الهوية الجنسية: لماذا النساء أكثر مرونة من نظرائهن الرجال بشأن هذه المسألة؟
الطريقة التي نفكر بها في الحياة الجنسية تتغير يوماً بعد يوم. فقد كان ثمة علم “قوس قزح” واحد ذات يوم، أما الآن، فترى مجموعة واسعة من الأعلام الملونة المرفرفة كدليل على تنوع الميول الجنسية.
يبدو أن الناس باتوا منفتحين بشكل متزايد على مناقشة حياتهم الجنسية، وأصبحت الهويات غير التقليدية، وحتى “غير المرئية” سابقاً ، جزءاً من الخطاب السائد بشكل متزايد.
ومع الحوار المفتوح، أصبحت الهويات الجنسية أقل جموداً وأكثر تحرراً ومرونة.
لكن البيانات الجديدة تظهر أن هذا التحول أكثر انتشاراً بين مجموعة واحدة بعينها. ففي العديد من البلدان الآن، تتبنى النساء موقفاً أكثر انفتاحاً ومرونة بشأن هويتهن الجنسية بمعدلات أعلى بكثير مما كانت عليه في الماضي، وأكثر من الرجال بشكل عام.
إذاً، ما الذي يفسر هذا التناقض؟
يعتقد الخبراء أن هناك العديد من العوامل التي تعزز هذا التقدم، لا سيما التغيرات في البيئة الاجتماعية التي سمحت للمرأة بالخروج من الأدوار والهويات التقليدية للجنسين.
ولكن، مع تدفق هذه الأفكار الجديدة، يطرح السؤال التالي نفسه: ماذا تعني “المرونة الجنسية” لجميع الأجناس في المستقبل؟
ما حكاية الكاهن الذي أعلن عن مثليته في عمر الـ 91؟
التربية الجنسية: حلقات تلفزيونية تتحدى المحظور
ما العمر المناسب لممارسة الجنس لأول مرة؟
دراسة بريطانية: مراهقو اليوم أقل ميلا لممارسة الجنس
تحول ملحوظ
عكف شون ماسي، وزملاؤه في مختبر “بينغهامتون للأبحاث المتعلقة بالميول الجنسية لدى الناس” في نيويورك، على دراسة السلوكيات الجنسية لمدة عشر سنوات تقريباً. وفي كل دراسة من دراساتهم، طلبوا من المشاركين الإبلاغ عن جنسهم وميولهم الجنسية.
لم ينظروا سابقاً في كيفية تغير هذه البيانات مع مرور الزمن، حتى أدرك ماسي وزملاؤه مؤخراً أنهم كانوا جالسين على كنز من المعلومات حول مسألة الانجذاب والميل الجنسي.
يقول ماسي، الأستاذ المشارك في دراسات المرأة والجندر والجنس في جامعة بينغهامتون: ” فكرنا وقلنا، يا إلهي، لقد جمعنا هذه البيانات لمدة عشر سنوات، لماذا لا نعود إليها لننظر ما إذا كانت هناك أية ميول؟”.
ووجدوا أنه بين عامي 2011 و 2019 ، ابتعدت النساء في سن الجامعة بشكل متزايد عن إقامة العلاقات الجنسية مع الجنس الآخر.
كما انخفض عدد النساء اللائي يمارسن الجنس مع الرجال حصراً خلال تلك السنوات. وفي الوقت نفسه، ظل انجذاب الرجال والسلوك الجنسي ثابتاً تقريباً خلال نفس الفترة.
وأبلغت حوالي 85 في المئة من النساء عن انجذابهن جنسياً للنساء فقط، و 90 في المئة منهن عن ممارسة الجنس مع النساء حصراً.
وقدمت استطلاعات أخرى من جميع أنحاء العالم، بما في ذلك المملكة المتحدة وهولندا، نتائج مماثلة. فقد تحدثت أعداداً أكبر من النساء في جميع المجالات، عن انجذابهن لنفس جنسهن أكثر من الجنس الآخر على مدار العام، مقارنة بنظرائهن من الرجال.
وفي عام 2019 ، أفادت 65 في المئة من النساء أنهن ينجذبن فقط إلى الرجال، وهو انخفاض ملحوظ عن 77 في المئة في عام 2011.
كما انخفض عدد النساء اللائي يمارسن الجنس مع الرجال فقط بين تلك السنوات.
