اليوم العالمي للطفل: أطفال مصريون “يعانون ازدواجية التعامل” في السجون

سجن

Getty Images

ما يزال أحمد بيومي يتذكر السنتين اللتين قضاهما خلف القضبان متنقلا بين مؤسسة رعاية الأحداث بكوم الدكة بمحافظة الإسكندرية وبين المؤسسة العقابية بالمرج في محافظة القاهرة للأطفال، وهو ابن السادسة عشرة.

وفي حديثه لبي بي سي عربي، يصف أحمد تجربة السجن بأنها “السواد بعينه”،معتبرا أنها “أسوأ فترة قضاها في سجن مصري’.

وبمجرد إتمامه السن القانوني، انتقل بيومي إلى سجن برج العرب بالإسكندرية – بتهم مختلفة في كل مرة- على حد قوله، كان من أبرزها “المشاركة في تظاهرات بدون إذن قانوني والانضمام لجماعة إرهابية”.

ويتذكر أحمد، البالغ من العمر الآن 23 عاما، تلك الفترة من حياته -وهو حاليا خارج مصر خشية الملاحقة الأمنية من جديد- قائلا: “كان التمييز واضحا في المعاملة بيننا كمحتجزين على ذمة قضايا سياسية وبين أبناء أصحاب النفوذ في البلد’.

بترت ساقها، وأحرقت في مناطق حساسة: وفاة الطفلة جنة يهز مصر

هل يحظى الأطفال بحماية كافية من الاعتداءات الجنسية في بلدكم؟

“أتذكر كيف كانوا يعاملون الطفل المتهم في قضية “اغتصاب وقتل الطفلة زينة” في بورسعيد قبل سنوات، إذ دخل المؤسسة العقابية بعد جهود كبيرة للحيولة دون ذلك .. فأولاد الكبار لا يدخلون مثل هذه المؤسسات”. وأضاف “كان أفراد الأمن داخل السجن يعاملونهم معاملة مختلفة نظرا لأن أهلهم من أصحاب المال”.

“لا ازدواجية في المعايير”

أثار حقوقيون، ولأكثر من مرة، إشكالية ازدواجية المعايير في التعامل مع المتهمين من الأطفال في قضايا أمنية إن كانوا من أبناء أصحاب النفوذ والمال في مصر.

وكانت آخر هذه الحوادث، تلك الواقعة المعروفة إعلاميا “بطفل المرور” أو “ابن المستشار”، التي ظهر فيها الطفل ذو الـ13 عاما في مقاطع فيديو تضمنت إهانته عناصر من الشرطة ومواطنين، لتخرج بعدها وسوم على مواقع التواصل الاجتماعي تُطالب بعدم غض الطرف عن عقوبته بسبب منصب والده الرفيع في القضاء.

وقد سارعت النيابة لتؤكد في بيان صادر عنها “التزامها بتنفيذ القانون وتحقيق المساواة بين الناس دون تمييز أو نظر إلى اعتبارات اجتماعية أو صفات وظيفية”.

كما خرج الناطق باسم نادي قضاة مصر داعيا إلى “ضرورة الفصل بين الواقعة وصفة أبيه القضائية’. لتقرر النيابة بعدها تسليم الطفل لوالده مع التعهد بحسن رعايته.

لكن بعد ظهور فيديوهات أخرى تتضمن إهانات جديدة، قررت النيابة إيداع الطفل دار رعاية.

ويقول المحامي والخبير الحقوقي في شؤون الطفل، محمود البدوي: “لا توجد ازدواجية في المعايير. فالسن القانونية من الثوابت التي لا يمكن الجدال فيها مطلقا، لأنها جزء من الاتفاقيات الدولية التي تلتزم بها مصر”.

وأضاف خلال حديثه لبي بي سي عربي أن ما حدث مع طفل المرور “تدابير احترازية تنتهي بقرار الإيداع وهو ما قامت به النيابة، وهو قرار سليم تماما”.

وتنص المادة 119 من قانون الطفل المصري على “عدم جواز الحبس الاحتياطي للطفل الذي لم يبلغ خمس عشرة سنة’.

ماذا عن المتهمين سياسيا من الأطفال؟

وتأتي انتقادات منظمات حقوقية لأوضاع الأطفال في السجون المصرية، بالتزامن مع اليوم العالمي للطفل الذي يوافق الـ20 من نوفمبر/تشرين الثاني من كل عام.

