 في المئة من الأشخاص الذين يرجح أن يكونوا ناخبين في الولاية لديهم انطباع سلبي عن اللجنة، في حين أن نسبة مشابهة، 59 في المئة، ترى أن الولاية ينبغي أن تعتذر رسميا عن جرائم حقوق الإنسان التي ارتُكبت في حق العبيد الأفارقة وذريتهم.

كانت الأجواء مشحونة يوم الخميس الماضي، عندما عُرض التقرير على الملأ، حيث قال البعض إن أموال التعويضات تأخرت كثيرا.

“إنها أموالي، وأريدها الآن”، هكذا صرخت إحداهن.

ولكن آخرين يرون أنه ليس من العدل أن يُطلب من هذا الجيل التكفير عن خطايا الماضي من خلال التعويضات التي سوف تُأخذ من أموال الضرائب.

وقال عضو مجلس نواب ولاية كاليفورنيا بيل عسيلي، وهو أمريكي من أصل لبناني، إنه يعارض توصيات اللجنة لأن “مسألة التركيز على عرق الأشخاص، وتشجيع البعض على الشعور بأنهم ضحايا، هذا كله ليس إلا محاولة لنثر بذور الشقاق والفرقة في صفوف الأمريكيين”.

إرث العنصرية

هذا الجدل ليس بالجديد، ففكرة التعويضات ظلت محل نقاش بين الأمريكيين منذ الحرب الأهلية.

وفي الأعوام الأخيرة، حاول أعضاء بالكونغرس تشكيل هيئة لدراسة مقترح تعويض الأمريكيين من أصول أفريقية – ولكنهم أخفقوا.

ورغم أن محاولات دفع التعويضات ربما تكون قد توقفت على المستوى الفيدرالي، فإن المناقشات على المستوى المحلي ازدادت كثافة، ولا سيما في الأعوام التي تلت مقتل جورج فلويد. وأصبحت إيفانستون بولاية إيلينوي أول مدينة أمريكية تمنح تعويضات مالية على التفرقة العنصرية في مجال الإسكان. لكن خطة كاليفورنيا، في حال تطبيقها، سوف تكون الأكثر شمولية حتى الآن.

تقول الدكتورة شيريل غريلز، طبيبة علم النفس المتخصصة في مجال الآثار النفسية والصدمات التي يعاني منها ضحايا الممارسات العنصرية، والتي تم تعيينها كعضوة في اللجنة الخاصة، إنه من الضروري أن نعترف بأن الماضي ما زال يؤثر على الناس إلى يومنا هذا.

تضيف الدكتورة غريلز أنه “ربما يكون الاستعباد قد انتهى، لكن العقيدة والآليات التي ترمي إلى إبقاء السود في القاع لا تزال موجودة على نطاق واسع”.

إنه درس يقول كل من ألفين وبيرل تايلور إنهما تعلماه من خلال تجاربهما الشخصية. يقول الشقيقان إن تدمير منزلهما في القطاع 14 كان بمثابة ذاكرة أساسية شكلت بقية حياتهما.

كان والدهما رجلا معتزا بنفسه، وقد رفض ترك المنزل الذي بناه لأسرته. حاول بلا جدوى أن يحصل على قرض لشراء الأرض، لكن غالبية المصارف آنذاك كانت ترفض إعطاء الأمريكيين السود قروضا عقارية، لذا لم يتبق أمامه الكثير من الخيارات.

بدأ يتناول المشروبات الكحولية بكثرة كي يتمكن من التكيف مع الضغوط، وتقول بيرل إن والدتهما قررت في النهاية تركه، فحزمت أمتعتها وأمتعة طفليها ورحلت عن بام سبرينغز.

تضيف بيرل: “لم نكن هناك في اليوم الذي أُجبر فيه على ترك المنزل. أنا على يقين أنها كانت تجربة عصيبة وصادمة للغاية”. توفي والدها فيما بعد جراء إدمان المشروبات الكحولية.

عندما كان ألفين شابا صغيرا، انخرط في الموسيقى وتمكن من استغلال موهبته في العزف على الطبول في شق طريق مهني ناجح في هذا المجال، حيث عزف إلى جانب مغنيين مشهورين مثل ليتل ريتشارد وعضو فريق البيتلز جورج هاريسون وإلتون جون.

لبعض الوقت، أدى نجاحه إلى تخدير الألم الذي كان يشعر به بسبب فقدان طفولته ومنزله وأبيه. ولكن عندما توقف عن العمل، يقول ألفين تايلور إنه لجأ إلى المخدرات.

“كنت أبحث عن وسيلة للفرار”.

بعد معركة استمرت عاما مع الإدمان، دخل السجن. ويعتقد ألفين، الذي يبلغ سنه حاليا 71 عاما، إن تدمير منزله هو السبب الأساسي لمعركته مع الإدمان.

يقول: “عندما أتذكر الماضي، أشعر وكأننا كنا نعامل معاملة الحيوانات والمنبوذين”.

حساب ثمن العنصرية

تجارب مثل تلك التي عاشتها أسرة ألفين تايلور هي أحد أسباب تشكيل ولاية كاليفورنيا للجنة خاصة. لكن كيف يمكنك تحديد قيمة التعويضات التي يجب منحها لمن تضرروا من العنصرية؟

لحساب الثمن، فحصت اللجنة الخاصة بيانات الولاية المتعلقة بالتبعات المالية للأضرار ضمن خمس فئات : الصحة، التفرقة السكنية، الاستيلاء غير العادل على الممتلكات، خفض قيمة المشاريع التجارية التي يمتلكها السود، السجن الجماعي وعنف الشرطة. تقول اللجنة إن قائمة الأضرار هذه ليست جامعة، ويمكن إضافة المزيد إليها في المستقبل، وهو ما قد يؤدي إلى زيادة التكلفة الكلية لتصبح أكبر من المبلغ الذي حدده التقرير، وهو 1.2 مليون دولار للفرد الواحد.