وفي الوقت نفسه ، ظل انجذاب الرجال والسلوك الجنسي ثابتاً تقريباً خلال نفس الفترة الزمينة، حيث أبلغ حوالي 85 في المئة عن انجذابهم الجنسي للنساء فقط، وأبلغ ما يقرب من 90 في المئة عن ممارسة الجنس مع النساء حصراً.
وأظهرت استطلاعات أخرى من جميع أنحاء العالم، بما في ذلك المملكة المتحدة وهولندا ، نتائج مماثلة. وفي جميع المجالات، أبلغ عدد أكبر من النساء عن انجذابهن أكثر للنساء على مدار العام مقارنة بنظرائهن من الرجال.
القوة والحرية
تقول إليزابيث مورغان، أستاذة علم النفس المشاركة في كلية سبرينغفيلد في ماساتشوستس بالولايات المتحدة: “كل هذا معقد للغاية بحيث لا يمكن ربطه بشيء واحد”.
لكن أدوار الجنسين – وكيف تغيروا أو لم يتغيروا – قد تكون عاملاً مهماً في هذه التحولات.
ويعزو ماسي وزملاؤه ذلك إلى حد كبير إلى التغيير الملحوظ في التحولات الثقافية، مثل تقدم النسوية و الحركة النسائية، والعاملان غيّرا المشهد الاجتماعي والسياسي بشكل كبير على مدى العقود العديدة الماضية، إلا أن هذه التغيرات أثرت على الرجال والنساء بشكل مختلف.
يقول ماسي: “لقد تم حقاً إحراز تقدم فيما يتعلق بدور المرأة، وبدرجة أقل في دور الرجل لدى الجنسين”.
لكن لا يستبعد تأثير حركة ” PlusLGBTQ ” على الأشخاص الذين يعتبرون مرنين جنسياً اليوم، ويعتقد ماسي أن النسوية والحركة النسائية تلعبان دوراً في تحديد المزيد من النساء لهذه الطريقة أكثر من الرجال، خاصةً أنه لا توجد حركة رجال مكافئة تمكن الرجال من الخروج من القيود التاريخية القائمة على الجنس بنفس الطريقة.
وتقول مورغان: “قبل خمسين عاماً، لم يكن بإمكانك أن تحظي بحياة مستقرة ما لم تتزوجي برجل يعيلك”. وبهذا المعنى، فإن الخروج عن ثنائية الرجل والمرأة الحصرية يمكن أن يُنظر إليه على أنه جزء من خروج المرأة عن الأدوار التقليدية للجنسين.
وبينما تمكنت النساء من الحصول على حرية أكبر، ظلت أدوار الرجال ثابتة نسبياً مع استمرارهم في الاحتفاظ بالسلطة في المجتمع.
تقول مورغان: “يحتاج الرجال إلى التمسك بدور الرجل الذكوري جداً للحفاظ على هذه القوة، كما أن العلاقة الجنسية بين الجنسين هي جزء من هذه الذكورية”.
ويقول ماسي: “قد يقلل الرجال من التعبير عن اهتمامهم بنفس الجنس من هذه القوة، فالذكورة مفهوم هش، قد يُنتهك بالانجذاب لنفس الجنس”.
كما أشارت مدربة ومربية الجنس فيوليت تورننغ إلى “فتنة” امرأتين تمارسان الجنس معاً وتحديداً تحت نظر الرجل.
لقد بات الانجذاب الجنسي بين النساء أكثر قبولاً اجتماعياً، وإن كان ذلك لأسباب خاطئة. وفي نفس الوقت، يبدو أن الناس يجدون فكرة ممارسة رجلين للجنس أقل قبولاً بكثير.
ووجدت دراسة أجريت في عام 2019 بحثت في المواقف تجاه الرجال والنساء المثليين في 23 دولة، أنه بشكل عام، “ينبذ المجتمع الرجال المثليين أكثر من النساء المثليات”.
حوار صريح
كما ازدادت أيضاً المساحات المتاحة للنساء للتحدث عن حياتهن الجنسية علانية بمرور الزمن.
عندما بدأت ليزا دايموند، أستاذة علم النفس ودراسات الجندر في جامعة “يوتا” بالولايات المتحدة، دراسة “المرونة الجنسية” في أوائل التسعينيات، ركزت أبحاثها على الرجال.
وتقول إن العديد من المشاركين في الدراسة كانوا من مجموعات دعم المثليين ومعظمها من الذكور لذلك كان من السهل على الباحثين العثور على الرجال.
