مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل تثير “أزمة” بين القوى اللبنانية

لا تزال هناك خلافات عالقة بين لبنان وإسرائيل حول الحدود البحرية

Reuters

علقت صحف ومواقع لبنانية على انطلاق الجولة الأولى من المفاوضات غير المباشرة بين لبنان وإسرائيل لترسيم الحدود البحرية وما صاحب ذلك من جدل في لبنان حول الوفد المفاوِض.

وسادت نبرة يغلب عليها التشاؤم بين الكتاب الذين انصبت أغلب تعليقاتهم على حالة التشظي داخل البلاد والخلاف بين الكتل السياسية على كل شيء، بينما البلد يعاني انهيارًا اقتصاديا وخلافا سياسيا حادا ولم يبرأ بعدُ من تداعيات انفجار مرفأ بيروت.

وقد ثار جدل في لبنان إثر الإعلان عن الوفد المفاوِض الذي ضمّ مدنيين وعسكريين، إذ يصرّ الثنائي الشيعي -حزب الله وحركة أمل- على أن يكون الوفد تقنيا على غرار مفاوضات سابقة.

“لحظة ضعف”

وخصصت جريدة الأخبار اللبنانية المقربة من حزب الله ملفا عن المفاوضات، واعتبرت أن “قرار التفاوض غير المباشر مع العدو يمثل لحظة ضعف سياسية لبنانية غير مسبوقة”.

ورأت الجريدة أن إسرائيل هي “المستفيدة” وأن حاجتها “إلى إطلاق آلية تفاوض مباشر أو غير مباشر مع بلد مثل لبنان، يمثل انتصارا للعدو بمعزل عن نتائجه”.

وتقول الجريدة: “جهّز العدوّ الإسرائيلي أوراقه وأسلحته لبدء التفاوض مع لبنان … ينطلق التفاوض غير المباشر بحضور الوسيط الأمريكي. والأخير، هو السلاح الأقوى في ترسانة العدوّ التفاوضية”.

  • محادثات بين لبنان وإسرائيل بشأن ترسيم الحدود البحرية

وتضيف الأخبار اللبنانية: “العدو الإسرائيلي … في البداية فرض رفع مستوى الوفد المفاوض من تقني إلى سياسي. ثم بدأ الترويج لطبيعة المفاوضات ونتائجها ورؤيته لعراقيلها، مانحًا نفسه صفة مخلّص لبنان من أزمته الاقتصادية التي يريد ‘أعداء إسرائيل’ لها أن تستمر”.

وتتابع: “في المقابل، يمضي لبنان إلى التفاوض بوفد منزوع الشرعيّة دستوريًا وسياسيا وتقنياً. رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب أصدر بيانا أول من أمس رأى فيه أن قرار تأليف الوفد، من قبل رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، مخالف للمادة 52 من الدستور، التي توجب الاتفاق مع رئيس الحكومة خلال التفاوض لعقد المعاهدات الدولية وإبرامها”.

وترى الجريدة أنه بسبب الإصرار على وجود مدنيين في وفد التفاوض من الناحية السياسية فقد “نُزع غطاء الإجماع اللبناني عن التفاوض … فمن غير المفهوم بعدُ سبب الإصرار على وجود المدنيّين في الوفد”.

ويرى موقع المدن اللبناني أن موقف حزب الله وحركة أمل “يشير إلى خلاف كبير مع توجهات رئيس الجمهورية ميشال عون، مع الإشارة إلى أن الإسرائيليين والأمريكيين يصرون على إعطاء طابع سياسي للمفاوضات من خلال الوفد الإسرائيلي الذي تم تشكيله ويضم مستشارًا لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو”.

يقول الموقع: “من غير المعروف إذا ما كان هذا الموقف سيؤثر سلبًا على مسار المفاوضات أو سيعيقها، أم أن الحزب سينجح مجدداً بدفع عون إلى التراجع، أما في حال أصر عون على موقفه والمضي في المفاوضات، يعني أن المشكلة ستكبر بينه وبين حزب الله، إلا إذا لجأ حزب الله إلى مثل هذا البيان الليلي لرفع العتب، ورمي الكرة فقط في ملعب رئيس الجمهورية بشكل علني، بينما تستمر المفاوضات على حالها”.

وينتقد عماد مرمل في جريدة الجمهورية اللبنانية هذا الخلاف على كل شيء في لبنان في ملف “بالغ الحساسية” مثل ترسيم الحدود.

