قانون حماية الأمنيين: نسخة معدلة من مشروع “قانون الزجر” لا ترضي تونسيين يحشدون لإسقاطها

متظاهرون أمام مقر البرلمان ضد "مشروع قانون حماية الأمنيين"

Getty Images

#مايتعداش أو “لا يمر” و #حاسبهم وسمان يتداولهما تونسيون بكثافة هذه الأيام عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ويتعهدون بعمل ما يستطيعون لمنع تمرير “مشروع قانون حماية قوات الأمن والديوانة” المعروض على البرلمان للمصادقة أو الرفض.

يرافق الوسمان صور ومقاطع مصورة للمظاهرات التي خرجت في الأيام الأخيرة منادية “بإسقاط مشروع القانون” و”بمحاسبة أفراد قوات الأمن على كل تجاوز أو مغالاة في استخدام القوة”.

مشروع قانون يثير الجدل منذ سنوات:

مشروع القانون المعروض على البرلمان الآن هو نسخة معدلة من مشروع قانون طرح قبل خمس سنوات تحت مسمى “قانون زجر الاعتداء على القوات الحاملة للسلاح” ويعرف اختصارا في التداول ب”قانون الزجر”.

يقول مقترحو القانون وداعموه إنه “ضروري لحماية أفراد القوات الأمنية جسديا ومعنويا”، بينما يقول المعارضون له إنه “سيكون غطاء قانونيا للقمع البوليسي للحريات”.

وتصف النقابات الأمنية حجة الحقوقيين في رفض مشروع القانون “بالمغالطة” وترى فيه شرطا “لتحسين جودة العمل والقضاء على الجريمة.

كان منطلق طرح قانون خاص بالقطاع الأمني في عام 2013 هو “الهجمات الإرهابية” التي استهدفت أفراد الأمن في مناسبات مختلفة.

وتواصل النقابات الأمنية الضغط باتجاه تمرير هذا القانون منذ اقتراحه. وتتجدد تلك المطالبة، وإن خبأت قليلا، كلما جد اعتداء على أحد أفراد قوات الأمن.

ولم تجد النقابات الأمنية في مشروع القانون وقتها أي خلل أو مغالاة.

لكن وزير الداخلية “لطفي براهم” صرح في جلسة استماع في لجنة التشريع العام في البرلمان عام 2017 بأن القانون المطروح بنسخته وقتها يحتاج تعديلا بالتعاون بين اللجنة ووزارتي الداخلية والدفاع، وعلى هذا الأساس أجل طرحه ليعود الآن في هذه النسخة.

وصادقت لجنة التشريع العام في البرلمان، في الرابع والعشرين من شهر يونيو/حزيران 2020، على النسخة المعدلة من مشروع القانون، ليعرض على البرلمان للمصادقة في افتتاح الدورة النيابية الثانية التي انطلقت قبل أيام.

وتقول اللجنة إن التعديلات التي أدخلت على مشروع القانون “تضمن حماية أفراد قوات الأمن دون المساس بحقوق المواطنين وحرياتهم”.

وقالت رئيسة اللجنة، النائبة عن حزب التيار الديمقراطي سامية عبو، في لقاء صحفي إن مشروع القانون في نسخته التي قدمت من طرف الحكومة عام 2015 كان “كارثيا” و”غايته لم تكن حماية الأمنيين وإنما لتكريس الاستبداد” .

بينما تقول عبو إن النسخة المعدلة تسقط صيغة الزجرية والعقوبات “المبالغ فيها” عن مشروع القانون و”تضمن الحقوق الاجتماعية للأمنيين”.

وتخلى التعديل عن عدد من الفصول أبرزها فصل يجرم “المس بسمعة الأمن قصد تحطيم معنوياته والاعتداء على أسرار الأمن الوطني”.

وكان هذا الفصل واحدا من أكثر الفصول إثارة للخلاف وللمخاوف بسبب صيغته الفضفاضة التي قد يذهب التأويل فيها إلى ما يؤسس “قمعا مقننا لحرية التعبير”.

أسقطت اللجنة البرلمانية في مراجعتها هذا الفصل٫ لكن بعض السياسيين والأمنيين يرونه ضروريا ويتمسكون بإعادة طرحه.

ورغم التعديلات التي أدخلت على مشروع القانون كما فصلتها اللجنة البرلمانية، فإن المنظمات الحقوقية ما زالت ترى في النسخة المعدلة “خطرا يتهدد حقوق المواطنين وحرياتهم”.

“حاسبهم”: نرفض مبدأ القوانين القطاعية

وفي حديث لبي بي سي قالت الناشطة وعضوة حملة حاسبهم المناهضة لمشروع القانون أسرار بن جويرة إن الحملة تعارض مشروع القانون شكلا ومضمونا وتعتبره “أساس بناء دولة تمييزية بدل دولة المساواة والعدالة التي يسعى التونسيون لتحقيقها”.

وقالت بن جويرة إن الحملة “ترفض مبدأ القوانين القطاعية باعتبار أن أفراد القوات الأمنية مواطنون تونسيون تطبق عليهم القوانين التونسية التي تطبق على باقي التونسيين على حد سواء”.

