بعد الكثير من الجدل حوله..السيسي يرد مشروع قانون الإجراءات الجنائية لمجلس النواب لبحث الاعتراضات عليه
بعد حالة من الجدل، وجه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الأحد برد قانون الإجراءات الجنائية إلى مجلس النواب، لبحث الاعتراضات على عدد من مواد مشروع القانون.
جاء هذا القرار، وفق بيان رئاسي رسمي، لإعادة النظر في بعض مواد القانون “التي تتعلق باعتبارات الحوكمة والوضوح والواقعية، بما يوجب إعادة دراستها لتحقيق مزيد من الضمانات المقررة لحرمة المسكن ولحقوق المتهم أمام جهات التحقيق والمحاكمة، وزيادة بدائل الحبس الاحتياطي للحد من اللجوء إليه، وإزالة أي غموض في الصياغة يؤدي إلى تعدد التفسيرات أو وقوع مشاكل عند التطبيق على أرض الواقع”.
ومن جانبه، أوضح مجلس النواب المصري أنه سيعقد جلسة في الأول من أكتوبر تشرين الأول المقبل لمناقشة القانون، وأنه ستتم دعوة رئيس الوزراء لإعادة النظر في المواد محل الاختلاف.
وخلال أواخر العام الماضي، سادت حالة من الجدل بشأن مشروع قانون الإجراءات الجنائية قبل إقراره من مجلس النواب، وطالب خبراء وإعلاميون وفئات نقابية وحقوقية مصرية عديدة بفتح حوار مجتمعي حول مسودة القانون، لما له من تأثيرات محتملة على المواطنين والمتقاضين وأطراف العدالة كافة بما فيها سلطات إنفاذ القانون، حسب حقوقيين مصريين.
ومنذ الإعلان عن انتهاء اللجنة المنبثقة من البرلمان منذ نحو عام من إعداد مشروع قانون جديد للإجراءات الجنائية، ظهرت تقارير في وسائل الإعلام المختلفة تصف التعديلات بالخطيرة على مشروع القانون الذي يعد “الدستور الثاني”، كونه ينظم مجريات التقاضي الجنائي ويحدد آليات سير المحاكمات وحقوق وواجبات كل طرف من المتقاضين ومحاميهم والنيابة والقضاء وجهاز الشرطة ووسائل الإعلام وفئات المجتمع.
ورفضت بعضَ التعديلات نقابتا المحامين والصحفيين ونادي القضاة استناداً إلى أنها تضر بالعدالة وحقوق المواطن.
هذه ليست المرة الأولى التي يقوم فيها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي برد قانون بعد إقراره من مجلس النواب، ففي 2018، أقرّ مجلس النواب مشروع قانون تنظيم البحوث الطبية والإكلينيكية، المعروف إعلاميًا بـ “قانون التجارب السريرية”، فقام السيسي بعدم التصديق عليه ورده للمجلس لإعادة النظر في عدد من مواده، وذلك بعد حالة الجدل التي أثارها التشريع، وإعلان أوساط علمية وطبية رفضها للقانون، حسب ما أوردت صحف قومية مصرية آنذاك.
وحسب الدستور المصري، يتم طرح مشاريع القوانين سواء من الحكومة أو البرلمان، ثم تبدأ اللجان المتخصصة في البرلمان بغرفتيه في دراستها، ثم تقوم بتمريرها للتصويت عليها في مجلس النواب، وفي حالة إقرار مشروع القانون يتم إرساله لرئيس الجمهورية للتصديق عليه.
ويمنح الدستور رئيس الجمهورية حق الاعتراض على مشاريع القوانين خلال 30 يوماً من تسلمها، وإذا قام الرئيس برد القانون وعدم التصديق عليه، تتم دعوة البرلمان للانعقاد لجلسة طارئة، وإذا أراد المجلس إصدار القانون رغم اعتراض الرئيس، يجب أن يوافق عليه مجدداً بأغلبية ثلثي عدد أعضائه، وفي حال تحقق الأغلبية المطلوبة يُعد القانون نافذاً وملزماً.
