“أفضّل أن أكون امرأة بطيئة وسعيدة على أن أكون رجلا سريعا تعسا”

فالنتينا بيتريلو

©Ethnos
فالنتينا بيتريلو

قد تصبح فالنتينا بيتريلو هذا العام أول امرأة عابرة جنسيا تشارك في الألعاب شبه الأولمبية (للرياضيين ذوي الإعاقة).

وبالنسبة للاعبة الإيطالية ذات الإعاقة البصرية، سيكون اختيارها ضمن المنتخب الوطني بمثابة حلم لها تحقق، لكنها تقول إنها تتفهم سبب شكوك وتساؤلات لاعبات أخريات بخصوص خوضها سباقا ضدهنّ.

تقول فالنتينا بيتريلو: “أنا سعيدة كامرأة، وكل ما أريده هو الجري كامرأة. لا أريد أي شيء آخر”.

“هناك نار مشتعلة داخلي تدفعني للأمام. لدي قوة عاطفية. وجسدي الآن مختلف عما كان عليه عندما كنت في العشرين من عمري، حينها كنت في قمة نشاطي، لكن سعادتي تدفعني للأمام ولتجاوز حدودي”.

بدأ شغفها بالركض في سن مبكرة، لكن تلاشى كل ذلك على ما يبدو في سن الرابعة عشرة، عندما شُخصت إصابتها بمرض ستارغاردت، الذي يتسبب بانتكاس جزء من شبكية العين المسؤول عن الرؤية المركزية، ولا يوجد علاج له.

وبعد إنهائها دراستها في مسقط رأسها في مدينة نابولي، انتقلت إلى مدينة بولونيا (في شمال إيطاليا) في عمر العشرين لدراسة علوم الكمبيوتر في معهد المكفوفين.

وعندها عادت لمزاولة الرياضة من جديد، وأصبحت عضوة في فريق كرة القدم الوطني الإيطالي للأشخاص الذين يعانون من فقدان البصر.

وعندما وصلت إلى سن الحادية والأربعين بدأت أخيرا في الجري وفازت بـ11 لقبا وطنيا خلال ثلاث سنوات عن فئة الرياضيين الرجال الذين يعانون من إعاقة بصرية.

تبلغ الآن من العمر 47 عاما، وتدرك أن هذه فرصتها الأخيرة لخوض منافسات الألعاب شبه الأولمبية، لكنها تريد الاستمرار في رياضة الجري سواء وصلت إلى بطولة طوكيو أم لا.

وفي سبتمبر/أيلول الماضي شاركت رسميا في أول سباق لها كلاعبة ذات إعاقة في البطولة الإيطالية وفازت بالميدالية الذهبية في سباقات 100 متر و 200 متر و 400 متر.

فالنتينا بيتريلو

©Ethnos
فالنتينا بيتريلو

_________________________

بسبب نشأتها في نابولي في سبعينيات القرن الماضي، تقول فالنتينا بيتريلوإنها كانت “محنّكة” في صغرها وغالبا ما كانت تتعارك مع الآخرين. “كنت أدافع عن أخي الذي يكبرني بثلاث سنوات! وحتى أربع سنوات مضت، إذا تحدثت معي (وكان اسمها فابريزيو كما أطلق عليها عند الولادة)، لكان فابريزيو قد بدا لك كشخص متحيز ضد النساء، يتحدث عنهن باستخفاف لكنه يصبح امرأة عندما يكون وحده”.

تتذكر بوضوح اليوم الذي ارتدت فيه تنورة والدتها لأول مرة، وكانت في التاسعة من عمرها: “كان شعورا لا يصدق”. لكنها عرفت أنه عليها عدم إخبار أي شخص، لأنه كان لديها ابن عم عابر جنسيا طرده والده من المنزل.

ثم حققت كل ما توقعه منها المجتمع: درجات جيدة في المدرسة ووظيفة مستقرة، وأصبح لها زوجة وابن – لكنها مع ذلك لم تكن سعيدة.

لم يكن هناك حدث معين، لكنها يوم 14 يوليو/تموز 2017، أدركت أنها لم تعد قادرة على إخفاء سرها.

“لم أكن قد خططت لذلك. كنت في الفراش مع زوجتي، على وشك النوم، وقلت لها: تذكرين أنني أخبرتك أنني ارتديت مرة زي امرأة؟. قالت: نعم، فقلت لها: في الواقع لم تكن مرة واحدة ، أنا أفعل ذلك كل يوم”.

وبدعم من الزوجة، التي تجاوزت صدمتها، بدأت فالنتينا تعيش حياتها كامرأة عام 2018، وفي يناير/كانون الثاني 2019 بدأت العلاج بالهرمونات، مما أثر عليها جسديا وعاطفيا.

