“وأنا أحرق كتبي، أحرق نفسي معها”، كيف تحولت الكتب لوسيلة للبقاء على الحياة في غزة؟
لم يتخيل الكاتب والباحث محمود عساف الذي كون مكتبته المنزلية على مدار 35 عاما أن يأتي يوم ويتلقى عرضا من أحد التجار لشرائها لتكون وقودا لأغراض الخبز.
فمع نفاد الوقود وشح الحطب في قطاع غزة، تُستخدم الكتب كوقود سواء للتدفئة أو للخبز في أفران الطين.
ولعرض وجه آخر من الخسارة في قطاع غزة، كتب الدكتور محمود عبد المجيد عساف منشورا على صفحته الشخصية على فيس بوك قال فيه إنه تلقى اتصالًا هاتفيًا من شخص لديه فرن، يعرض عليه شراء ما تبقى من مكتبته لأغراض الخبز على النار، وأنه سيضطر للموافقة لضيق الحال.
يقول الدكتور عساف: “منذ هذه المكالمة، وكأني أقيم المآتم في قلبي، الموضوع بالنسبة لي ليس بسيطا، وقد انتابني الحزن الشديد. هذه المكتبة كانت الصومعة التي أقضي فيها أغلب أوقاتي، فهي مجهزة بكل ما يمكن أن يحتاجه الباحث، أنتجت في هذه المكتبة أكثر من 25 مؤلف شارك أغلبها في المعارض الدولية للكتاب ونشرت أكثر من 100 بحث علمي في مجلات عربية مرموقة وحصلت على أكثر من 10 جوائز دولية من خلال هذه المكتبة. كيف يمكن لهذا الإرث أن يكون وقودا للنار؟”
هنا قُتل السنوار: ماذا نعرف عن المنزل الذي شهد اللحظات الأخيرة من حياة قائد حماس؟
محاسن الخطيب: فنانة تشكيلية من غزة تنبأت بمقتلها في الحرب “وتبرعت بفنها صدقة جارية”، فما قصتها؟
تحتوي مكتبة الدكتور عساف على 30 ألف عنوان، ومع نزوحه وخروجه من منزله في مدينة غزة، حاول الحفاظ عليها بقدر الإمكان حيث كلف أحد الجيران بأن يحافظ على ما تبقى منها بعد ما سطا اللصوص على منزله وسرقوا أغلب محتوياته.
ويضيف الدكتور عساف: “تفاجئت بكم التفاعل والتعاطف مع هذا المنشور والأغلب كان يرفض أن أبيعها لكن ظروف الحياة التي أعيشها لا أعتقد يمكن أن يتخيلها أحد ممن رفضوا عملية البيع، فنحن نعيش في مجاعة حقيقية والمجاعة ليست عدم وجود الطعام ولكن العجز عن شرائه، وبعد كل هذا التعاطف الذي شاركني به الجميع، أعتقد أني لم أمت من الجوع خلال هذا العام وقد أستطيع أن أتحمل أكثر لكني لا أستطيع أن أتحمل نظرات الحرمان في عيون أطفالي، أنا بين المد والجزر بين أن أبيع أو لا أبيع، لكن في كل الأحوال صعب جدا أن أقبل بهذا التنازل أو أن أساوم على قلمي وكتبي.”
وقال برنامج الأغذية العالمي في نوفمبر الماضي، إنه تم إغلاق جميع المخابز في وسط قطاع غزة بسبب نقص الإمدادات الشديد. وذكر أن الخبز كان في أحيان كثيرة الغذاء الوحيد الذي تستطيع العائلات في غزة الحصول عليه- والآن، حتى هذا أصبح بعيدا عن المتناول.
لم يعد لدي ما أخسره
الصدمة التي أصابتني بعد منشور الدكتور عساف لم تكن شيئ أمام الفيديو الذي أرسله لي معتز الدبس مدرس مادة التاريخ، فقد أرسل لي مقطع فيديو وهو يحرق بعض من كتبه التي رافقته في رحلة نزوحه. ويقول:” أول كتاب حرقته كان قاموس للهندسة عبارة عن 1000 ورقة، شعرت أني أحرق قطعة من جسدي، لا يوجد لدينا كهرباء ولا وقود ولا غاز للتدفئة أو للطبخ، حتى الحطب أصبح غالي والخشب وصل سعره لدولار ونصف الدولار لذلك اضطررت لحرق بعض الكتب. اخترت الكتب الثقيلة نوعا ما التي لا أستطيع حملها، فأستغل ورقها في طهي الطعام.”
