التحرش الجنسي: هل ساهم الفن في انتشاره؟ وما مسؤولية “المؤثرين”؟

امرأة ترسم على حائط "لا للتحرش"

Getty Images

“تطبيع” التحرش الجنسي

لا تزال ردود الفعل عبر مواقع التواصل الاجتماعي في البلدان العربية تتواصل إزاء قضية التحرش الجنسي في مصر، لكن النقاش حولها اتسع ليشمل أبعادا منها: قضية التصوير الدرامي والسينمائي لتلك الظاهرة، والجدل حول دور هذه الوسائط وممتهنيها في “تطبيع التحرش”، من عدمه.

“التطبيع” تقنية قديمة ومعتمدة: تعريض الناس المتكرر للشيء. سيفاجؤون في البداية، لكنهم سيتعودون عليه بمرور الوقت إلى أن يصلوا لمرحلة عدم ملاحظته أساسا، فيسقط من أولويات العقل في التركيز والاستيعاب.

لقد تحولت بعض مشاهد التحرش في الأفلام والدراما إلى “لقطات فكاهية متداولة”، لدرجة أنها ارتبطت في أذهان كثيرين بالكوميديا أكثر من ارتباطها بالتحرش.

https://www.facebook.com/abelrhman.ahmedahmed/posts/822004781284686

وبدا أن صناع تلك الأعمال بنوا حول لتحرش أسوارًا دعائمها “الفن” و”الفكاهة” و”خفة الظل” تحميها من الإدانة والتجريم، وذلك طبعا في سياق الأعمال الفنية، وبعيدا عن كونهم يدينون التحرش الجنسي بصفاتهم الشخصية.

لكن تلك “الفكاهة” يقلدها كثيرون على أرض الواقع، فتصبح كابوسا تصفه المدونة المصرية أمنية إبراهيم لبي بي سي: “نقف شاعرات بالانهزام أمام ضرباتها كساذجات، حتى مع نظراتنا المستهجنة لتصرفات هؤلاء الشباب، أو تعليق بسيط كـ “احترم نفسك” حتى لا نشتبك معهم في أرض ليست لنا وفي معركة خاسرة سلفا، نخرج منها بشعور من الانكسار والحسرة”.

وتضيف أمنية: “لقد زود الممثلون وكتاب السيناريوهات الشباب بذخيرة من الإجابات تصلح لمختلف مواقف الاحتكاك بالنساء، فنسمع عبارات هجومية مثل “شوفي لابسة إيه الأول”، أو “حد جيه جنبك ولا إنتِ عايزة تتعاكسي”، أو “شوفي نفسك الأول دا منظر يتعاكس”.

هذا الأمر، البديهي في ظاهره، محل اختلاف وتبريرات وتأويلات كثيرة لم تغب عن الساحة، رغم احتجابها. وأحياها حديث الممثل المصري الشاب آسر ياسين، في فيديو نشره عبر مواقع التواصل الاجتماعي، عن تصوير الأعمال الدرامية والسينمائية للتحرش كأنه شيء عادي ومقبول.

https://www.facebook.com/asseryassinofficial/videos/2394780574157076/

موقف آسر ياسين، اصطف معه من وافق وهاجمه من خالف.

وذهب بعض من أيده إلى وجوب أن تتخذ جهات رسمية، مثل نقابة الممثلين، خطوة مماثلة في هذا الصدد.

من جهة أخرى، يقول رسام الكاريكاتير ومخرج الرسوم المتحركة “أشرف حمدي” إنه قياسا على دعوة ياسين لصناع السينما والدراما بالابتعاد عن المشاركة في تطبيع التحرش الجسدي عبر أعمال تصوره أمرا مقبولا، فعليهم أيضا عدم تصوير باقي جرائم السرقة القتل وغيرها وعدم التطرق لظواهر كالانتحار والاكتئاب وغيرها.

https://www.facebook.com/Dr.AshrafHamdi2/posts/1190163418007974

موقف ياسين وموقف حمدي يمثلان المجموعتين التين تقفان عند طرفي هذا الجدال.

وبينهما مجموعة لا تستند في هجومها أو موافقتها على قياس ولا تحليل، وإنما تكيل السباب لهذا أو ذاك مساهمة منها في “الترند”.

مسؤولية “المؤثرين”

المؤثرون ليسوا بالضرورة مدوني الموضة والسفر والتجميل وواضعي قواعد الأجساد المثالية. وإنما كل شخص له تأثير على مجموعة من “المتابعين”.

وخارج سياق التمثيل الذي “لا يمت للواقع بصلة” ورغم أن “أي تشابه في الأسماء والأحداث هو مجرد صدفة”، فإن للكتاب والممثلين خاصة تأثير واسع على عقول وفكر متابعيهم.

وتتجاوز متابعة الفنان والتأثر به حدود شاشات السينما والتلفزيون.

ومع الوجود الكبير لهذه الشخصيات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، يتسع نطاق تأثيرهم وتصبح مسؤوليتهم عما ينشرون وما يروجون شخصية ومباشرة.

وفي إطار الجدل ذاته، استخدم اسم الكاتب المصري المعروف “أشرف الخمايسي” كوسم عبر مواقع التواصل الاجتماعي مقترنا بالتحرش.

وذلك بعد تدوينة على فيسبوك، أدلى فيها بدلوه عن موضوع التحرش الجنسي من منظوره “الصعيدي” كما قال، والذي أثار غيرة عدد من “الصعايدة” الذين تبرؤوا من رأيه ذلك.

https://www.facebook.com/100030027457771/posts/329266824750897

https://www.facebook.com/AntikaBookStore/posts/3365572223452796

وبعد الهجوم الشديد عليه، الذي أصبح حملة مقاطعة لأعماله و”تبرأ” من موقفه، كما فعلت مكتبة “أنتيكا”، نشر الخمايسي اعتذارا، ليس عما كتب وإنما عن عدم “تقديم أدلة “دامغة” من دراسات علمية تؤكد وجهة نظره”.

وأعاد ما كتب مضيفا “سندا” من نظريات “سيغموند فرويد” للتحليل النفسي.

لكن الوجه الآخر لصورة الهجوم على “تبرير الخمايسي للتحرش”، نشر وتأييد واستشهاد بما كتب، من قبل كثيرين يقرأون له ويقولون إن كتاباته “ساهمت في نحت أفكارهم وتوجهاتهم”.

“أخلقة الفن”

التفكير في هذا الموضوع ومحاولة الوصول إلى فهم لأسباب الرأيين واختلافهما تمر عبر طرح أسئلة من أهمها: هل للفن دور في إلقاء “دروس” في ما يجوز وما يحرم أو تقديم دليل للسلوك “السليم”؟ أم أنه “مرآة الواقع” يكتفي بعكس صورة ما يقع في المجتمع حسنه وسيئه؟

وهل تقع مسؤولية جنوح مشاهدين لتقليد ما يحدث في هذه الأعمال على صانعيها؟

ويثير هذا أيضا مسألة “مباشرة وصراحة” الرسالة الفنية، بالنظر إلى اختلاف مستويات فهم وتفكير المتلقين.

هل يتعين أن تكون لرسالة مفهومة لكل متلق على بساطة قدراته؟ أم تحتفظ بأسلوبها “المركب”، في أحيان كثيرة، بغض النظر عن اتساع شريحة المستَشِفين للمغزى المرجو؟

إجابات هذه الأسئلة قد لا تكون بأي حال قاطعة، فالأمر هنا محل اختلاف رؤى ووجهات نظر.

مسؤولية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.

مواضيع تهمك

Comments are closed.