“لم أعد الشخص النشيط ذاته. زاد وزني في الأشهر الأولى من العبور 10 كيلوغرامات. لم يعد بإمكاني تناول الطعام بالطريقة ذاتها، فأصبت بفقر الدم، وانخفض الهيموجلوبين، وصرت دائما أشعر بالبرد، وفقدت كثيرا من قوتي الجسدية، ولم يعد نومي كما كان، وصارت لدي تقلبات مزاجية”.

“لم أعد كما كنت ولم يعد فابريزيو موجودا”.

أثناء التمرين

©Ethnos

صمم العلاج الهرموني للنساء العابرات لخفض مستويات هرمون التستوستيرون ورفع مستويات هرمون الاستروجين.

وتقاس كميات الهرمونين في وحدة تسمى مول (Mole). قبل بدء العلاج، كان لدى فالنتينا حوالي 20 نانومول من هرمون التستوستيرون في كل لتر من الدم. ومنذ عام 2015، طلبت اللجنة الأولمبية الدولية (IOC) من اللاعبات بأن تكون النسبة أقل من خمسة نانومولات من هرمون التستوستيرون في كل لتر من الدم، ومعظم النساء لديهن أقل من اثنين نانومول لكل لتر. وأصبح لدى فالنتينا الآن أقل من اثنين نانومول لكل لتر.

وبعد ستة أشهر من بدء العلاج، خسرت من سرعتها في الركض حوالي 11 ثانية في سباق 400 متر، و 2.5 ثانية في سباق 200 متر – الذي يعتبر تخصصها الرياضي، لكنها كانت سعيدة بهذه التضحية.

“كرياضية، من الصعب تقبل أني لن أكون سريعة كالسابق. لكن كان علي قبول هذا من أجل سعادتي”.

وأصبح شعار فالنتينا: “أفضل أن أكون امرأة سعيدة وبطيئة على أن أكون رجلا سريعا تعسا”.

وفي الواقع، هي ليست بطيئة، بل أبطأ فقط، وتشهد على ذلك ميدالياتها الذهبية في البطولة الإيطالية في سبتمبر/أيلول الماضي.

كما قدمت أيضا أداء جيدا في المنافسة ضد نساء غير معوقات، لكن بعضهنّ احتج على أن المرأة العابرة تتمتع بمزايا أكبر.

فالنتينا بيتريلو

©Ethnos

أرسلت فوستا كويليري، وهي محامية وعدّاءة التماسا إلى رئيس اتحاد الرياضيين الإيطالي وإلى كل من وزارة تكافئ الفرص والرياضة، متحدية أحقية فالنتينا في التنافس في سباقات السيدات.

وتقول: “إن تفوقها الجسدي واضح جدا بحيث تصبح المنافسة ظالمة”، وترى بأن تركيز اللجنة الأولمبية الدولية على نسبة هرمون التستستيرون حصريا أمر “لا معنى له” لأن اللياقة البدنية عامل مرتبط.

ووقع على العريضة أكثر من 30 رياضيّة.

وتقول كويليري: “إذا أرادت الركض معنا، سنكون سعداء بذلك. وسنرحب بها دائما لكننا لا نريدها أن تنافسنا على الألقاب”.

وحزنت فالنتينا لأن عددا من النساء رفض التقاط صور معها في إحدى المرات، لكنها تقول إنها تتفهم رد فعلهن هذا. “قلت لنفسي: فالنتينا، لو كنت امرأة بيولوجيا وصادفت امرأة عابرة تنافسك على اللقب فكيف ستشعر؟” لذلك أعتقد أن شكوك اللاعبات وأسئلتهن مشروعة”.

ومع ذلك ، فهي تدافع عن حقها في المنافسة على فئة السيدات.

“أنا أحترم وأمتثل لقواعد اللجنة الأولمبية الدولية وألعاب القوى العالمية، وأجري الاختبارات المطلوبة. لذلك لا أشعر أنني أسرق أي شيء من أي شخص”.

_________________________________

فالنتينا تتفقد ساعتها لمعرفة الوقت

©Ethnos
فالنتينا تتفقد ساعتها لمعرفة الوقت

– حتى وقت قريب، كانت فالنتينا تنافس ضمن فئة الألعاب شبه الأولمبية (T12)، وفي شهر أبريل/نيسان، أعيد تصنيفها ضمن فئة (T13) – أي مجموعة العدائين ذوي الإعاقة البصرية الأقل خطورة.

– تجد فالنتينا أحيانا صعوبة في رؤية خطوط المسار، خاصة بعد المطر – تفضل أن تكون الخطوط بيضاء على مسار أزرق.