لكن دايموند أرادت أن تبحث في النشاط الجنسي للمرأة.
بدأت بدراسة أجرت فيها مقابلات مع 100 امرأة حول توجهاتهن وسلوكياتهن الجنسية كل عامين على مدار عقد من الزمان.
نُشر كتابها “المرونة الجنسية: فهم حب المرأة ورغباتها” عام 2008. ويناقش الكتاب أشكال الحب والجاذبية لدى بعض النساء المرنات وإمكانية تغيره بمرور الزمن.
كان هذا على خلاف مع الخط الفكري السابق الذي صور التوجه الجنسي على أنه جامد (وجهة نظر يتبناها الرجال فقط) كما هو الحال لدى الرجال حسبما اظهر بحث دايموند.
في الوقت الذي نُشر فيه كتابها تقريباً، تحدثت بعض الفنانات الأمريكيات مثل سينثيا نيكسون وماريا بيلو، اللتين ومرتا بعلاقات مع الرجال، عن تجربة انجذابهن لنظيرتهن من النساء.
ثم دعت أوبرا وينفري، دايموند إلى برنامجها للحديث عن المرونة الجنسية لدى النساء. وقد دخل المفهوم والممارسة رسمياً في الحوارات السائدة حالياً.
بالإضافة إلى ذلك، لاحظت تيرنينغ أن اللغة قد تطورت للاعتراف بالنساء على أنهن لسن فقط منجذبات جنسياً للجنس الآخر.
فعلى سبيل المثال تقول تيرنينغ إنه كان هناك في مدرسة شريكتها المثلية الثانوية “تحالف المثليين الحصريين” في عام 2007.
حرم هذا التوصيف، “الثنائية” التي تعني الأعضاء إما مثليين أو أسوياء مع عدم وجود خيارات حقيقية لأولئك الذين ربما حددوا ميولهم في مكان ما بين الميلين، النساء من الكلمة المناسبة التي تصف ميولهم الجنسية.
الآن، يبدو الأمر كما لو أن كل شخص لديه خيار التعريف بنفسه على أنه مثلي الجنس، لأنه مقبول جداً، بحسب تيرنينغ ، التي تقول إن الكلام والمصطلحات تطورت لتشمل الأشخاص من جميع الأجناس بما في ذلك النساء.
ما مستقبل المرونة الجنسية؟
قد تكون المرونة الجنسية في طريقها لدخول مساحات أكثر ذكورية. فعلى موقع تيك توك، مثلاً، أصبح من الشائع أن يلعب الشباب الأسوياء دور مثليي الجنس في مقاطع الفيديو الخاصة بهم. ويستمتع معظم متابعيهم الذين هم من الإناث بذلك، وفقاً لمقال نشرته صحيفة نيويورك تايمز حول هذا الاتجاه.
وبغض النظر عما إذا كان هؤلاء المبدعون مرتاحون أم لا في القيام بلعب دور شخصية مثلية من أجل الحصول على أكبر عدد من الإعجابات على فيديوهاتهم، فإن هذا الاتجاه لا يزال يشير إلى تغيير المواقف تجاه الذكورة، مما قد يمهد الطريق لمزيد من الرجال لاحتضان المرونة الجنسية في المستقبل.
وقد تساعد النساء المرنات جنسياً أيضاً في تمهيد الطريق: المزيد من النساء اللواتي يناقشن بصراحة توجهاتهن المرنة يعني المزيد من الناس يناقشون بدائل للجنس الجامد بشكل عام.
تقول دايموند: “ثقافتنا تحمّل الجنس مقداراً كبيراً من العار”. وتضيف أن “أي شيء يجعل الأمر أسهل وأكثر قبولاً اجتماعياً للناس للتفكير في رغباتهم الجنسية بطريقة مريحة دون الشعور بالعار يعطي الفرصة لاكتشاف المرء حقيقة ميوله الجنسية أو على الأقل يسمح له بالتفكير في فكرة القيام بذلك.
ويضيف ماسي: “نحتاج أولاً إلى تحرير الرجال من الثنائية الجنسية الإجبارية والذكورية التقليدية”.
وقد يسفر ذلك عن نتيجة مختلفة، أو ربما يعطي نتيجة مماثلة لدى النساء من حيث إفساح المجال لمزيد من التنوع في الحياة الجنسية”.
Comments are closed.