2020: كيف أربك وباء كورونا الشعائر الدينية ؟
بدت صور الحرم المكي والكعبة في موسم الحج الماضي، في نهاية يوليو/تموز الماضي، أشبه بمشاهد مأخوذة من فيلم خيالي عن نهاية العالم.
حوادث التدافع حول صحن الكعبة، لم تؤرق سلطات تنظيم الحج السعودية هذا العام، إذ انشغلت الأخيرة بالحدّ من عدد الحجاج، وسمحت للمقيمين فيها فقط بأداء الفريضة، ضمن إجراءات الوقاية من انتشار فيروس كورونا.
مثّل الوباء ضربة لموسم مهمّ يعوّل عليه الاقتصاد السعودي، خصوصاً أنّ الحج هو أكبر تجمّع ديني بشري في العالم، وحضره خلال السنوات الماضية ما يقارب 2.5 مليون شخص.
تحاول السعودية سدّ خسائرها الاقتصادية من تراجع قطاع النفط، عبر تعزيز قطاعات أخرى، أبرزها السياحة الدينية. وقدبلغت أرباح هذا القطاع نحو 20 مليار دولار، عام 2018 بحسب “بلومبرغ”، وكانت السعودية تطمح لرفعها إلى 150 مليار خلال السنوات القليلة القادمة.
بعيداً عن لغة الأرقام، أثّر تشديد الإجراءات الصحية خلال فترة الحج، وما سبقه من تعليق صلوات الجمع في المساجد، والتباعد الاجتماعي خلال صوم رمضان، في معظم الدول ذات الغالبية المسلمة، على الأجواء الروحانية التي تترافق مع تلك المناسبات.
ولم يكن غريباً أن يشعر الناس بأن إجراءات التباعد والاقفال التام، انعكست بشكل سلبي على عاداتهم العبادية وطقوسهم، ما دفع للبحث عن حلول في العالم الرقمي، وأحياناً لتحدّي إجراءات الاقفال والتباعد.
صحيح أنّ معظم المرجعيات الدينية الرسمية من دور إفتاء ووزارات أوقاف ومرجعيات، أعطت المحجورين في منازلهم بسبب الوباء العذر الشرعي للتغيّب عن أداء بعض الفرائض، لكنّ ذلك لم يكن كافياً.
فالتاريخ الحديث للدول ذات الغالبية المسلمة، لم يشهد على انقطاع مماثل عن الصلاة وما يحيط بها من عادات اجتماعية راسخة في الثقافة والأعراف.
هكذا، شهدت إيران في بداية انتشار الوباء تحدياً صريحاً لقرارات السلطات بالتباعد الاجتماعي والإقفال، وانتشرت تسجيلات لزوار للمقامات المقدسة في قم، يتحدون الوباء، ويلعقون أبواب المقامات، مؤكدين أنّ قداسة المكان أقوى من الفيروس.
وشهدت دول أخرى ، خارج الجغرافيا الإسلامية، حالات مماثلة كما حدث في كوريا الجنوبية، حيث تسبّبت تجمعات إحدى الطوائف المسيحية، وتسمى كنيسة شينتشونجي، بانتشار الوباء في البلاد، ما أدى إلى اعتقال مؤسسها لي مان هي.
وكذلك الأمر بالنسبة للكنائس الأرثوذكسية في عدد من دول أوروبا الشرقية، حيث رفض المصلون الالتزام بقرارات التباعد، وفي لبنان، حيث انتشرت تسجيلات لمصلين يرفضون الالتزام بالإجراءات الصحية، ولكهنة ينتقدونها.
ومع تعليق الوباء حركة السفر حول العالم، علّقت الزيارات إلى عدة مقامات مقدسة في العراق، وشهدت احتفالات عاشوراء في العراق وكربلاء تحدياً من نوع خاص، مع توصية المرجعيات الدينية بالتزام الإجراءات الصحية، في حين انتشرت تسجيلات لأشخاص يرفضون ذلك.
وكما فرض نمط عمل وتنقل جديد، ألغى الوباء معظم الاحتفالات الدينية ليس فقط عند المسحيين والمسلمين، بل أيضاً عند أتباع الديانات الأخرى، فألغيت الاحتفالات الهندوسية كافة ومهرجانات عدّة تتطلّب مشاركة جماعية.
وكانت المعركة محتدمة في أوساط اليهود الحريديم بين قرارات المنع، والتقاليد الدينية والاجتماعية الراسخة، بين إسرائيل، والأحياء ذات التجمعات الكبيرة من اليهود الأرثوذكس في الولايات المتحدة، وخصوصاً في مدينة نيويورك.
وكان لإصرار اليهود الحريديم على عدم تغيير نمط حياتهم وصلواتهم، دور في تفشي الفيروس بين صفوفهم، كما كان باباً للنقاش حول العلاقة بين القيود الصحية والحريات الدينية في الولايات المتحدة.
الشهر الماضي، علّقت المحكمة العليا في الولايات المتحدة تنفيذ إجراءات التباعد الاجتماعي في نيويورك، على التجمعات الدينية، بعدما اعتبر جمعيات يهودية أنّ أفرادها مستهدفون بشكل غير عادل بتلك الإجراءات.
وفي الأشهر الأخيرة من العام، خصوصاً خلال الحملات الانتخابية للرئاسة الأمريكية، تحوّلت الكمامات إلى قضية دينية وعنصر مؤثر في خطاب المرشحين.