– وعند المنافسة مع متسابقين غير معاقين، لا يمكنها رؤية خط النهاية، كما تقول، لذلك لا تعرف متى عليها أن تقوم بالاندفاع النهائي.

________________________________

تشارك فالنتينا في دراسات تقودها جوانا هاربر، من كلية الرياضة والتمرين وعلوم الصحة في جامعة لوبورو البريطانية، حول تأثيرات العلاج الهرموني على الرياضيات العابرات.

وكانت هاربر هي نفسها عداءة عابرة جنسيا، لذلك كانت في وضع فريد لدراسة آثار العلاج بالهرمونات على الأداء الرياضي.

وتقول: “النساء العابرات جنسيا هن بالمتوسط أطول وأكبر وأقوى من النساء المتوافقات مع الجنس البيولوجي الذي ولدن عليه، حتى بعد العلاج بالهرمونات، وتعد هذه مزايا في العديد من الألعاب الرياضية”.

لكنها تشير إلى أن هناك جانبًا آخر لذلك. “تنخفض الكتلة العضلية والقدرة التنفسية، ويمكن أن يؤثر ذلك سلبا على السرعة والتعافي والقدرة على التحمل”.

“إن العلاج الهرموني لن يحول النساء العابرات إلى نساء بيولوجيات، لكن الهدف، من الناحية الرياضية، هو التخفيف من المزايا التي تكتسبها النساء العابرات بحكم بلوغهن كذكور، إلى الحد الذي يمكن أن تكون فيه المنافسة ذات معنى”.

تقول هاربر، مؤلفة كتاب (Sporting Gender)، إن هذه المنافسة ذات المعنى هي الأساس في كل التصنيفات الرياضية، بدءا من تقسيم الرجال والنساء، ولاعبي كرة السلة طوال القامة، والمبارزين مستخدمي اليد اليسرى، وهذا أسلوب مقبول في الرياضة. “ما لا نسمح به هو وجود ميزة غالبة، لذلك لا نسمح للملاكمين ذوي الوزن الثقيل بالدخول إلى الحلبة مع ملاكمين من وزن الذبابة”، كما تقول.

“هناك كثيرون لا يعتقدون أنه يجب السماح للمرأة العابرة بالمنافسة على الإطلاق، وهناك أيضا كثيرون يعتقدون أنه يجب السماح للمرأة العابرة بالمنافسة على أساس هويتها الجندرية. وأعتقد أنه كسياسة وسطى، يجب أن نسمح بإدراج النساء العابرات ولكن مع وضع بعض التقييدات”.

___________________________________

لم يخض حتى الآن أي رياضي تحدث علنا عن كونه عابر جنسيا منافسات في الألعاب الأولمبية أو شبه الأولمبية، ولكن يبدو أن هذا قد يتغير هذا العام.

حاملة الأثقال، لوريل هوبارد، امرأة عابرة جنسيا مثل فالنتينا، وتتنافس على مكان في الفريق الأولمبي لنيوزيلندا. كذلك هي حال الكندي نيس موربي، الذي أعلن مؤخرا أنه رجل عابر جنسيا، واختير للمشاركة بألعاب طوكيو.

وذكرت مقالة حديثة نشرتها (Outsports) أسماء نساء عابرات أخريات يأملن في المنافسة في الألعاب الأولمبية، لكن فالنتينا هي العابرة الوحيدة المحتمل مشاركتها عن فئة ذوات الإعاقة.

فالنتينا

©Ethnos

وتصف حياتها اليوم كرياضية عابرة جنسيا ولديها إعاقة بصرية على أنها رحلة شاقة لم تنته بعد، لكنها حريصة على مشاركة قصتها.

وتقول: “أعتقد أني مثال إيجابي لامرأة عابرة جنسيا تمارس رياضة تحبها. ربما لو رأيت فالنتينا على شاشة التلفزيون عندما كنت مراهقة، لكانت اختياراتي مختلفة”.

لهذا وافقت على توثيق عبورها بالكامل في فيلم، وتقول إن إنتاج الفيلم الوثائقي هذا ساعدها على تجاوز أحلك لحظات في رحلتها، وفاجأها أيضا.

“تستمتع فالنتينا بصنع هذا الفيلم! إنها حقا كذلك. لم أكن أتخيل ذلك أبدا. هذا شيء آخر لم يكن فابريزيو ليفعله أبدا: فابريزيو لم يكن ليتحدث أبدا على شاشة التلفزيون، أو يجري مقابلات، أو ينطلق. لكن فالنتينا تفعل ذلك”.

مسؤولية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.

مواضيع تهمك

Comments are closed.