ترغب اللجنة في أن تكون حساباتها بمثابة تقديرات متحفظة ذات أغراض تعليمية – للتشديد على أن للعنصرية في أمريكا ثمنا ماديا.

ولكن تحدي تقرير قيمة التعويضات سوف يقع في نهاية المطاف على عاتق مشرعي ولاية كاليفورنيا، الذين سيصوتون على ما إذا كان ينبغي تنفيذ التوصيات المنصوص عليها في التقرير. وقد يقررون إعطاء المتضررين جزءا فقط من المبلغ الموصى به، أو تعويضهم بطرق أخرى، من خلال إعفائهم من تسديد قروض أو غير ذلك من البرامج التعليمية.

يشار إلى أن الولاية تعاني حاليا من عجز في الميزانية، وقد تكهن البعض بأن حاكم كاليفورنيا غافين نيوسم، الذي ينتمي إلى حزب المحافظين، على الأرجح لن يؤيد منح تعويضات نقدية تصل قيمتها الكلية إلى مليارات الدولارات.

كان نيوسم قد صرح قائلا في وقت سابق: “التعامل مع إرث العبودية أكبر بكثير من مجرد تعويضات نقدية”.

وبوصفه ابنا لمهاجرين، يقول عضو مجلس نواب كاليفورنيا بيل عسيلي إنه يشعر بأنه ليس من العدل أن يجبَر جميع سكان الولاية على دفع تعويضات.

ومضى قائلا: “أسرتي ليس لها صلة بالعبودية. وولاية كاليفورنيا لم تشرع الاستعباد مطلقا..أظن أن العنصرية هي جزء قبيح من الإنسانية، ولا أفهم كيف يمكننا قياس حجم العنصرية التي تعرضت لها فئة ما”.

أما بالنسبة للمحامي دونالد تاماكي الناشط في مجال الحقوق المدنية، والعضو غير الأسود الوحيد باللجنة الخاصة، كانت ردود الفعل السلبية على التقرير محبطة ولكن متوقعة.

يقول تاماكي إن المنتقدين أصيبوا بصدمة تشبه تلك التي تصيب متسوق عندما يكتشف الثمن الباهظ لسلعة يحاول شراءها، لأنهم لم يعتادوا اعتبار التعويضات جزءا من الالتزامات المجتمعية. ويشبّه تاماكي تمويل التعويضات باستخدام أموال الضرائب التي يدفعها شخص ما في تمويل المدارس العامة حتى وإن لم يكن لديه أطفال.

لكن هناك سابقة للتعويضات النقدية يعرفها تاماكي عن قرب.

فقد كانت أسرته من بين 120 ألف أمريكي من أصل ياباني أجبروا على ترك منازلهم والإقامة في مخيمات اعتقال تديرها الحكومة في بداية الحرب العالمية الثانية.

في عام 1983، كان تاماكي من بين أعضاء فريق قانوني ساعد على تمهيد الطريق أمام إصدار قانون الحريات المدنية لعام 1988 والذي تضمن اعتذارا رسميا عن مخيمات اعتقال اليابانيين، وقضى بدفع مبلغ 20 ألف دولار لكل معتقل سابق كان لم يزل على قيد الحياة.

يقول تاماكي: “بالنسبة لغالبية الأمريكيين من أصل ياباني، كان الأمر يتعلق باسترداد كرامتهم”.

‘لن يستطيع أي مبلغ من المال تعويضنا عما حدث’

بعد أعوام من هدم مدينة بام سبرينغز لمنزل الأسرة، تمكنت والدة بيرل وألفين أخيرا من شراء منزل جديد، وكذلك الأرض المقام عليها ذلك المنزل.

تقول بيرل تايلور ديفرز عن والدتها: “كانت تشعر بإثارة شديدة وهي تخبر شقيقتها..كانت متيقنة من أن هذا المنزل لن يتم حرقه أو انتزاعه منها”.

وتضيف أن الصمود والإصرار، ليس فقط على إعادة البناء ولكن أيضا على الازدهار، هو جوهر ما يعنيه كون المرء أسودا في أمريكا. لكن لذلك ثمن باهظ.

في كلمة ألقتها الشهر الماضي في تجمع أقيم بمناسبة ذكرى تحرير العبيد في أمريكا على بعد نحو كيلومتر واحد فقط من موقع منزل أسرتها القديم، حثت تايلور ديفرز نظراءها من ضحايا القطاع 14 على التحلي باليقظة خلال معركتهم من أجل تحقيق العدالة ورد الاعتبار.

أومأ ألفين الذي كان من بين الحضور برأسه في إشارة على الموافقة. في وقت لاحق من ذلك المساء، شق طريقه بحذر وسط أحجار الصحراء والشجيرات ليقف فوق الأساس الإسمنتي الذي كان في وقت من الأوقات منزل أسرته.

بعد مرور 60 عاما، لا تزال الأرض خاوية ولم يتم تطوير المنطقة.

يقول ألفين: “لا يوجد حرفيا أي مبلغ من المال يمكنه أن يعوضنا عن الضرر الذي حدث. نحن ندرك ذلك. لكني أعتقد أن فكرة محاولة منح أي نوع من التعويض سوف يكون لها أثر إيجابي”.

مسؤلية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.

Comments are closed.