لماذا يهم القانون كل المصريين؟
“عندما يضطر المواطن للتعامل مع القضاء يشعر أنه في مغارة لا يعرف ماذا يفعل” هكذا يصف المحامي عصام الإسلامبولي لبي بي سي.
ويضرب الإسلامبولي مثالاً، “فلنفترض أنني كنت أقود سيارة وقمت بإصابة مواطن آخر؛ لو كان عمداً تكون قضية جنائية، ولو كان خطأ تكون قضية جنحة”.
هنا يبدأ عمل القانون كما يقول الإسلامبولي، “تدون الواقعة في محضر الشرطة لإثبات الواقعة، ثم يحال إلى النيابة فى محضر الاستجواب، ثم يحال إلى المحكمة لكي يصدر الحكم ويطبق”.
وكان نقيب الصحفيين خالد البلشي، كتب على صفحته على فيسبوك، قانون الإجراءات الجنائية، “هو دستور نظام العدالة، وهو منتج للإنسانية، وليس لبلد بعينه ولذلك فإن أي تعديلات لا بد أن تخضع لنقاشات جادة، وتقوم على فلسفة واضحة، تحتاج لمشاركة مختلف الرؤى، لأن أي خلل يناله قد يؤدي إلى فقدان الثقة في نظام العدالة”.
ظهر أول قانون للإجراءات الجنائية في مصر عام 1875 تحت اسم “قانون تحقيق الجنايات”، والذي كان مأخوذاً من القانون الفرنسي الصادر عام 1810، وكان يُطبق على المحاكم المختلطة. ثم صدرت مجموعة من القوانين حتى أكتوبر/ تشرين الأول عام 1950 ثم صدر قانون الإجراءات الجنائية الحالي، وقد تعرّض إلى تعديلات كثيرة حتى وقتنا الحالي.
ما سبب تعديلات هذا القانون الآن؟
يتذكر الفقيه الدستوري، “كنت طالبا في كلية الحقوق في الفرقة الثانية عام 1972، وكان الدكتور علي راشد يذكر أن هناك مدونة لتعديل قانون الإجراءات الجنائية ولم ترَ النور حتى اليوم”.
ويقول الإسلامبولي، “مناقشة القانون تأخرت كثيراً، لأنه صدر عام 1950 أي منذ 74 عاماً، وعانينا في أمور كثيرة في التطبيق بسبب هذا القانون وأخطرها الحبس الاحتياطي، مثلاً منذ عام 1953 تم إلغاء سلطة الاتهام وتم دمج سلطتي التحقيق والاتهام؛ فهو قانون يحتوى على الكثير من المخالفات”.
“على مدار السنوات الماضية، منذ صدور القانون تم تقديم أكثر من تعديل قانوني ولكنها ظلت حبيسة الأدراج” يروي الإسلامبولي.
يتابع الإسلامبولي: يعتبر القانونيون “الإجراءات الجنائية” من القوانين المكملة للدستور،”لأنه يحكم إجراءات القبض على المتهم والتقاضى والتعبير عن الرأي والنقد، لذلك هو أخطر قانون يحكم الدولة المصرية”.
ويفرق الفقيه الدستوري بين قانون العقوبات المتعلق بالجريمة ومحاكمة المتهمين، وقانون الإجراءات الجنائية، “في الفقه القانوني يعتبر القانون الذي يحمي الشرفاء والأبرياء لأن هناك قاعدة قانونية أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته”.