معتز الشغوف بالقراءة والذي كانت مكتبته الشخصية عبارة عن غرفتين في منزله ممتلئة بالكتب وضمت قبل الحرب حوالي 5000 عنوان، حاول في مرات نزوحه السبعة بعد الحرب الاحتفاظ ببعضها فهي متعته الوحيدة خلال أيام الحرب. فيقول معتز :”حاولت الحفاظ عليهم وأعاملهم مثل أولادي، فأنا أحب الكتب وأحب وجودهم بجانبي. أقرأ كل يوم قبل النوم وعندما أستيقظ، حاليا أقرأ كتاب لنجيب محفوظ. لكن أنا مضطر لحرق بعضها، أنا خسرت كل شيئ ولدي 15 فرد من عائلتي تحت الركام حتى الآن، شعرت أن هذه الكتب لن تكون أغلى من أبي وأخواتي، فصرت أحرقهم، لم يبق أمل في الحياة إلا لقمة العيش عشان نكمل يومنا، أثناء حرقهم، أحرق نفسي من الداخل معها”.
ليس فقط الكتب، الشهادات أيضا تحترق
ووصل الأمر إلى حرق الشهادات وأي أوراق من أجل إعداد رغيف الخبز في قطاع غزة، فتقول ريهام الداية النازحة في دير البلح والحاصلة على بكالوريوس صحافة وإعلام: “عند نزوحي أخذت شهاداتي وشهادات أولادي معي على أمل أن أستفيد منهم فيما بعد، لكن الظروف الصعبة التي نعيشها حيث لا يوجد وقود ولا أي مقومات الحياة، اضطررت أن أحرق شهادتي وشهادات أولادي وأبحاث تخرجي وأوراقي الرسمية لكي أستخدمها كبديل للوقود وأحضر الطعام لأولادي، ماذا سنفعل ؟؟؟ فالحطب غالي وكذلك الخشب، لا يوجد طريقة أخرى لنكفي حالنا وندبر أمورنا، نريد أن نعيش”.
ووفق تقييم للأمن الغذائي في أكتوبر الماضي فإن خطر المجاعة سيستمر في أنحاء غزة خلال فصل الشتاء ما لم يتوقف القتال وتصل مزيد من المساعدات الإنسانية إلى الأسر، وتوقع أن 1.95 مليون شخص في غزة (91 في المئة من السكان) سيواجهون انعداما حادا في الأمن الغذائي (المرحلة 3 أو أسوأ من بين 5 مراحل لتصنيف الأمن الغذائي).
لا تلوموا الفلسطيني الذي يحرق الكتب
وعن مشاهد حرق الكتب، يعلق الكاتب والأديب الفلسطيني يسري الغول: “لا ألوم الفلسطيني الذي يحرق الكتب، لا تلوموه، لجأ الفلسطيني إلى إحراق الكتب لأن لم يعد لديه ما يأكله، الفلسطيني وصل به الحال أن يفكفك أثاث بيته حتى يشعل به النار لطهي طعام للأسف غير موجود، عنما قام الفلسطيني بإحراق الكتب ليس لأنه لا يفقه ولا يدرك أهمية الكتب بل لأنه لا يجد الغاز، نحن محاصرون منذ أكثر من عام، في أولويات للإنسان كما ذكر هرم ماسلو للاحتياجات الانسانية، والأمن الغذائي رقم واحد في الهرم، نحن الآن في غزة نفتقد إلى رقم واحد وهو الأمن الغذائي، لا يوجد طعام لذلك الكتب أصبحت هامش في حياة الفلسطيني، ولكن رغم ذلك نحن نكتب، كل ما لاحت لنا فرصة نكتب ونوثق السردية الفلسطينية”.
وأدت الحرب الدائرة إلى تدمير العديد من المكتبات والمراكز الثقافية في قطاع غزة مثل مكتبة بلدية غزة العامة، ومركز رشاد الشوا الثقافي ومكتبة “ديانا تماري صباغ” المصاحبة له، ومكتبة مركز هولست الثقافي.
- محاسن الخطيب: فنانة تشكيلية من غزة تنبأت بمقتلها في الحرب “وتبرعت بفنها صدقة جارية”، فما قصتها؟
- “كنت أصور غروب الشمس والقمر”
- سنة تحت القصف: قصص من غزة
Powered by WPeMatico
Comments are closed.