وفي تقرير لها نٌشر في مارس/آذار الماضي – بالتعاون مع منظمة “بلادي” الحقوقية- قالت منظمة هيومن رايتس ووتش “لجأ عناصر الشرطة وقطاع الأمن الوطني بوزارة الداخلية إلى الاعتقال التعسفي وإساءة المعاملة والتعذيب بحق مئات الأطفال. فاقم أعضاء النيابة والقضاة هذه الانتهاكات عبر انتهاكات إجراءات التقاضي السليمة والمحاكمات الجائرة”، منذ الإطاحة بالرئيس المصري السابق محمد مرسي في 2013.

وتضيف المؤسسة الحقوقية في تقريرها “برغم أن القانونين الدولي والمصري للطفل يحظران استخدام عقوبة الإعدام ضد الأطفال. لكن السلطات القضائية المصرية حكمت بذلك ابتدائيا على أطفال وتراجعت فيما بعد قائلة “إنها لم تكن تعلم سن المتهمين من الأطفال”.

تعذيب طفلين في مصر يثير غضبا كبيرا ويستدعي تحركا حكوميا

“الكفالة” طريق صعب للمرأة غير المتزوجة لتصبح أما في مصر

ويقول محام بمركز بلادي لحقوق الإنسان -رفض الكشف عن اسمه- “لقد منحت النيابة ابن المستشار كافة حقوقه القانونية، وهو ما لم يحدث في قضايا سياسية اتهم فيها أطفال”، بحسب قوله.

مشيرا إلى أنه شاهد خلال حضوره التحقيقات ما وصفه “بالانتهاكات المادية والمعنوية بحق بعض الأطفال خلال التحقيقات على خلفية أحداث 20 سبتمبر الماضي التي اعتقل على إثرها العشرات بعضهم أطفال”.

واستشهد المحامي الحقوقي في حديثه لبي بي سي بواقعة “الطفل عبد الله بومدين بشمال سيناء والذي اعتقل من منزله في2017 وكان عمره 12 عاما’. مشيرا “برغم قرار المحكمة بتسليم الطفل لذويه لكنه لم ينفذ ولا نعلم أين عبد الله حتى الآن لنعود مجددا لمرحلة الاختفاء القسري”، على حد تعبيره.

واختتم حديثه لبي بي سي قائلا “سنظل عالقين بين طريقة تطبيق القانون على بن المستشار وعبد الله بومدين المختفي قسريا منذ ثلاث سنوات’.

أهلية المحاسبة القانونية

حددت الأمم المتحدة السن القانونية للطفولة ليكون دون الثامنة عشرة. بحيث يتمتع كل من هم دون السن بحقوق الطفل، ومن بينها عدم المسؤولية الجنائية عن ارتكاب الجرائم.

ويقول المحامي محمود البدوي- وهو أحد المشاركين في وضع مواد متعلقة بقانون الطفل المصري ضمن لجنة الخمسين – خلال حديثه لبي بي سي “صرامة الالتزام بالسن القانونية تنقل الجناة من حالة إلى أخرى عند النظر في قضاياهم، فبضع ساعات كفيلة بأن تغير الأهلية القانونية والمسؤولية الجنائية للأفراد’.

واستشهد البدوي بذلك قائلا “هذا ما أٌستند إليه في الحكم في قضية الشاب راجح” قبل عام. وذلك بعد مطالبات على مواقع التواصل الاجتماعي بإعدام شاب دبر ونفذ قتل شاب آخر في مصر، إثر استنكار القتيل تحرش القاتل بإحدى الفتيات.

وأحالت النيابة العامة المصرية المتهم محمد راجح وثلاثة آخرين إلى محاكمة جنائية عاجلة، بعد أن أثبتت التحقيقات ضلوعهم في قتل شاب يُدعى محمود البنا كان قد استاء من تحرش راجح بإحدى الفتيات.

لكن العائق الأكبر أمام تنفيذ هذا النوع من “العدالة” الذي يطالب به الرأي العام هو أن القاتل دون السن القانونية للتقاضي، إذ تفصله أشهر قليلة عن سن الثامنة عشرة، وبالتالي يعد طفلا أمام القانون.

وتحول النقاش في وسائل التواصل الاجتماعي إلى جدل بشأن تعريف السن القانونية للأهلية والمسؤولية الجنائية، وكذلك سلطة ذويه التي قد تحول دون معاقبته بسبب نفوذهم.

يتعذر على بي بي سي نشر أي فيديوهات أو صور لمن ورد ذكرهم في التقرير احتراما لخصوصية الأطفال.

مسؤولية الخبر: إن موقع "سيدر نيوز" غير مسؤول عن هذا الخبر شكلاً او مضموناً، وهو يعبّر فقط عن وجهة نظر مصدره أو كاتبه.

مواضيع تهمك

Comments are closed.