يرى النائب إيهاب الطماوي، رئيس اللجنة الفرعية التي كانت المكلفة بإعداد وصياغة مشروع قانون الإجراءات الجنائية، أنه الوقت المناسب لإعداد قانون جديد للبلاد، “القانون الحالي تم إقراره منذ 74 عاما في ظل نظام ملكي، وكانت الحكومة تقدمت بتعديلات في عام 2017، وبعد توصيات لجنة الحوار الوطني بتعديل بعض مواد القانون خاصة المتعلقة بالحبس الاحتياطي استجابة لتوجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي، قررت الحكومة سحب التعديلات والإبقاء أو إقرار المشروع المقدم من اللجنة”.
ويتابع الطماوي، “واجهت لجنة الشئون الدستورية والتشريعية بعض الصعوبات في التعامل مع تعديلات مشروع القانون التي وصلت نسبتها إلى ما يقرب من 85% وبالتالي عند بداية الفصل التشريعي طرح الرئيس السيسي الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان عام 2021، ولذلك كلف رئيس مجلس النواب الدكتور حنفي الجبالي رئيس لجنة الشئون الدستورية والتشريعية بتشكيل لجنة فرعية من كافة الجهات والمتخصصين ذوي الصلة بقانون الإجراءات الجنائية، وشرفت برئاستها”.
هل نحن أمام مشروع قانون جديد؟
يقول ناصر أمين المحامي لدى الجنائية الدولية ورئيس استقلال القضاء، “إن هناك خلل كبير في اللجنة التى أجرت جلسات الاستماع، وتسرع غير مفهوم وغير مبرر”.
ويصف أمين البرلمان الحالي بأنه “غير عادل”، “لأنه انتظر 10 سنوات لتعديل مادة استئناف أحكام الجنايات، ليصبح من حق المتهم استئناف التقاضي على درجتين بدلاً من درجة واحدة”.
وكان دستور 2014 منح البرلمان والسلطة التنفيذية مهلة 10 سنوات لتعديل هذه المادة، ولكن البرلمان انتظر 10 سنوات، “كانت المهلة تنتهي في 17 يناير/ كانون الثاني، وتم تغيير المادة في 16 يناير/ كانون الثاني”، كما يقول أمين.
ويتابع المحامي في اتصال مع بي بي سي، “نحن أمام مسارين لهذا البرلمان؛ الأول تعطيل تعديل المادة، والثاني سرعة في تغيير قانون بأكمله، في أي دولة في العالم لا يتم تعديل القانون بالكامل إلا في حالات الثورات لأن قانون الإجراءات الجنائية قانون يشبه الدستور”.
يرفض النائب البرلماني إيهاب الطماوي في اتصاله مع بي بي سي عربي، الادعاءات بأنه لم يتم مشاركة كافة الأطياف في الحوار، “مشروع قانون الإجراءات الجنائية جرى طرحه للحوار المجتمعي على كافة الجهات خلال فترة طويلة تجاوزت 14 شهراً، وضمت اللجنة في عضويتها ممثلين من اللجان الدستورية والتشريعية والدفاع والأمن القومي وحقوق الإنسان بمجلس النواب، بالإضافة إلى الخبراء المتخصصين من مجلس الشيوخ وممثلين عن الجهات القضائية ووزارات الدفاع والعدل والداخلية ونقابة المحامين والمجلس القومي لحقوق الإنسان وأساتذة من كلية الحقوق جامعة القاهرة”.
وأضاف الطماوي، أن اللجنة المشكلة أعدت مسودة مشروع قانون جديد للإجراءات الجنائية، وليس تعديلات على قانون قديم تقوم فلسفته على الدستور المصري الصادر عام 2014، والاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، التي أطلقها الرئيس عبد الفتاح السيسي عام 2021، كما يتوافق القانون مع كافة المواثيق الدولية ذات الصلة بملف حقوق الإنسان.