وعن النسخة المعدلة من مشروع القانون قالت بن جويرة إن التغييرات التي أدخلت على المشروع الأساسي لم تسقط منه الفصول التي يرون أنها “تكرّس مبدأ الإفلات من العقاب”.

ومثال ذلك الفصل السابع الذي يسقط المسؤولية الجزائية عن الأمني إذا نتج عن استخدامه للقوة أضرار مادية أو بدنية أو الوفاة.

ويشترط الفصل حتمية استخدام “القوة المناسبة” أمام التعرض لـ”وضعية مباغتة بسبب مواجهته لخطر محدق وجسيم ناتج عن اعتداء خاصا أمامه أو على وشك الحصول على الأشخاص والمنشآت الأمنية”.

لكن الرافضين للقانون يرون هذا الفصل محتمِلا لتأويل وتفسير قد ينتج عنه “تفص من العقاب”.

المتظاهرون رفضا لمشروع القانون يرون فيه تشريعا لتفصي أفراد الأمن من العقاب عند الاستخدام المفرط للقوة و سوء استغلال السلطة الممنوحة لهمGetty Images

منظمات حقوقية تونسية ودولية ترفض مشروع القانون

عبرت منظمات حقوقية ومدنية عن رفضها لمشروع القانون بصيغته المعدلة معتبرة إياه ارتدادا عن قدر حرية التعبير الذي اكتسبه التونسيون من ثورتهم ومخالفا لمبادئ دستورية تونسية أهمها مبدأ المساواة ومبادئ حقوقية دولية.

ونشرت الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان يوم الاثنين بيانا وقعت عليه عشرون منظمة وجمعية غير حكومية تونسية يقول إن: “إن مشروع القانون المقترح يتضمّن عقوبات قاسية لجرائم غير واضحة المعالم مثل “المساس بكرامة القوات الحاملة للسلاح”، كما أن المشروع يُجرّمُ الحقّ في التظاهر والتجمّع السلمي وحرية التعبير ويعاقب بقسوة بعض التجاوزات البسيطة التي يمكن أن يقدم عليها شبان مُحتجون ليس لهم أي دوافع إرهابية أو إجرامية”

وكانت منظمة العفو الدولية قد قالت قبل طرح القانون للنقاش في البرلمان في السادس من هذا الشهر إنه “يجب على نواب البرلمان التونسي رفض مشروع القانون” الذي تقول “إن من شأنه أن يعزز إفلات قوات الأمن من العقاب ويحميها من أي مسؤولية جنائية عن استخدام القوة المميتة لحماية المنشآت الأمنية”.

بينما دعت “اللجنة الدولية للحقوقيين” في جنيف النواب إلى “تعديل أو رفض” مشروع القانون التي تقول إن “من شأنه أن يعزّز الإفلات من العقاب عن الانتهاكات التي ترتكبها القوات الأمنية، كما من شأنه أن يقوّض سيادة القانون وحقوق الإنسان”.

وشهدت المظاهرات المناهضة لمشروع القانون اعتقالات لعدد من المتظاهرين أخلي سبيلهم في ما بعد.

كما قال عدد من النشطاء المعارضين للقانون إنهم تعرضوا “لمضايقات أمنية”.

وكانت الصحفية، الناشطة مريم بريبري قد أحيلت إلى المحكمة أمس بتهمة “الإساءة للآخرين عبر شبكات التواصل الاجتماعي”.

وتقول مريم إن “التهمة وجهت إليها بسبب تدوينة على فيسبوك نشرت فيها فيديو يوثق اعتداء أفراد من قوات الأمن على مواطنين”.

جدلية “الحاكم” و”المواطن” في تونس

كانت ثنائية “المواطن” و”البوليس” في تونس معقدة وما تزال.

فالبوليس كجهاز استخدمه نظام بن علي لقمع المظاهرات في بداية الثورة وقبلها ضد المعارضين لسنوات، تشكلت بينه وبين التونسيين عداوة.

لكن أفراد هذا الجهاز تونسيون، مواطنون وجزء من النسيج المجتمعي التونسي تجمعهم بباقي أفراد هذا النسيج علاقات أسرية واجتماعية على اختلاف أشكالها.

كان رفض “القمع البوليسي” أحد محركات الثورة التونسية منذ انطلاقها في 17 ديسمبر 2010.

والثورة التي قامت ضد نظام بن علي الذي أسس لـ”دولة البوليس” التي ثار ضدها التونسيون، وكانت العدالة الاجتماعية صلب مطالبها لا تستثني من مكتسباتها أي مكون من مكونات المجتمع بما فيها “الحاكم”.

هذا الأمر جعل من “الحرب” بين “البوليس” الذي يسمى في العامية التونسية “الحاكم” وبين المدني أي “المواطن” غير حاسمة, تنتصب كل ما جد ما يقسم المكونين ويجعلهما في طرفي نقيض لا يمكن التقاؤهما.

وتكون العلاقة بينهما هنا علاقة فاعل بمفعول به، في الاتجاهين حسب زاوية النظر.

مسؤولية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.

مواضيع تهمك

Comments are closed.