ويقول الكاتب: “إذا كان من المعروف أنّ الداخل اللبناني منقسم على نفسه حتى التشظي، ويحترف المناكفات والنزاعات ‘عالفاضي والمليان’، فإنّ ما ليس مفهوما هو أن ينسحب هذا النمط من السلوك على ملف فائق الحساسية، يتصل بالتفاوض مع العدو الإسرائيلي حول حدود لبنان البحرية وما تختزنه من حقوق نفطية”.

ويضيف: “إنّ مفاوضات صعبة من هذا النوع تحتاج حُكماً إلى تجميع كل عناصر القوة لتحصين موقع الوفد اللبناني، الذي سيجد نفسه بدءًا من الجولة الأولى في مواجهة مجموعة من ‘الثعالب’ الإسرائيلية، التي ستحاول استدراجه إلى كثير من الأفخاخ، متكئة على كتف وسيط أمريكي متعاطف ‘جينياً’ مع تل أبيب”.

ويتابع الكاتب: “إنما، وبدل أن يواجه لبنان الرسمي هذا التحدّي بأفضل الشروط الممكنة، طغت الاعتبارات الضيّقة على حسابات البعض، وتمدّدت بقعة زيت الانقسامات التقليدية إلى الإدارة السياسية المسؤولة عن فريق التفاوض”.

لبنان وإسرائيل: هل التفاوض لترسيم الحدود بداية للتطبيع بين البلدين؟

“اللعبة الجيوسياسية”

سيارة تابعة للأمم المتحدة في منطقة رأس الناقورةReuters

مفاوضات الناقورة عقدت برعاية أممية ووساطة أمريكية

ويتحدث رفيق خوري في جريدة اللواء اللبنانية حسابات “محور الممانعة”، أي حزب الله وحركة أمل.

ويقول: “لا شيء يوحي بأن مطالب ‘الثنائي الشيعي’ التي دفعت الرئيس المكلف مصطفى أديب إلى الاعتذار عن عدم تأليف الحكومة، قد تبدلت كلياً أو حتى جزئياً في التعامل مع الرئيس سعد الحريري … ولا أحد يعرف إن كانت المفاوضات ستصل إلى نتيجة أم أنها ستتعرض إلى تفجير ألغام خطيرة سواء لأهداف تكتيكية أو إستراتيجية. لكن الكل يعرف أن لبنان اصطدم ولا يزال بتناقض الحسابات المحلية والخارجية”.

ويرى خوري أن ارتباط حزب الله بإيران يجعل لبنان رهنًا للحسابات الإقليمية.

ويستشهد الكاتب بقول السفير الأمريكي زلماي خليل زاد الذي تولى التفاوض بين أمريكا وحركة طالبان الأفغانية: “إن إيران تريد إبقاءنا متورطين في أفغانستان من دون أن نربح أو نخسر، لكن أن ندفع ثمنًا باهظا حتى يتم التوصل إلى اتفاق بينها وبين أمريكا”.

ويعلق خوري على هذا قائلا: “وهذا عملياً ما ينطبق على لبنان الذي هو في الحد الأدنى ‘ورقة’ للمساومة بين واشنطن وطهران، وفي الحد الأقصى جزء من الإمبراطورية الإيرانية التي عنوانها ولاية الفقيه. والثمن كبير، سواء كنا مجرد ‘ورقة’ أو مساحة جغرافية. لكن اللعبة الجيوسياسية ليست في اتجاه واحد. والحدود ضاقت كثيراً بين الأحلام والكوابيس”.

كذلك تنتقد نايلة تويني في جريدة النهار اللبنانية هذا الصراع بين القوى اللبنانية، فتقول: “معيب هذا المشهد. مسؤولون يتصارعون على لا شيء. نعم لم يبقَ شيء من الوطن يتقاسمونه. للأسف، هم يعيشون في عوالم بعيدة من الواقع”.

وتضيف نايلة: “كأنهم لم يشاهدوا بيروت المحترقة، المدمرة، الحزينة، البائسة. يتنافسون في المواقف المثيرة، ولا يتبرعون بليرة واحدة للإعمار. يتهافتون لتشكيل وفود، واصدار بيانات عن ‘انجازاتهم’ التي لا تجدها على الأرض”.

وتتابع الكاتب: “مؤسف الواقع الذي بلغناه مع هذه الطبقة السياسية التي تذهب اليوم الى مفاوضات ترسيم الحدود مع اسرائيل منقسمة بعضها على البعض”.

مسؤولية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.

مواضيع تهمك

Comments are closed.