وكما انتشر خطاب نظريات المؤامرة في أجواء الناخبين المحيطين بدونالد ترامب على وجه الخصوص، كذلك ظهرت جماعات مسيحية متشدّدة، ترفض ارتداء الكمامات، لأنّها “تشويه لخلقة الله”.
ونشر قساوسة معروفون تسجيلات على مواقع التواصل، نالت نسب مشاهدات عالية، يصفون ارتداء الكمامة بأنه “شرذمة لجسد المسيح”، و”إهانة لله”.
وبين النقاش حول الالتزام بإجراءات الوقاية، والأبعاد الروحانية والايمانية السلبية على عادات وتقاليد مثل الجنائز والأعراس والصوم، وغيرها من الشعائر الدينية، يمكن القول إنّ فيروس كورونا غيّر شكل العبادة جذرياً.
فقد حاول عدد من رجال الدين الالتفاف على الإجراءات الوقائية، من خلال عقد الصلوات وبعض الشعائر الممكنة عبر تطبيقات مثل زوم، أو بث قداديس الأعياد عبر شاشات التلفزيون.
في إيطاليا، حيث ضرب الوباء بشكل مأساوي، عقد بعض الكهنة الصلوات على الأسطح وفي ساحات القرى لكي يتمكن الناس من متابعتها في بيوتهم.
وفي مصر ولبنان وغيرها من الدول العربية، بثت قداديس الفصح عبر شاشات التلفزيون، كما بثت صلوات عيد الفطر والأضحى في عدد من الدول عبر بثّ حيّ على فيسبوك.
كما واظب عدد من الشيوخ وعلماء الدين في دول عربية إلى بث صلوات التراويح عبر صفحاتهم على فيسبوك، وإلى تسجيل محاضرات دينية للمهتمين، خصوصاً خلال شهر رمضان.
أفقد الوباء الناس صلتها الروحانية والحسيّة مع الطقوس الدينية، وهي في جزء كبير منها تقوم على الجماعة وعلى اللقاء، كما في الحج، وخصوصاً لدى المسلمين.
مواسم حج أخرى علّقت، ومنها موسم الحج السنوي الايزيدي إلى لالش، المعبد المقدس لدى أتباع الديانة في شمال العراق.
معتقدات مؤمنين كثر، تجعلهم مقتنعين أنّ ايمانهم سيحميهم من الوباء. في الوقت ذاته، عزّر الوباء من صعود نظريات نهاية العالم وتجدّدها، مع قناعة البعض أن الوباء وما رافقه من مدن وشوارع خالية، ومن نسب وفيات عالية، ما هو إلا عقاب، أو من علامات نهاية الزمان.
وفي وقت وجد البعض بتطبيقات الانترنت وسيلة غير سيئة لتسهيل أمور الزواج عن بعض، أصرّ البعض على الاحتفال بزفافه من دون حضور. وتعدّ صور الأعراس بالكمامة من أبرز علامات عام 2020. كذلك شهد هذا العام عقد أول زيجات عبر تطبيقات التواصل الاجتماعي، تفادياً للاختلاط.
في المقابل، كان من غير الممكن إقامة بعض الطقوس والشعائر، عن بعد، مثل قداديس العمادة، أو تبريك المياه خلال أسبوع الآلام. لذلك وجد أحد الكهنة في ميشيغان في الولايات المتحدة وسيلة لإتمام الطقس، عبر استخدام مسدس مياه أخضر عن بعض، وقد انتشرت صورته بشكل واسع على مواقع التواصل.
لم يكن الكاهن الأمريكي وحده من حاول التعامل مع قيود الوباء بطرفة وابداع، بل كان موقع تيك توك مساحة كبيرة للتعبير، خصوصاً خلال فترة عاشوراء، حين اختار بعض المراهقين تقديم واجب العزاء بالحسين عبر أداء ندبيات وتداولها.
هذا الأسلوب بإقامة الشعائر، ولّد نقاشاً جديداً، حول ما قد يكون جائزاً من وجهة نظر دينية أو فقهية، وبين حاجة الناس للتعبير ولمواصلة حياتها بشكل “شبه طبيعي”، وممارسة شعائرها بما هو متاح.
لكن المشكلة الأكبر، كانت في شعائر الحداد والعزاء، فعند الموت أو مفارقة أفراد من العائلة، لا يكون التجمع مساحة لممارسة شعائر الصلاة والجنازة فقط، بل أيضاً وسيلة للتخفيف عن المكلومين ومواساتهم.
كما أنّ الصلاة عن روح الميت، واجب مهم بالنسبة لكافة المعتقدات الدينية، لأنه تكريم للميت، وأشبه بطقس عبور لروحه الى العالم الآخر، حيث سيحتاج لدعاء الأحياء وصلواتهم.
شهدت عدد من المدن والقرى العربية، بحسب شهادات أطباء وطواقم طبية، مشاكل عند دفن بعض المتوفين جراء مضاعفات كوفيد، مع رفض العائلات إجراءات الدفن من دون جماعة.
كذلك، كانت من أكثر المشاهد حزناً، صور دفن الموتى من دون حضور أحد، باستثناء الطواقم الطبية المدججة بملابس الوقاية.
Comments are closed.