وتابع الطماوي أن مشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد يضم 540 مادة في سبعة كتب يضم كل كتاب عدداً من الأبواب والفصول، وبعد الإعلان عن مسودة القانون تم إحالة توصيات ومخرجات جلسة الحبس الاحتياطي إلى الحوار الوطني للحكومة لاتخاذ اللازم، وكانت كلها تتوافق مع التعديلات التي وردت بمشروع قانون الإجراءات الجنائية الجديد، مما دفع الحكومة إلى سحب مشروعات القوانين التي وردت إلى مجلس النواب منذ عام 2017 التي تخص قانون الإجراءات الجنائية، مع اعتبار مشروع القانون الذي أعدته اللجنة الفرعية هو نفسه المقدم من الحكومة.
وفي أغسطس/ آب الماضي، وافق الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، على إحالة توصيات الحوار الوطني للحكومة بشأن أهمية تخفيض الحدود القصوى لمدد الحبس الاحتياطي، والحفاظ على طبيعة الحبس الاحتياطي كإجراء وقائي تستلزمه ضرورة التحقيق، دون أن يتحول لعقوبة.
ويستكمل الطماوي حديثه، “اللجنة كانت منفتحة على استقبال كافة المقترحات والآراء، حيث تم الاستجابة لعدد كبير من المقترحات المقدمة من نقابة الصحفيين والمحامين، وتم رفض بعض المقترحات المقدمة من نفس الجهات”.
ويعتبر النائب البرلماني، أن مشروع القانون الإجراءات الجنائية الجديد يحقق نقلة نوعية في فلسفة الإجراءات الجنائية بموجب المشروع الجديد، حيث اشتمل على مجموعة من الضمانات التي تعزز حقوق الإنسان، ومن ضمنها تقليص مدة الحبس الاحتياطي ووضع ضوابط لتعويض المتهمين عن الحبس الاحتياطي الخاطئ.
يشرح ناصر أمين، القانون يسمى “قانون المتهمين”، “لأنه يضمن حقوق المواطنين أثناء المحاكمات، ويضمن حريات المواطنين في الشارع والمنزل وحرمة حياتهم الشخصية فهو ماس بحياة الناس، لذلك فإن التغيير لا بد أن يكون بحذر وفق فلسفة تؤدى إلى مزيد من الضمانات أكثر مما كانت عليه منذ 70 سنة”.
ويعتبر أمين أن الحديث عن خفض مدد الحبس الاحتياطي “حديث مضلل لأنه يجب الرجوع إلى الأصل، جرى تعديل في 2006 على القانون القديم بحيث لا يجوز حبس المواطن احتياطياً أكثر من 6 أشهر ثم تم رفعه إلى سنة وثمانية أشهر وفي 2013 رُفع إلى سنتين، وفي حقيقة الأمر لم يكن هناك حبس احتياطي في قانون عام 1950”.
وقال مصدر قضائي لبي بي سي، “إن القانون الجديد أضاف تعليمات دستور 2014 التي كانت هي موجودة بالفعل في كتيب تعليمات القضاء، على سبيل المثال الحق في الصمت كان موجودا ونكتب رفض الإجابة، بالطبع لا نجبر أي متهم على الإجابة”.
ويرى المصدر القضائي أن هناك شبهة عدم دستورية في نص المادة 112 من مشروع قانون الإجراءات الجنائية التي ترى من مبررات الحبس الاحتياطي (توقي الإخلال الجسيم بالأمن والنظام العام الذي قد يترتب على جسامة الجريمة). وهذا المبرر لا يصلح سنداً للحبس الاحتياطي، لأن الحبس الاحتياطي ليس إلا إجراء من إجراءات التحقيق لا يجوز مباشرته إلا لمصلحة التحقيق، بما في ذلك حماية الأدلة، وعدم العبث بها، والحيلولة دون هروب المتهم.
- قانون مصري جديد لتنظيم مواقع التواصل الاجتماعي
- كيف يرى المصريون الجدل بشأن حقوق الإنسان في بلادهم؟
- مصر: ما التعديلات التي يحتاجها قانون الأحوال الشخصية؟
🛈 تنويه: موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً أو مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.